تبدو الدول الغربية عازمة على تصعيد عقوباتها الاقتصادية المفروضة على روسيا بشكل متدرج وتصاعدي، كرد على العملية العسكرية الجارية في أوكرانيا، حيث استهدفت بعض المقربين من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" والنظام المصرفي الروسي، مع التهديد بتصعيد متتال ومستمر.
وتصاعد الحديث مؤخرا حول استهداف الرئيس الروسي نفسه بعقوبات اقتصادية، واستهداف وزير خارجيته "سيرجي لافروف" أيضا، حيث يعتقد على نطاق واسع أن لديهما اصولا مالية كبيرة.
ولن يكون الرئيس الروسي أول قائد لدولة يتم استهدافه بعقوبات اقتصادية، حيث تم استهداف قيادات دول أخرى مثل سوريا وفنزويلا وبيلاروسيا وميانمار، كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على حاكم هونج كونج في عام 2020.
تقييمات مختلفة
وهناك تقديرات تشير إلى أن "بوتين" واحد من أثرى أثرياء العالم، ولكنه يصعب وضع تقدير دقيق لحجم ثروته، في ظل استخدامه لـ"كيانات ظل" من (أشخاص وشركات) واستثماره تحت أسماء مستعارة أو بواسطة أشخاص آخرين، فضلا عن الحديث حول تركيزه على اقتناء عقارات غالية الثمن.
ويشير "بول برودو"، وهو مستثمر أميركي حقق ثروات من استثماره في روسيا قبل انقلابه على حكامها، إلى أن ثروة "بوتين" تقدر بحوالي 200 مليار دولار، وذلك خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ.
وفي هذا الصدد يقول "جوزيف بوريل"، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية "إنه عندما تمتلك ثروات كبيرة، فإن انتزاع بعض أصولك يكون مؤلمًا للغاية"، مضيفا أن هناك "عملا كبيرا" يجب إنجازه للوصول إلى أصول "بوتين" و"لافروف" في أوروبا، في ظل تأكيده عدم تسجيلهما ممتلكاتهما باسميهما.
واختلفت تقييمات ثروة "بوتين" عبر السنوات. ففي عام 2012 قال "ستانسيلاف بيلكوفيسكي"، وهو مستشار سابق (في مستوى متوسط) في الكرملين، إن ثروة بوتين تتخطى 70 مليار دولار، وهو رقم كفيل بوضعه في قائمة "فوربس" لأغنى 20 رجلا في العالم، في وقتنا الراهن.
وبنيت حسابات "بيلكوفيسكي" على أساس تقديري لامتلاك "بوتين" لحصص كبيرة في الشركات الروسية، وخاصة في قطاع النفط.
أما الاقتصادي السويدي "أندرياس أسلاند" فقدر حجم ثروة "بوتين" بحوالي 100-130 مليار دولار، وذلك في حسابات مبنية على ثروات الطبقة "الأولجاركية" (الغنية) المقربة من "بوتين"، حيث تتراوح ثروات كل شخص في هذه الطبقة بين نصف مليار إلى ملياري دولار.
التقارير الرسمية تختلف
وتأتي كل هذه الحسابات على الرغم من التقارير الرسمية التي يقدمها الكرملين، بحصول "بوتين" على دخل سنوي 140 ألف دولار، وامتلاكه لشقة 800 متر في سان بطرسبرج، ولسيارات قديمة منذ العهد السوفيتي، وسيارة نقل سيارات، وشاحنة.
ومجموع كل هذه الأصول لا يتجاوز ممتلكات أقل فرد في دائرة "بوتين" المقربة، والتي يشير الخبراء إلى أنهم يشكلون "واجهة" فحسب لثروة "بوتين"، ويعملون على توزيعها في العديد من الحسابات المصرفية والاستثمارية داخل وخارج البلاد، فضلا عن امتلاكهم لحصص في شركات خارج روسيا.
ويؤكد "برودو" خلال شهادته أمام مجلس الشيوخ، أن الرئيس الروسي يميل إلى الاحتفاظ بثروته في الغرب، مشيرا إلى أن معرفة "بوتين" بأن هذه الأموال قد تكون محل استهداف من جانب الغرب في حالة الصراع جعله "يجيد إخفاء ثروته"، مرجحا اقتصار استثماراته على أوروبا وعدم توجهه بالاستثمار إلى الولايات المتحدة.
وتقول "جين باسكي"، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن "تجميد أصول "بوتين" و"لافروف" سيرسل لهما تأكيدًا على حجم المعارضة الغربية لتحركات روسيا في أوكرانيا"، بما يشكل إشارة واضحة إلى أن خطوة مثل تلك ستحمل جانبا رمزيًا أكثر منها عقاباً حقيقيًا لبوتين.
وتأتي تصريحات المعارض الروسي المسجون "أوليغ نافالني"، في نفس الإطار حيث يقول: "الموضوع يسير، كي تؤثر على "بوتين" عليك استهداف ثروته الشخصية". وبعد ذلك طالبت مؤسسة نافالني البيت الأبيض بتطبيق عقوبات اقتصادية على 35 شخصية مقربة لـ"بوتين"، وتم استهداف بعضها بالفعل خلال الأيام الماضية.
و"نافالني" نفسه حاول الكشف عن جزء وصفه باليسير من ثروة "بوتين"، من خلال فيديو نشره لما يوصف بـ"القصر السري" للرئيس الروسي، والذي تبلغ مساحته 39 ضعف مساحة إمارة موناكو، وقيمته 1.4 مليار دولار ويحتل موقعا مميزا للغاية على ساحل البحر الأسود.
ويزيد الملياردير الروسي المنفي "سيرجي بوغاشيف" من صعوبة استهداف "بوتين" بقوله في عام 2015 "إن استهداف بعض الأصول المملوكة لـ"بوتين" في واقع الأمر جهد ضائع، فالرئيس الروسي يعتبر أن أي شيء يقع داخل أراضي روسيا الاتحادية ملك له، وبشكل واقعي فإنه يمكنه حيازته".
سؤال المليون دولار
وعلى الرغم من التأكيدات الروسية بعدم القلق من فرض عقوبات على "بوتين" من الناحية الاقتصادية، وتصريحات الناطق باسم الكرملين بأن هذا الأمر سيكون "مدمرا سياسيًا" فحسب، إلا أنه يبدو أن بعض القلق أصاب "بوتين" من احتمال استهداف أصوله.
ويتجلى ذلك في إبحار يخت بقيمة 125 مليون دولار، يعتقد بملكية "بوتين" له، من ألمانيا إلى روسيا، وذلك قبل أسبوعين فحسب من الاستهداف الروسي لأوكرانيا، على الرغم من عدم إتمامه لإصلاحات مقررة سلفًا في هامبورج، بما يوحي بأن بوتين يقلق ويمكن استهدافه.
كما أن تنازل الملياردير "رومان أبراموفيتش" –والمعروف بقربه من "بوتين"- عن إدارة نادي "تشيلسي" الانجليزي، ولو مؤقتا، يشير لخشية "بوتين" ودوائره المقربة من الاستهداف اقتصاديا. ولكن السؤال الكبير (أو سؤال المليون دولار) يبقى: هل يمكن حصر ثروته؟
تبدو مهمة معقدة، ما يؤكد صعوبتها ما أورده "فريق الثروات" في مجلة "فوربس" في يناير الماضي، حيث كتبوا ما نصه "البحث عن ثروة "بوتين" الدقيقة هي أصعب "أحجية" قابلتنا على الإطلاق، حتى أنها أكثر تعقيدا من العديد من الثروات الغامضة لبعض ورثة الثروات أو تجار المخدرات الذين التقطنا آثار أصولهم بصعوبة عبر الأعوام".
المصادر: فوربس- تايم- إيه بي سي- فورتشن
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}