نبض أرقام
06:16 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

"البديل هو الموت" .. كيف أصبح "التكيف" كلمة السر لنجاح الشركات والمستثمرين؟

2022/06/24 أرقام - خاص

"في الواقع ليس أمام الأعمال في عالم اليوم الكثير من الاختيارات.. فإما التكيف أو الموت حيث يبدو أن أيامنا هذه لا تعترف بالحل الوسط بشكل عام".. هذا ما قاله أستاذ علم الإدارة في جامعة "لويزيانا" "ليون سي ميغينسون" في خمسينيات القرن الماضي معتبرًا أن على الشركات إدراك "طبيعة العصر السريعة".

 

وإذا كان هذا هو الوضع قبل 70 عامًا فلا شك أن أهمية التكيف السريع والاستجابة للتغير ازدادت بشكل ملحوظ في عصرنا الحالي، مع زيادة المتغيرات وتنوعها بشكل يجعل التكيف المطلوب أكثر أهمية ويجعل الشركات والمستثمرين الذي يتمكنون من التكيف في مكانة مختلفة.


 

نموذج "مايكروسوفت"

 

على سبيل المثال فقد بلغ دخل "مايكروسوف" لعام 2021 أكثر من  168 مليار دولار بزيادة 17.5% عن مستوياته في عام 2020 والسبب الرئيس أنها كانت على قدر كبير من المرونة سمح لها بتبني التغيرات الحادثة في السوق.

 

فالشاهد أنه على الرغم من أن أول ما يتبادر للذهن عند ذكر "مايكروسوف" هو برنامج تشغيل "ويندوز" وبرامج "أوفيس" واللذان كانا بالفعل الأداة الداعمة لبناء إحدى أكبر الشركات في العالم إلا أن مساهمة الأخيرين في مدخولات الشركة باتت محدودة للغاية، وهو ما تغير على مدى السنوات الماضية مع تغيير الشركة التدريجي لجدول أعمالها.

 

وتشكل الحوسبة السحابية حاليًا حوالي 35% من عائدات "مايكروسوفت" لتصبح أكبر ما يمد الشركة بإيرادات في 2021، تليها نظم الحاسب الشخصية بنسبة 34% تليها نظم تشغيل المصانع والشركات التي تهدف لزيادة الإنتاجية وتحليل البيانات الكمية بنسبة 31%.

 

وبذلك تصبح الشركة التي قامت على "ويندوز" تعامل منتجها التاريخي كما لو كان منتجًا ثانويًا، فأكثر من 95% من العائدات التي تجنيها الشركة من أنظمة الحاسب الشخصية (والتي تشكل 34% من إجمالي الإيرادات) تأتي من نظام (saas) أي منح البرامج كخدمة يتم تجديدها شهريًا.

 

ويجعل هذا من مبيعات "ويندوز" و"أوفيس" وغيرهما من برامج "مايكروسوف" الشهيرة نسبة لا تتعدى 2% من مجمل إيرادات الشركة الشهيرة، ويشير بوضوح إلى التطور الكبير الذي أحدثته الشركة في هيكل إيراداتها لكي تستطيع البقاء في القمة بدلًا من الاندثار كما حدث لشركات أخرى.


 

وما يؤكد الاتجاه الصحيح للشركة –على الأقل حاليًا- هو استمرار النمو في القطاع الرائد للشركة في الحوسبة السحابية بشدة بما زاد إيراداتها في الربع الأول من 2022 بنسبة 20%، خاصة مع زيادة الشركة لأعمالها في مجال مساعدة الشركات على إقرار نظم العمل الهجينة (بين العمل عن بعد ومن المكتب) والتي تعد الحوسبة السحابية ركنًا ركينًا فيها.

 

"نوكيا" بين التكيف والجمود

 

وفي الوقت الذي يضرب كثيرون المثل بشركة "نوكيا" كمثال على الفشل في التكيف من أجل الحفاظ على شركة كانت الأكبر عالميًا في صناعة الجوال قبل 20 عامًا وما قبل ذلك، إلا أن كثيرين لا يعرفون أن "نوكيا" أصبحت عملاقة بفعل تكيفها مع السوق بادئ الأمر قبل تراجعها.

 

فقد بدأت شركة "نوكيا" بمصنع لتصنيع الخشب عام 1865 ثم تأسيس مصنع آخر لعمل لُب الورق عام 1868 بالقرب من مدينة فنلندية تدعى "نوكيا" ومن اسم الأخيرة حصلت الشركة على اسمها، قبل أن يحدث اندماج لثلاث شركات كبيرة عام 1967 تحت شعار "نوكيا" وكلها تعمل في المواد الخام، سواء الورق أو الخشب أو المطاط.

 

ولكن في عام 1975 –وبعد أكثر من 100 عام على تأسيسها- جاء قرار الشركة الأهم بالانتقال من المواد الخام إلى تلك ذات القيمة المضافة العالية من خلال الشراكة مع شركة "سالورا" التكنولوجية، وكان هذا هو "التكيف" الأبرز في تاريخ الشركة، وحققت من خلاله طفرات كبيرة، من خلال الانتقال من الصناعة التقليدية إلى تلك التكنولوجية.

 

ففي يونيو عام 2000 تخطى سعر سهم "نوكيا" 62 يورو، بعدما لم يكن سعره يتعدى بضع فلسات منتصف السبعينيات، ولكنه عاد للتراجع مرة ثانية فلم يتخط سعر السهم مستوى 5 يوروهات خلال السنة الأخيرة بالكامل ولم يتجاوز 8 يوروهات خلال السنوات العشر الأخيرة بما يشير لتراجع شديد للغاية في قيمة الشركة.

 

فالشركة التي نجحت بادئ الأمر بسبب إدراكها لقيمة الاتصالات في العصر الحديث، تراجعت لاحقًا بسبب عدم التحول إلى نظام تشغيل "أندرويد" وعدم تقديم نظام تشغيل بديل قوي في الوقت ذاته، حيث يصفها موقع "تيك تشرش" بأنها كانت تقدم جوالاً يعمل باللمس لكنه كان بنفس منهجية الجوال الذي يعمل بالأزرار.

 

كما لم تقم الشركة بتحديث كل تطبيقات بالشكل السريع اللازم ولم تؤسس متجراً مفتوحاً كما فعل نظام "أندرويد" ونظام "إي أو إس" أيضًا لتبدو "نوكيا" منعزلة عن التطور بشكل بعيد، كما بالغ الكثير من مدراء الشركة في تقدير قيمتها.


 

التكيف حاليًا

 

أما في وقتنا الحالي فمن ضمن التكيف مثلا ما يشير إليه بنك "يو.بي.إس" إلى أنه على المستثمرين غير المتخصصين أن ينزعوا إلى شراء الشركات التي تتعامل مع المستهلكين مباشرة أو التي تتعامل مع سلع الرفاهية وذلك لميل الشركات الأولى لتحقيق نتائج أفضل مع التضخم والثانية للانتعاش مع الركود.

 

بل ونصح "مورجان ستانلي" المستثمرين الأمريكيين بالبحث "خارج أمريكا" وتحديدًا في أمريكا اللاتينية التي أشار تقرير للبنك إلى أن حوالي 20% من أسهمها قد تكون مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية وتشكل فرصة سانحة للمستثمرين في ظل سوق متراجع للغاية في الولايات المتحدة.

 

بل بدأت مجموعة "سيتي بنك" في نصح المتعاملين معها بضرورة التنبه إلى التغيرات الجيوسياسية حول العالم والتي تؤثر على الاقتصاد والاستثمارات بشدة، فبعض الاستثمارات قد تتأثر بالعقوبات على روسيا، وربما بالمواجهة مع الصين لاحقًا أو حتى بالخلافات التجارية بين أوروبا وأمريكا أو غير ذلك من التطورات السياسية المتلاحقة في وقتنا الحالي.

 

ولذلك تشير دراسات إلى أن الكثير من الدول قد تتلقى لاحقًا، ومع تطور الأزمات السياسية، استثمارات أكبر ليس بسبب اقتصادي أو مزايا نسبية تنافسية، ولكن لأسباب سياسية بحتة تتعلق بتمتعها بعلاقات متوازنة مع مختلف دول العالم تسمح لها بالتجارة والاستثمار مع غالبية دول العالم دون عواقب.

 

وعلى المستثمر هنا التأقلم مع هذه الحقيقة، فقبل أشهر لم يكن من الممكن تصور سحب استثمارات بشكل ممنهج من دولة وتأميم الأخيرة لبعض الاستثمارات بأسعار قليلة للغاية مثلما حدث مع روسيا، لذا فإن هذا متغير على المستثمر التأقلم معه سريعًا بتدقيق أين يضع استثماراته المستقبلية وبحث مدى ملاءمة استثماراته الحالية للوضع المتغير، وبالنهاية حتى تقييم مستقبل استثماراته المحلية وفقًا لتأثرها بالوضع العالمي.

 

ولعل أحد أبرز أشكال التكيف مع التطورات الجارية هو ما فعله "وارين بافيت" باستثمار 36 مليار دولار في "أبل" عام 2016 حتى عام 2018 لتبلغ قيمتها عام 2022 قرابة 160 مليار دولار بمعدل ربحية 344% رغم رفضه القاطع سابقًا للاستثمار في أسهم التكنولوجيا.


 

"الفاء" وليس "ثم"

 

وبشكل عام فإن مراحل إدراك التغيرات أو "الصدمات" لدى البشر خمسة هي: الإنكار ثم الغضب ثم المساومة ثم الاكتئاب ثم التقبل.

 

ومن ينجح بصورة أكبر هو من يتمكن من تحويل ثم (وهي في اللغة العربية تفيد الفترة الطويلة أو التمهل) إلى فاء (بمعنى إنكار فرفض، فتقبل) فالفاء تفيد السرعة، ومن يكون أسرع في التحولات يتمكن من الاستحواذ على فوائد المراحل الأولى من أي سوق.

 

فكافة الدراسات الإدارية تشير إلى أن أي سوق يكون في مرحلته الأولى سوق "رواد" بمعنى أنه يشهد ظهور شركة أو عدد محدود من الشركات التي التفتت إلى فجوة في السوق أو قدمت حلًا مبتكرًا لمشكلة قائمة أو صنعت احتياجًا لدى الجمهور وعملت على تلبيته.

 

ثم يتحول سوق الرواد إلى سوق منافس ثم سوق منافس حاد وشرس حتى يصبح سوقًا مستقرًا على مستوى ربحية متدنٍ بسبب وصولها إلى حالة تشبه ما تصفه التقارير الاقتصادية بـ"المنافسة الكاملة" أي وجود عدد كبير من المشترين والبائعين بشكل يمنع أياً منهم من التحكم منفردًا بالعرض والطلب أو بالأسعار.

 

لذا ففي الوقت الذي تركز فيه الغالبية على الاستثمارات القائمة القائمة حاليًا فإن التقارير تشير إلى أن الشركات التي تعمل على تكنولوجيا الجيل الخامس وما بعدها، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والميتافيرس كمثال وليس حصرًا قد تكون بدرجة ما هو سوق الرواد حاليًا، ويبدو أن كثيرين مما سيدخلون فيها – بعد الدراسة اللازمة بالطبع - سيحصدون مكاسب استثنائية.

 

المصادر: أرقام- ايفي بيزنيس جورنال- تايم- سيتي بنك- سي.إن.بي.سي- سيتي بنك

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.