لم يترك التغير المناخي أي قطاع إلا وكان له تأثير سلبي عليه، وبسبب زيادة الاحترار العالمي تأثرت عدة محاصيل وزراعات اعتادت على درجة حرارة معينة وطبيعة معينة للأجواء، وبناءً على ذلك ومنذ مئات السنوات تم تقسيم خريطة الزراعة والمحاصيل والبذور بهذا الشكل والمعايير، محاصيل معينة تُزرع في روسيا بسبب طبيعة المناخ، محاصيل أخرى تُزرع في أنغولا بسبب طبيعة المناخ هناك، لكن الآن الأمور بدأت تكون أكثر فوضوية.
المشكلة الأكبر أن التأثيرات السلبية للتغير المناخي قد بدأت في الانعكاس على واحدة من أهم العادات اليومية لملايين بل مليارات البشر، ألا وهي: شرب قهوة الصباح، وما بين بن "روبوستا" وبن "ارابيكا" اللذين يُعدان من أبرز وأشهر أنواع البن وأكثرها استهلاكاً، يشرب الناس كل يوم نحو مليار كوب قهوة وسنوياً ما يقارب الـ 400 مليار كوب.
تاريخ القهوة
تتباين الروايات حول أصل نبتة القهوة ما بين إثيوبيا واليمن، لكن على كل حال هناك إجماع بين المؤرخين والخبراء أنها بالتأكيد خرجت من هذه المنطقة الجغرافية حول البحر الأحمر سواء في قارة أفريقيا (إثيوبيا وإريتريا والقرن الأفريقي) أو قارة آسيا (اليمن).
الاستهلاك العالمي
ليس مستغرباً أن تكون الدول الباردة الأوروبية متواجدة بقوة في قائمة أكثر الدول المستهلكة للقهوة مثل سويسرا وهولندا بينما تحتل صدارة القائمة الدول الإسكندنافية، حيث تكون الحرارة في مدينة مثل "أوسلو" شتاءً تحت الصفر بنحو 15 إلى 20 درجة وهي ضمن الأكثر برودة في أوروبا والعالم، حيث تُقدم القهوة مع كل الوجبات طوال اليوم، ويحظى العمال والموظفون قانوناً براحتين أثناء العمل مدتهما عشر دقائق تُسمى "راحة شرب كوب قهوة".
قائمة أكبر دول العالم استهلاكاً للقهوة 2020 |
||
الترتيب |
الدولة |
الاستهلاك (كيلو جرام للفرد سنوياً) |
1 |
فنلندا |
12.0 |
2 |
النرويج |
10.0 |
3 |
آيسلندا |
9.0 |
4 |
الدنمارك |
9.0 |
5 |
هولندا |
8.4 |
6 |
السويد |
8.2 |
7 |
سويسرا |
7.9 |
8 |
بلجيكا |
6.8 |
9 |
لوكسمبورج |
6.5 |
10 |
كندا |
6.5 |
الإنتاج العالمي
تحتاج القهوة إلى طقس وأجواء مناخية معينة تجعل من المناطق الجغرافية التي تتسم بالمواصفات التالية هي الأكثر مثالية لازدهار بذور القهوة.
1- أن تكون حرارتها بين 18 و21 درجة سيليزيوس.
2- أن تحظى بموسم أمطار لا يزيد على 3 شهور في العام.
3- أن يتسم النهار بالحرارة والليل بالبرودة.
4- أن تُزرع على ارتفاع 1000 – 2000 متر فوق سطح البحر.
هذه المواصفات تعني أن الدول التي تقع بين خط طول 25 و30 سوف تكون هي الدول الأكثر مثالية لإنتاج القهوة، وبطبيعة الحال هذا النطاق الجغرافي كله يضم دولاً منخفضة الدخل أو اقتصادات ناشئة تبحث عن طريقها نحو التقدم في قارات أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا، أو اختصاراً أصبح يُطلق عليه حزام القهوة.
قائمة أكبر دول العالم إنتاجاً للقهوة 2020 |
|||
الترتيب |
الدولة |
الإنتاج (مليون كيس فئة 60 كجم) |
الحصة من الإنتاج العالمي (%) |
1 |
البرازيل |
63.4 |
37.4 |
2 |
فيتنام |
29.0 |
17.1 |
3 |
كولومبيا |
14.3 |
8.4 |
4 |
إندونيسيا |
12.0 |
7.1 |
5 |
إثيوبيا |
7.3 |
4.3 |
6 |
هندوراس |
6.1 |
3.6 |
7 |
الهند |
5.7 |
3.4 |
8 |
أوغندا |
5.6 |
3.3 |
9 |
المكسيك |
4.0 |
2.4 |
10 |
بيرو |
3.8 |
2.2 |
البرازيل: منذ عقود طويلة هي القوة المهيمنة على سوق القهوة العالمي، بعد أن أستطاعت أن تزيح منافستها كولومبيا عن الصدارة، وتمثل ما يعادل نحو ثُلث الإنتاج العالمي، وذلك بفضل الظروف المناخية الأكثر من مثالية ورائعة لزراعة القهوة على مساحة 27 ألف كم2 ينتج آلاف المزارعين والملاك الصغار القهوة لكل العالم خاصة في مقاطعات "ساوباولو" و"ميناس جريس" و"بارانا".
فيتنام: منذ عام 1990 نجحت في إيجاد موطأ قدم لها في هذه السوق العالمية عبر طرح نوع من القهوة أرخص من البرازيلية، وبفضل الإصلاحات الاقتصادية التي نُفذت في التسعينيات وحزم الدعم الحكومي للمزارعين، ازدهرت صناعة القهوة الفيتنامية وأصبح لها تأثير ونفوذ عالمي كبير منذ ذلك الوقت.
كولومبيا: قبل مائة عام، حرصت الدولة اللاتينية على أن تكون ضمن أهم الموردين لسوق مستهلك كبير من سوق الولايات المتحدة بأكياس القهوة، ومع الكساد العظيم انهارت الأسعار والأسواق وتعرض الكثير من المزارعين الصغار لخطر الإفلاس حتى تدخلت الحكومة وأنقذت الصناعة الناشئة، وبعدها بأربعة عقود وبحلول 1962 حين وقعت كولومبيا على اتفاقية عالمية لمُصدري القهوة تُشبه منظمة "أوبك" لمُصدري النفط، ضمت الاتفاقية 70 دولة منتجة للقهوة تقع في تقع ضمن حزام القهوة Bean Belt، واتفقت هذه الدول سوياً على الأسعار والحد الأدنى لعقود التصدير للحفاظ على نمو السوق وتغطية التكاليف.
الجانب الطبي
كما هي العادة في أي نوع طعام أو شراب، ما يزيد على حد معين يتحول إلى مشكلة صحية كبيرة، وتقول دراسة لجامعة South Australia إن شرب أكثر من 6 أكواب قهوة يومياً قد يؤدي وبسرعة الصاروخ للإصابة بأمراض ضغط الدم التي بدورها تزيد احتمالية التعرض لمشاكل بالقلب.
أما استهلاك أقل من 400 ميليجرام من الكافيين فهو أمر غير ضار بحسب معظم الدراسات والآراء الطبية، مع الوضع في الاعتبار الاختلافات في الطول والوزن والعمر والحالة الصحية بشكل عام بين شخص وآخر.
التغير المناخي
يؤثر الاحترار والانبعاثات في رفع درجة حرارة الأرض وبالتالي تغيير الوضع المثالي المستمر عبر قرون لزراعة بذور بن القهوة، لذا يعاني مئات آلاف الملاك المزارعين الصغار من خطر انخفاض الإنتاجية في السنوات الأخيرة مما يعرضهم لخطر الإفلاس، ورغم وجود عدة وسائل لحماية المحاصيل من أثر الاحترار إلا أن هذه الوسائل مُكلفة ولا يملك القدرة على تمويلها هؤلاء المُلاك الصغار.
وسائل لمكافحة التغير المناخي لحماية القهوة:
1- زراعة أشجار الظل بجوار محصول القهوة، تحافظ على برودة البذور واستقرار التربة.
2- نقل الزراعة لمناطق مرتفعة، حيث الحرارة أكثر برودة من المنخفضات.
3- التحول نحو بذور قهوة مهجنة معملياً وأكثر قدرة على الصمود وتحمل الاحترار.
وهنا يقع على عاتق حكومات الدول الصناعية والشركات الملوثة في الولايات المتحدة والصين وأوروبا مسئولية أخلاقية ودور في دعم هؤلاء المزارعين، حيث تعهدت هذه الدول في 2009 بسداد 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية منخفضة الدخل التي سوف تتأثر من الانبعاثات والتلوث، ومع ذلك وطوال أكثر من 11 عامًا لم تصل هذه الأموال إلى مستهدفاتها أبداً.
وأول المتضررين من التغير المناخي هما المزارعون الصغار والمُلاك محدودو الثروة في جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما يهدد بتدهور سوق بأكمله على مستوى العالم يعتمد ويراهن على المزارعين وعلى البذور والإنتاجية بكميات معينة وتوقيتات تسليم ثابتة، ومع ختام قمة "جلاسجو 2021" بإعلانها في بيانها الختامي عن أسفها لعدم القدرة على إلزام الدول الغنية بالوفاء بتعهداتها المالية، لكنها طالبتهم بسدادها (100 مليار دولار بشكل سنوي) قبل حلول عام 2025، لإنقاذ الدول النامية ومساعدتها في علاج آثام الدول المتقدمة.
أزمة سلاسل الإمداد والتضخم
وصلت أسعار القهوة مؤخراً إلى أعلى مستوياتها في سبع سنوات كاملة، حيث ارتفع سعر بن "ارابيكا" الشهير إلى 2.2 دولار لكل رطل في بورصة نيويورك وهو أعلى مستوى من أكتوبر 2014 بحسب وكالة "بلومبرج"، تضخم سعر القهوة حدث لعدة أسباب، يمكن إيجازها فيما يلي:
1- ارتفاع تكاليف الشحن البحري والتصدير.
2- مشكلات تعطل بعض الموانئ الرئيسية واختناقات سلاسل الإمداد.
3- صعوبات في الإنتاجية نتيجة الطقس السيئ.
4- فورة أسعار الأسمدة اللازمة لزراعة القهوة.
ومع استمرار فورة الطلب بالتزامن مع نقص المعروض وانخفاض المخزونات، تحلق أسعار القهوة كما حلقت كل أسعار المحاصيل والسلع الغذائية مؤخراً للدرجة التي دفعت "الفاو" إلى إعلان أن أسعار الغذاء في أكتوبر الماضي كانت هي الأعلى منذ يوليو 2011، مع توقعات قاتمة وعدم وجود آفاق لحلول قريبة على الأجل القصير، وهو ما يعني ارتفاعًا في أسعار مشروبات المقاهي في كل أنحاء العالم.
المصادر: أرقام –International Coffee Organization–statista–visualcapitalist–theconversation–macrotrends
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}