نبض أرقام
01:20 م
توقيت مكة المكرمة

2024/12/22
2024/12/21

بعد اقترابها من 300 تريليون دولار .. هل تتسبب الديون في جلطة بجسد الاقتصاد العالمي؟

2021/09/21 أرقام - خاص

تخيل أن لدينا مجموعة مكونة من 10 عدائين في ماراثون أوليمبي، لكن هذا الماراثون ليس له خط نهاية وإنما المسافة مفتوحة والمنافسة مستمرة طالما تستمر قلوب المتسابقين فى الخفقان، مسافة لانهائية من الكيلومترات، العداؤون العشرة لهم أوزان مختلفة وأعمار مختلفة وكتلة عضلية مختلفة، وبالتالي ستكون الهيمنة وصدارة السباق للأكثر جهوزية والأعلى قدرة على التحمل.

 

بدأ السباق وانطلق الماراثون وبعد مدة معينة قام أحد المتسابقين بشرب سوائل تحوي تركيبة كيميائية معينة تحفز عضلة القلب على العمل والخفقان أكثر ومنح قوة إضافية لعضلات الجسم على الركض أسرع لمسافة أطول وفى نفس الوقت تمنح المتسابق قدرة على مقاومة التعب والإجهاد.

 

 

هكذا يستطيع المتسابق الأول الحفاظ على صدارته وتوسيع المسافة بينه وبين الثاني، يبدأ الخبر ينتشر بين المتسابقين التسعة الآخرين فيشربون أيضا نفس السوائل بكمية تختلف من شخص لآخر بحسب قدرة جسده، وفي مدة زمنية مختلفة عن الآخرين.

 

المتسابق الذي تناولها أولاً استمر في الصدارة ومن تناولها بعده حافظ على المركز الثاني وهلم جراً، وبالتالي أصبحوا متساوين في تناول هذه المنشطات لكن بكميات مختلفة وفي توقيتات زمنية مختلفة.

 

هذه نفسها هي قصة الديون، هي منشطات وتركيبة كيميائية غير طبيعية تدخل إلى جسد الإقتصاد كي تعطيه إمكانيات وقدرات أعلى ليحقق نتائج أسرع تجعل الدولة قادرة على مواكبة التحديات في السباق العالمي نحو التنمية والهيمنة الاقتصادية.

 

مثل تحدي النمو السكاني وتحدي خريجي الجامعات الذين يحتاجون إلى وظائف والأطفال الذين يحتاجون إلى مدارس والسكان الذين يحتاجون إلى خدمات أكثر وأعلى جودة، لكن لماذا تضطر الحكومات لهذه المنشطات؟

 

كما قلنا تحتاجها كي تواكب السباق العالمي، لكن هناك سببًا آخر وهو أن القدرات الطبيعية لا تكفي لتزويد الإقتصاد بكمية الوقود المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية في مدى زمني قصير، أما الديون فهي تفعل ذلك وتأتي بمفعول سريع على حياة الناس ومستوى معيشتهم.

 

هي قادرة على تغيير صحة الاقتصاد وحياة الناس وقوة الدولة في وقت سريع وفعال، وبمعنى آخر إيرادات الدولة في الموازنة العامة لا تكفي لتغطية المصاريف المطلوبة لمواكبة الاحتياجات المتصاعدة لشعبها، وفي نفس الوقت الحفاظ على ترتيب اقتصادها في الصراع العالمي.

 

وبحسب أحدث إحصائية أصدرها "معهد التمويل الدولي" الأسبوع الماضي تقول إن إجمالي ديون العالم شاملة ديون الحكومات والشركات والأفراد قد وصلت إلى 296 تريليون دولار حتى الربع الثاني من 2021، ارتفاعا من  288 تريليون دولار في الربع الذي يسبقه مباشرة و270 تريليون دولار في الربع الثاني من العام الماضي.

 

 

بالطبع الرقم يبدو مرعباً لكن تذكر دائما أن الديون لا تُقاس بالقيمة المطلقة بل بالنسبة، وعلاقتها باقتصاد الدولة أو المنطقة أو العالم ككل، بشكل أكثر وضوحاً، نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي.

 

توجد عوامل أخرى بخلاف الناتج المحلي لكنه يظل المعيار الأشهر بين كافة المعايير، والدين العالمي حالياً يقف عند نسبة 353% من الناتج الإجمالي العالمي، لكن من ناحية أخرى شهدت ديون الأفراد زيادة كبيرة في الربع الثاني من العام الجاري قدرها 1.5 تريليون دولار خاصة في الأسواق الأمريكية والصينية والبرازيلية بإغراء من الفائدة المنخفضة التي تزامنت مع برامج التحفيز لمجابهة ركود الجائحة ولتنشيط الأسواق.

 

 

وهنا ننتقل بمثال المنشطات من مقياس الدولة لمقياس الفرد، الديون تُحدث في حياتك نفس الأثر الذي تُحدثه في الدولة، تغيير سريع وتحول كبير في وقت قصير للغاية، سيارة أحلامك التي كانت تحتاج إلى 30 سنة عمل لكي تجمع ثمنها من راتبك، يمكنك الآن شراؤها بقرض والتقسيط على 20 عاماً.

 

وهنا يمكنك قياس قدرتك على تحمل المنشطات الصناعية عبر قياس القسط الشهري للقرض إلى إجمالي دخلك والذي يجب ألا يزيد في المتوسط العالمي عن 30% إلى 50% من إجمالي راتبك الشهري، لأنه لو تجاوز هذه المستويات تكون في خطر مالي محدق.

 

نماذج حول العالم لنسب ديون الأفراد للناتج المحلي الإجمالي حتى 2020/2021

الدولة/المنطقة

النسبة (%)

سويسرا

%134.3

أستراليا

%129.0

كندا

%110.6

بريطانيا

%96.6

فرنسا

%79.2

بلجيكا

%70.7

أمريكا

%69.5

سنغافورة

%68.5

اليابان

%65.2

الصين

%62.0

ألمانيا

%58.7

متوسط دول الاتحاد الأوروبي

%54.1

النمسا

%53.8

روسيا

%20.2

الهند

%12.4

 

تلاحظ فى بعض الدول المذكورة بالجدول أعلاه أنها قد تخطت نسبة الـ 100% من الناتج لديون الأفراد فقط، ولو جمعنا عليها ديون الشركات والحكومة ستتجاوز 150% و200%، أي أن هذه الدول قد تجاوزت الحدود الآمنة منذ فترة وبمسافة شاسعة ومع ذلك فإن هذه الإقتصادات تعمل بشكل طبيعي ولم تتعرض لأزمات أو شلل إقتصادي معين!.

 

هذا صحيح، ولتفسير ذلك علينا التحول ناحية مسألة الفائدة والتضخم، الحكومات تلجأ إلى استخدام سلاح تخفيض الفائدة لكي تسيطر على التضخم ضمن النطاق المستهدف سواء برفعه أو خفضه، وفى حالة حدوث ركود كما كان الوضع بعد الجائحة قررت البنوك المركزية خفض الفائدة لرفع التضخم وحماية الأسواق من التباطؤ، وهو ما جعل الفائدة فى بعض الأماكن حول العالم تقترب من الصفر وهكذا تكون القروض شبه مجانية ورخيصة للغاية وهو ما مثل إغراء لمزيد من الاقتراض.

 

أعلى 5 دول فى نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي – أبريل 2021

الترتيب

الدولة

النسبة (%)

1

اليابان

257%

2

السودان

%212

3

اليونان

%210

4

إريتريا

%176

5

سورينام

%157

*لم تذكر لبنان لعدم تحديث البيانات وعدم دقتها

 

هل الفائد المنخفضة قد تؤدي لأزمة مالية؟

 

لا يملك أحد الإجابة على هذا السؤال حالياً، الحقائق ستتضح بعد انتهاء دورة التيسير النقدي بالكامل وزوال أثرها تماماً من الأسواق وهو أمر يحتاج من 3 لـ 5 أعوام، حين تتغير دورة الاقتصاد العالمي من الفائدة المنخفضة إلى الفائدة المرتفعة وساعتها فقط تطل علينا الأوضاع النقدية بوجهها الحقيقي بدون تجميل.

 

معروف أن البنوك المركزية قد نفذت العديد من اختبارات التحمل والسلامة المصرفية، وعدلت من التشريعات الخاصة بالتمويل والنقد خلال العشر السنوات الأخيرة التى كانت تمثل سنوات تنفيذ الدروس المستفادة من الأزمة المالية 2008 /2009، لذلك فإن احتمالات تكرار نفس الأخطاء ثانية أمر غير مرجح لكنه أيضا ليس مستبعداً.

 

لماذا ليس مستبعداً ولماذا هذه النبرة التشاؤمية؟ خذ كمثال أزمة "ايفرجراند" الصينية التى تُعد أكبر شركة عقارية بالعالم والمديونة حالياً بحوالي 714 مليار يوان أو 110 مليارات دولار، بمراجعة هذه القضية تجد أن التصرفات المتهورة التي أدت إلى قروض أكبر من قدرة الشركة على تحملها بإغراء من الفائدة المنخفضة كانت بين سنوات 2014 – 2018.

 

 

ومن المفترض أن تلك الفترة كانت سنوات الدروس المستفادة من أزمة 2008/ 2009، ومع ذلك يبدو أن البعض لم يتعلم الدرس ولم يتخذ الإجراءات الكافية لضبط الاقتراض والتأكد من معايير السلامة المالية قبل الاقتراض وتكديس الديون، وهذا "البعض" ليس هيناً أو صغيراً فى الاقتصاد العالمي بل أكبر شركة عقارية بالعالم تمارس نشاطها بثاني أكبر اقتصاد عالمي: الصين.

 

وبسبب الجائحة التي التهمت الكثير من الشركات والاقتصادات خلال العام ونصف العام الماضيين، تعرضت الكثير من الشركات لمتاعب مالية كبيرة بسبب عدم مواكبة الإيرادات الضعيفة لمستويات السيولة المطلوبة لسداد النفقات وعلى رأسها نفقات الدين والفائدة.

 

وهذا هو أهم درس كان يجب على الشركات تعلمه من أزمة 2008/ 2009 وهو ضرورة تجنيب رصيد احتياطي هامشي يوازي إيرادات الشركة لعام على الأقل، وذلك لمجابهة أية أزمات طارئة وعوامل خارجة عن السيطرة، إلا أن الشركات أخذت في الإقتراض دون وضع حساب لحدوث أي مفاجآت غير سارة.

 

قائمة بأبرز الشركات التي تعرضت لمتاعب مالية لضعف جهوزيتها لمجابهة الأزمات فى 2020

الترتيب

الشركة

الأصول

(مليار دولار)

القطاع

1

The Hertz Corporation

25.84

خدمات

2

LATAM AirlinesGroup S.A.

21.09

مواصلات، اتصالات ومرافق

3

Frontier Communications Corporation

17.43

مواصلات، اتصالات ومرافق

4

Chesapeake Energy Corporation

16.19

التعدين، النفط والغاز

5

Ascena RetailGroup Inc.

13.69

تجارة التجزئة

6

Valaris plc

13.04

التعدين، النفط والغاز

7

Intelsat S.A

11.65

مواصلات، اتصالات ومرافق

8

Mallinckrodt plc

9.58

التصنيع

9

McDermott International Inc.

8.75

التعدين، النفط والغاز

10

J.C. PenneyCompany Inc.

7.99

تجارة التجزئة

 
الخلاصة، الديون وسيلة فعالة لتسريع التنمية وتحقيق مستهدفات أي حكومة تسعى لتحسين معيشة مواطنيها بصورة ملموسة في وقت قصير، لكن من ناحية أخرى يجب التأكد من قدرة الاقتصاد على تحمل هذه الديون والحرص طوال الوقت على إجراء اختبارات تحمل للمصارف والمالية العامة للدولة بشكل كُلي وبصورة دورية، كما أن افتراض الأسوأ يقي دائماً من مصائب عدم الاستعداد أو الجهوزية، الأجهزة بداخل أجسادنا لها قدرة قصوى على تحمل الجهد والضغط، كذلك الاقتصادات التي يجب أن نعاملها بحرص وحكمة للحفاظ عليها في صحة جيدة بأداء معقول لأطول فترة ممكنة كي لا تتعرض لجلطة تتسبب في فشلها.

 

 

المصادر: أرقام – معهد التمويل الدولي – البنك الدولي – صندوق النقد الدولي – بلومبرغ – وول ستريت جورنال.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.