في الوقت الذي قررت فيه مختلف دول العالم تقريبا أن أبرز ما يهدد اقتصادها حاليًا هو التضخم، بما اضطر الكثير من الدول لرفع سعر الفائدة لمحاولة امتصاص السيولة الزائدة من الأسواق، أو حتى لمضاهاة الخطوة الأمريكية برفع الفائدة، بدت الصين حريصة على زيادة السيولة في أسواقها وغير قلقة من التضخم بالمرة.
ضخ للسيولة
يوم الجمعة الماضية أعلنت الصين خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للمصارف لدى البنك المركزي بهدف تحرير المليارات من الدولارات السائلة، وقال البنك المركزي الصيني إنه سيخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي بـ0.25 نقطة مئوية لمعظم المصارف اعتبارا من الخامس والعشرين من أبريل، وبـ0.5 نقطة مئوية للمصارف الصغيرة، في وقت تكافح الصين أسوأ تفشٍّ لفيروس كورونا منذ بداية الجائحة.
وأشار البنك المركزي في بيان إلى أن هذه الخطوة ستوفر نحو 530 مليار يوان (83 مليار دولار) من السيولة طويلة الأجل ليجري ضخّها في الاقتصاد.
كما أعلن بنك الشعب (المركزي) قبل يومين حزمة إجراءات لدعم الأفراد والشركات، مطالبًا البنوك التجارية في الصين بالتوسع في إقراض الأفراد الذين يعملون في وظائف "مرنة" مثل سائقي السيارات الأجرة وأصحاب المتاجر الإلكترونية وسائقي الشاحنات، وكذلك تقديم قروض طويلة الأجل وبفائدة أقل للشركات الصغيرة المتضررة من تفشي فيروس كورونا المستجد.
وتوقع البنك أن تؤدي الإجراءات الجديدة التي أعلنها إلى زيادة إجمالي القروض المصرفية في الصين بمقدار تريليون وون (157 مليار دولار)، بما يجعل إجمالي الأموال التي سيتم ضخها في السوق حوالي 240 مليار دولار.
"صفر كوفيد"
تأتي القرارات الصينية على الرغم من ارتفاع الديون الحكومية في عام 2021 إلى 2.4 تريليون، وعلى الرغم من أنها من الأدنى عالميا كديون حكومية، إلا أن ديون الشركات والتي تبلغ 27 تريليون دولار من بين الأعلى في العالم، هذا مع وصول إجمالي الديون الصينية لقرابة 300% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ويتصدر الإصرار على تطبيق سياسة "صفر كوفيد" الأسباب التي تدعو بكين لتجاهل الديون والعمل على زيادة السيولة في الأسواق، فالسياسة والتي تعني عدم القبول بأي انتشار مهما كان صغيرا للفيروس والقيام بعمليات إغلاق واسعة لمواجهته ووأد الانتشار في مهده لها تأثيرات اقتصادية سلبية على مختلف الأنشطة.
ومع إغلاق الصين لمدينة شنغهاي ومن قبلها مدن أخرى بسبب مكافحة كورونا بدا أن البلاد تحتاج لتحفيز لتبقي على اقتصادها قادرًا على النمو في المرحلة المقبلة، وهو ما بدأته بتشجيع المصارف على تقليل نسبة الفائدة في محاولة لتحقيق رواج في الاقتصاد.
ويكشف "ريان بيترسون" مؤسس شركة الشحن السنغافورية "فليكس بورت" عن أن هناك أزمة حقيقية تتعلق بالشحن في الصين بسبب ضرورة البحث عن سائقي شاحنات يحملون شهادة "خلو من فيروس كورونا" تصدرها السلطات الصحية الصينية بما يجعل المتاح من السائقين محدودا للغاية ويزيد من أزمة قائمة بالفعل في قطاع الشحن بسبب أزمة الحاويات.
ويضيف "بيترسون" أن شحنة البضائع التي يتم إنتاجها في الصين تحتاج الآن إلى 115 يوما لكي تصل إلى مستودعات الجملة في الولايات المتحدة منذ لحظة إنتاجها وهو ما يزيد بمقدار 50 يوما عن المتوسط في فترة ما قبل كورونا، مشددا على أن أي مصنع يخفض إنتاجه في الصين ولو بنسبة ضئيلة يؤثر على سلاسل الإنتاج حول العالم نظرًا لمساهمة بكين الكبيرة في الصناعة والتجارة حول العالم.
التضخم المنخفض
كما أنه وفي الوقت الذي بلغ فيه معدل التضخم على مستوى العالم 4.35% خلال عام 2021 لم يتعد معدل التضخم في الصين 0.9%، وذلك يرجع لأكثر من سبب منها سياسة "صفر كوفيد" التي تقلل من مبيعات التجزئة والاستهلاك بشكل عام فضلا عن تراجع نسبي في مستوى ثقة المستهلكين في البلاد.
والشاهد أن معدل التضخم في الصين متدن للغاية حتى إنه جاء أقل بكثير من معدل التضخم الرسمي المستهدف بـ3% خلال العام المنصرم بما جعل المسؤولين لا يتخوفون من ارتفاع عام في الأسعار قدر تخوفهم من ركود محتمل تشجع عليه معدلات الضخم المنخفضة.
(تحرض معدلات التضخم المنخفضة للغاية المستهلكين على تأجيل قرار الشراء لأن الأسعار ستظل كما هي في المستقبل، خلافا لمعدل تضخم معقول يدفع المستهلكين للشراء تجنبا لزيادة أسعار مستقبلية).
وتشير التقارير إلى أن التدفق اليومي لمركبات الشحن على طول الطرق السريعة "ضعف بشكل كبير" منذ بداية أبريل، مع حالة من الشلل التي تشهدها أرصفة الموانئ الرئيسية في شنغهاي بشكل يثير المخاوف المستقبلية حول النمو الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.
تقلص متوقع للنمو
وفي تقريره الصادر أمس، الثلاثاء، أشار صندوق النقد الدولي إلى تراجع توقعاته لنمو الصين في 2022 إلى 4.4% بانخفاض عن سابق توقعاته بنمو 4.8% وذلك بفعل الإغلاقات والحرب الأوكرانية، بعدما سجّل العام الماضي 8.1%.
فالشاهد أن أزمة انتشار "كوفيد" في الصين تأتي بينما من المنتظر أن يعاني الاقتصاد الصيني عقبات بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية وسط تقدير البنك الدولي بأن يتسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية بفعل الحرب في تقليص النمو الصيني بنسبة 1% على أقل تقدير.
وفي مواجهة توقعات البنك الدولي والخبراء بتراجع النمو الاقتصادي أتت الخطوات الصينية لكي تحافظ على النمو في المرحلة المقبلة لا سيما في ظل تراجع الإنتاج الصيني الحاد في شهر أبريل خاصة وبشكل ما في شهر مارس الماضي.
والشاهد أن بكين لم تكن قادرة على اتخاذ تلك الخطوات ما لم تكن واثقة من قوة أرضية الاستثمار فيها ولا تخشى انسحاب رؤوس الأموال بسبب رفع الفائدة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الصيني سيدفع ثمنا مؤكدًا يتعلق بارتفاع معدلات التضخم في العام الحالي، والتي يتوقع أن تبلغ 5.35%، إلا أن الأثر الأخطر سيكون في ارتفاع معدلات الديون في بلد يصنف الكثير من ديون شركاتها على أنها "متوسطة الخطورة" بما يجعل الخطوات الصينية محفوفة بالمخاطر، حتى وإن كانت "ضرورية" بالنسبة لبكين.
المصادر: أرقام- بلومبرج- واشنطن بوست- وكالة الأنباء الفرنسية- سي.إن.بي.سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}