"ثق ولكن تحقق".. مثل روسي رفعه الرئيس الأمريكي السابق "رونالد ريجان" شعارًا لمفاوضاته في الثمانينيات مع زعيم الاتحاد السوفيتي حينذاك "ميخائيل جورباتشوف"، والتي سعت من خلالها الولايات المتحدة لوضع حد لحربها الباردة المستمرة منذ عقود مع الاتحاد السوفيتي، وربما لا يوجد من يحتاج إلى رفع شعار "ريجان" أكثر من مستثمري سوق الأسهم.
المستثمر الذكي لا يتخلى أبدًا عن تشككه في البيانات والتقارير المالية التي تصدرها الشركات المدرجة بسوق الأسهم بشكل دوري.
مهما كنت واثقًا في نزاهة إدارة الشركة وصرامة القواعد التنظيمية وأمانة ومهنية شركات المراجعة يجب أن تنظر دائمًا بعين فاحصة إلى بيانات الشركة بحثًا عن أي خلل أو خطأ مقصود أو غير مقصود قد يؤثر على مستقبل الشركة وبالتعبية على أموالك كمساهم.
شركة واعدة
بدأت قصة شركة "تيك تو" العاملة في مجال توزيع ألعاب الفيديو حين زاد سعر سهمها المدرج ببورصة "ناسداك" الأمريكية بأكثر من الضعف في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2001.
حتى ذلك الوقت، كان كثير من المحللين في السوق يشيرون إلى الشركة باعتبارها مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية مقارنة مع منافسيها في السوق مثل "إليكترونيك آرت" و"أكتيفجن"، مما قاد إلى تكهنات بأن "مايكروسوفت" في طريقها للاستحواذ عليها.
على إثر هذه التكهنات، اندفع كثير من المستثمرين إلى شراء السهم، ولكن لسوء حظهم توقف الاتجاه الصعودي للسهم فجأة في الرابع عشر من ديسمبر 2001.
تراجع سهم الشركة بمقدار 4.72 دولار ليصل إلى 10.33 دولار، مسجلًا بذلك انخفاضًا قدره 31%، بسبب شائعات تفيد بأن الشركة قد تضطر إلى إعادة تقدير أرباحها.
بعد ثلاثة أيام، وتحديدًا في السابع عشر من ديسمبر عام 2001 تأكدت صحة الشائعات، حين أعلنت الشركة أنها ستعيد تقدير أرباحها عن الأرباع الثلاثة الأولى من العام المالي المنتهي في 31 ديسمبر 2001.
وأوضحت الإدارة أن سبب إقدامها على هذا التعديل هو قيام الشركة بتسجيل عائدات بيع بعض الألعاب في إيراداتها، في حين أن هذه الألعاب تم إرجاعها من قبل الموزعين لاحقًا أو تمت إعادة شرائها بواسطة "تيك تو".
شملت التعديلات أيضًا، خفض ربحية السهم في العام المالي 2000 من 0.88 دولار للسهم إلى 0.75 دولار للسهم.
المثير للدهشة هو أن ما أعلنت عنه "تيك تو" لم يثر الريبة لدى مساهمي الشركة الذين صدقوا تبريرات الشركة لإقدامها على تعديل بياناتها بهذا الشكل، ووصل الأمر إلى أن السهم ارتفع بمقدار 3.23 دولار في نهاية جلسة السابع عشر من ديسمبر.
شيء مريب يدور في الكواليس!
على النقيض تمامًا كان محللو شركة "روكر بارتنرز" الأمريكية المتخصصة في البيع على المكشوف يرون أن ما أعلنت عنه "تيك تو" هو سبب كاف للشك بأن الشركة تبيع منتجاتها لنفسها، وتسجل تلك المبيعات الوهمية في بند الإيرادات بتقاريرها المالية.
تحدى رئيس الشركة "بول إيبلر" تشكيك محللي "روكر بارتنرز" في النزاهة المحاسبية وسلامة المركز المالي للشركة، وكشف عن توقعات متفائلة جدًا لنتائج الشركة في عام 2002.
هذا الرأي سانده عدد من محللي وول ستريت الذين لم يجدوا سببًا للتشكيك في نزاهة "تيك تو" وكانت جل توصياتهم للسهم عبارة عن توصيات شراء، مع تحديد سعر مستهدف قدره 25 دولارًا، في الوقت الذي كان سعر السهم لا يتجاوز الـ14 دولارًا.
لم يمض الكثير من الوقت قبل أن تمر الشركة بمشكلة أخرى، في الثاني والعشرين من يناير 2002 أعلنت "تيك تو" عزمها تأجيل إصدار نتائجها السنوية عن العام المالي 2001 ونتائجها الفصلية عن الربع الأخير من العام نفسه، وهو الإعلان الذي تبعه فورًا قرار من بورصة ناسداك بإيقاف التداول على السهم.
الشركة تبيع لنفسها!
في الثاني عشر من فبراير 2001، عدلت الشركة ربحية السهم في عام 2001 بالخفض من 0.88 دولار للسهم إلى 0.23 دولار للسهم.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت الشركة عن أن لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة قد بدأت تحقيقًا موسعًا بشأن بياناتها المالية. وفي اليوم التالي، استقال المدير المالي للشركة "ألبرت باستينو".
وعلى الرغم من كل هذه التطورات السلبية، ظل بعض المحللين متفائلين تجاه مستقبل السهم، وتبعهم بالطبع كثير من المستثمرين، ليستمر سعر السهم في الارتفاع بعد استئناف التداول عليه ليكسر حاجز الـ20 دولارًا في أبريل 2002، وذلك قبل أن يرتفع إلى 30 دولارًا بحلول نوفمبر من نفس العام.
مضت سفينة "تيك تو" لعامين إضافيين، وفي عام 2005 كانت الشركة وإدارتها ومساهموها على موعد مع الحقيقة.
وجهت لجنة الأوراق المالية والبورصات تهمًا بالاحتيال والتلاعب بالبيانات المالية لعدد من كبار التنفيذيين فيها.
بحسب اللجنةـ كان من بين الممارسات الاحتيالية التي تورطت فيها الإدارة هو قيامها بشحن مئات الآلاف من ألعاب الفيديو إلى الموزعين الذين لم يكونوا ملزمين بالدفع لها ليحجزوا الألعاب لديهم لفترة، فيما تعاملها الشركة كما لو كانت مبيعات، وذلك قبل أن تقبل إرجاع تلك المنتجات في فترات لاحقة.
في التاسع من يونيو 2005، وافقت "تيك تو" على دفع غرامة قدرها 7.5 مليون دولار لتسوية الاتهامات الموجهة إليها من لجنة الأوراق المالية والبورصات، بينما وافق رئيس مجلس إدارة الشركة السابق على دفع غرامة قدرها نصف مليون دولار تمثل قيمة المكافآت التي حصل عليها بغير حق بناءً على الإيرادات الوهمية غير الدقيقة المبلغ عنها.
المصادر: أرقام – سي إن إن – لجنة الأوراق المالية والبورصات
كتاب: Financial Statement Analysis
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}