نبض أرقام
10:48 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

1929 .. كيف تعمل أسواق الأسهم خلال الأزمات الاقتصادية؟ وكيف يتصرف المتداولون؟

2022/05/27 أرقام - خاص

يُقال - عن حق - إن "هؤلاء الذين لا يدرسون التاريخ حُكِم عليهم أن يظلوا أبد الدهر أطفالًا"، لذا تبقى العودة إلى ما حدث سابقًا بمثابة وسيلة ناجعة لاستخلاص الإرشادات واستبصار التوقعات حول ما قد يحدث مستقبلًا.

 

وتحمل الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 1929 وأثرت على الولايات المتحدة والعالم أجمع لمدة عقد من الزمان وعرفًت باسم "الكساد الكبير" عددًا من الدروس الاقتصادية وأخرى متعلقة بتداول الأسهم، لا سيما مع تنامي المخاوف حاليًا من أزمة في الاقتصادين العالمي والأمريكي؛ بسبب التضخم المتنامي ومخاوف الركود.

 

 

وفي الوقت الذي خسر كثيرون ثرواتهم في سوق الأسهم في تلك المرحلة، بل ووصل الأمر إلى تزايد حالات الانتحار المرتبطة بالأسهم، إلا أن البعض تمكنوا من الإبحار عبر الأزمة بل وحققوا أرباحًا طائلة بينما يحقق غيرهم خسائر.

 

ماذا حدث في الاقتصاد؟

 

بدأت الأزمة الاقتصادية في الظهور عام 1929، حيث بلغ معدل الانكماش الاقتصادي الأمريكي 15%، ولاحقًا وصلت معدلات البطالة 30%، فضلًا عن إغلاق نصف البنوك الأمريكية أبوابها وإشهار إفلاسها، وخسارة الديون 20-25% من قيمتها بشكل عام وعجز كثيرون عن السداد.

 

وبين عامي 1929-1933 انكمش الاقتصاد الأمريكي بنسبة 36% وعلى الرغم من أن سوق الأسهم كان ينبغي أن تنخفض بنسبة مقاربة، بوصفه يضم شركات تمثل شتى قطاعات الاقتصاد، إلا أن انهياره كان أشد بمراحل خلال الفترة نفسها.

 

ولعل هذا الانخفاض الشديد يرجع لعدد من المؤشرات التي تهم سوق الأسهم أكثر من غيره وفي مقدمتها انكماش الدورة الاقتصادية مع معدل تضخم سالب وصل إلى -9.87% عام 1932، بما يؤكد استمرار تعثر الأعمال في المدى المنظور في ظل مبيعات أقل بأسعار أدنى.

 

وعلى الرغم من أن انهيار الأسهم يعرف بـ"انهيار 1929"، وبالتحديد انهيار "الثلاثاء الأسود" 29 أكتوبر 1929، إلا أن هذا التراجع لم يكن أدنى مستوى وصلت إليه السوق في هذه الفترة، بل بلغت السوق الحد الأدنى في 8 يوليو 1932.

 

 

ففي هذا التاريخ كان مؤشر "داو جونز" فقد 89% من قيمته في سبتمبر 1929 فيما بدا حينها كما تصف مجلة "تايم" كما لو "أن سوق الأسهم ستغلق أبوابها ولن تفتح مجددًا"، وخشى كثيرون من أن قيمة كل الأسهم قد تصبح صفرًا.

 

فعلى الرغم من أن هذا ليس ممكنًا حسابيًا لأنه حتى إذا أفلست بعض الشركات وعانت أخرى من صعوبات شديدة ستبقى شركات ذات قيمة دائمًا، إلا أن المخاوف بلغت هذا الحد في تلك المرحلة، لا سيما مع الحالة العامة للاقتصاد حينها.

 

لماذا الانهيار؟

 

أما عن سبب الانهيار فهناك نظريات كثيرة نقدية وكينزية حول أسباب انهيار الأسواق وذلك لنتيجة للكساد أو كمقدمة له نتيجة لنقص المعروض النقدي، وغالبًا ما تتكالب عناصر عديدة لتحقيق "العاصفة المثالية" التي تطيح بقيمة الأصول، وتؤثر على الأعمال كلها حتى المستقر منها.

 

ومن بين الأسباب الرئيسية لانهيار البورصة استمرار ارتفاع أسعار الأسهم بلا ضابط حتى وصل معدل الربحية إلى السعر في بعض الأسهم إلى 120 مما يشير إلى مبالغة كبيرة في قيمة الأصول وفقاعة سعرية لم تحتاج إلا فترة وجيزة من تراجع ثقة المستثمرين والمستهلكين معًا لكي تنفجر بكل قوة.

 

ويقول "إلكسندر إلدر" مؤلف كتاب "Trading for a Living" (امتهان التداول) إن الكثيرين حققوا أرباحًا من خلال استراتيجيات الدخول والخروج السريع من السوق، وبدا كثيرون أقرب لـ"الانتهازيين" أكثر منهم مستثمرين.

 

ويشير "إلدر" إلى أن متداولين حققوا أرباحًا وصلت إلى 100% في بضعة أيام في تلك الفترة ولكن ذلك كان بأسس "فاسدة" من خلال عمليات مضاربة مشبوهة أو من خلال الحصول على معلومات خاصة بهم تمكنهم من اتخاذ قرارات بيع وشراء وفقًا لبيانات لا يمتلكها السوق، وكانت تلك الفترة سببًا في تشديد قوانين المعلومات والفساد في البورصة الأمريكية.

 

ووفقًا لـ"إلدر" فإن السبب الرئيس وراء الأزمة التي شهدتها السوق والارتفاع الكبير "المبالغ فيه" في سعر الأسهم كان في اندفاع الكثير من "الناس العاديين" وليس المستثمرين إلى سوق الأسهم، وذلك في بداية العشرينيات من القرن الماضي، مع تراجع معدلات الفائدة وزيادة معدلات التضخم - نسبيًا - بما أدى لرغبتهم في تنمية مدخراتهم ورأوا في البورصة وسيلة لذلك.

 

 

وتشير "فوربس" إلى أن ارتفاع سوق الأسهم الأمريكية حينها كان ناجمًا عن "المزيد من الضخ" للأموال داخل البورصة من خلال دخول المزيد من المضاربين والتجار وليس نتيجة لقيمة حقيقية تنمو عضويًا، بما أدى في النهاية إلى تضخم الفقاعة ومن ثم انفجارها بأسوأ ما يكون.

 

"الرابح الأكبر"

 

وفي طريق تعافي البورصة من خسائر "الكساد العظيم" استمر الأمر أكثر من عقدين، وخلالهما تعرضت السوق للعديد من الانتكاسات الكبيرة التي خسرت السوق فيها 10-20% من قيمة أسهمه فيها في يوم واحد، بما يؤكد أن التعافي لم يكن "سحريًا" ولا "سريعًا" بل كان "بطيئًا ومؤلمًا" كما يصفه "إلدر".

 

وعلى الرغم من الخسائر التي تكبدتها الغالبية العظمى من المتعاملين إلا أن البعض أنهى تلك الفترة رابحًا، ومن بينهم "جيسي ليفرمور" وكان أحد أهم المتداولين في تلك الفترة، بل يعتبره كثيرون بمثابة "الرابح الأول" في ظل سوق هابطة بشكل حاد للغاية وهو أمر صعب للغاية.

 

وفي ظل غياب الرسوم البيانية الحديثة للأسواق والتي تُسهل التنبؤ بعمليات الارتداد الهابطة والصاعدة اعتمد "ليفرمور" على مفكرته لتكون أداته في التنبؤ، ففيها يرصد التغير في أسعار عدد من الأسهم التي قرر أنها الأجدر بالمتابعة، وبذلك تكونت لديه انطباعات قوية عن منحنيات الأسهم حتى لو لم تكن في رسم بياني واضح.

 

ويقول "ليفرمور" في كتابه حول "يومياته" في "وول ستريت" إنه "اعتاد تدوين أسعار الأسهم بشكل مستمر مع التركيز على اتجاهاتها في نقط معينة، فتؤكد تدويناته أنه عند مستوى 50 دولارًا مثلًا يميل المستثمرون إلى شراء السهم "إكس" لأنهم يعتقدون في استمراره للارتفاع بينما يميلون إلى بيعه عند 45 دولارًا لكنه لا يستمر إلى الانخفاض تحت 42 دولارًا.

 

وبالتالي يقوم "ليفرمور" بشراء السهم "إكس" للاحتفاظ به لفترة وجيزة عند مستوى 50 دولارًا لأنه صاعد بشكل مؤقت بفعل ما يصفه بـ"الطمع"، بينما يشتريه للاحتفاظ لفترة طويلة عند مستوى 42 دولارًا لأن هذا سوق "تراجع الخوف فيه" بما يجعله فرصة للاستثمار الطويل - نسبيًا- وليس المضاربة السريعة على "طمع" المتعاملين.

 

 

وبشكل عام أرسى "ليفرمور" عددًا من القواعد التي يجب اتباعها في حالات الأزمات بشكل أوثق، والتي أشار في كتابه إلى أن عدم اتباعه إياها أدى إلى تعرضه هو شخصيًا لخسائر ضخمة في وقت لاحق:

 

- تداول مع الاتجاه شراءً في سوق صاعدة، وبيعًا في سوق هابطة.

 

لا تتداول عندما لا تكون هناك فرص واضحة.

 

- انتظر حتى يؤكد السوق الرأي قبل الدخول فيه سواء صعودًا أو هبوطًا، معتبرًا أن الصبر يقود إلى "المال الفير".

 

- تداول الأسهم الرائدة في كل قطاع، تداول أقوى الأسهم في سوق صاعدة أو أضعف الأسهم في سوق هابطة.

 

- لا تواصل الاحتفاظ بسهم خاسر أو مشكوك فيه أملًا في المستقبل بل تخلص منه ثم أعد تقييمه لاحقًا.

 

- لا تتبع الكثير من الأسهم.

 

وحقق "ليفرمور" قرابة 100 مليون دولار حينها بسبب خروجه في الوقت المناسب من السوق أولا قبل الانهيار في أكتوبر 1929، ثم دخوله وخروجه بعد ذلك على فترات قصيرة.

 

والملاحظ أن "ليفرمور" نفسه خسر أمواله لاحقًا، وفي فترة أفضل من الركود العظيم كثيرًا، ولذلك اعتبر المستثمر الشهير بأن هناك قاعدتين أغفلهما، ويمكن اعتبارهما أهم درسين من تلك الحقبة وهما:

 

- لم يتم اكتشاف كافة القواعد بعد.

 

- في بعض الأحيان يقودنا الطمع أو الخوف إلى عدم اتباع القواعد التي أرسيناها لأنفسنا وهذا أكبر خطأ يمكن الوقوع فيه.

 

 

المصادر: أرقام- كتاب "My Life in Wall Street and How I Made Three Fortunes in the Stock Market"- كتاب "Trading for a Living"- فوربس- تايم

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.