قدمت الأسهم الأمريكية أداءً مذهلاً على مدى العقد الماضي من حيث العائدات، واستطاعت ببساطة التفوق على متوسط الأداء المسجل لكل عقد خلال 140 عامًا الماضية، والآن يتطلع رواد وول ستريت إلى نسخ تجربة السنوات العشر الماضية في العشرينيات الحالية.
وفقًا لبنك الاستثمار "جولدمان ساكس"، بلغ متوسط العائد السنوي للأسهم الأمريكية 13.6% بين عامي 2010 و2020، استنادًا إلى مؤشر "إس آند بي 500"، وذلك أعلى بقدر ملحوظ من المتوسط التاريخي لفترة السنوات العشر البالغ 9.2% في آخر 140 عامًا.
مع ذلك، فإن تحقيق نفس الأداء للسنوات العشر الماضية مرة أخرى خلال العقد الجاري، أمر ليس يقينيًّا، وصحيح أن هناك من يدعم هذا المعتقد بقوة، لكن هناك أيضًا من يدحضه بشدة ويقول إن عائد الأسهم الأمريكية سيكون هزيلًا، وفي أفضل الأحوال لن تكون نسبته مزدوجة (10% فأكثر).
اعتمدت الأسهم الأمريكية في تحقيق العائد خلال العقد الماضي، على 3 ركائز رئيسية؛ هي، ارتفاع التقييمات، وهوامش الربح، وعمليات إعادة شراء المزيد من الأسهم الجديدة المصدرة (ما يعني تسجيل صافي عمليات إعادة الشراء)، وهو اتجاه لا يُرجح أن يستمر لعقد آخر.
مع ذلك، يعتقد البعض أن هناك فرصة للمراوغة من شأنها أن تمكّن السوق من تحقيق عوائد جيدة، حيث يمكن أن تنمو عائدات الشركات بشكل أسرع من الاقتصاد الأمريكي ككل، وفي هذا السيناريو لن يحتاج سوق الأسهم إلى أي من هذه الركائز الثلاث للقيام بعمل جيد.
حجج واهية
- يسوق البعض أدلة قوية على وجود هذه الفرصة، مثلًا يقول"جوناثان جولوب" كبير استراتيجيي الأسهم الأمريكية ورئيس البحث الكمي في "كريدي سويس"، إنه وفقا لنموذج قياس الاقتصاد الذي طوره استنادًا إلى مبيعات شركات "إس آند بي 500" وبيانات الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2000، فإن كل زيادة بنسبة 1% في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي التي تؤدي إلى تحسن بنسبة تتراوح بين 2.5% و3% في الإيرادات.
- لكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المؤكد أن هذا سيكون مفيدًا لمستثمري الأسهم، وقد يعني أنه حتى من دون زيادة التقييمات، أو هوامش الربح أو صافي إعادة الشراء، يمكن لسوق الأسهم أن يتفوق بشكل كبير على الاقتصاد الكلي.
- مع ذلك، ولسوء الحظ، فإن هذه الحجة جيدة جدًا لدرجة يصعب تصديقها، ووفقًا لتحليل مبيعات شركات مؤشر "إس آند بي 500"، يتبين أن هناك ارتباطًا بنسبة 1 : 1 تقريبًا بين نمو المبيعات ونمو الناتج المحلي الإجمالي.
- هذا ما يجب أن يتوقعه أطراف السوق تمامًا، وفقًا لـ"روبرت أرنوت"، رئيس مجلس إدارة ومؤسس "Research Affiliates" للأبحاث، والذي قال في رسالة بالبريد الإلكتروني إن المبيعات الإجمالية يجب أن تقدم علاقة "واحد إلى واحد" نظيفة جدًا مع الناتج المحلي الإجمالي، وأي نسبة أخرى لا معنى لها على أساس مستدام.
- لكن كيف توصل "جولوب" إذن إلى إجابة مختلفة؟ ربما يرجع ذلك إلى كيفية قياسه للمبيعات. في رسالة بريد إلكتروني، أوضح "مانيش بانجارد" زميل "جولوب" ومحلل الأسهم في "كريدي سويس" أنهما ركزا على حصة كل سهم من المبيعات.
- لكن وكما أشار "أرنوت"، فإن حصة كل سهم تعكس تأثير صافي عمليات إعادة الشراء، لذا فإن نسبة المبيعات إلى الناتج المحلي الإجمالي التي أبلغ عنها "جولوب" ليست مقياسًا خالصًا لكيفية ارتباط نمو المبيعات بالناتج المحلي الإجمالي.
ماذا يعني كل ذلك؟
- المعنى الضمني لما سبق هو أنه لا ينبغي أن يتوقع أحد نمو سوق الأسهم الأمريكي خلال العقد المقبل بشكل أسرع من الاقتصاد، وبالتالي فمن المستبعد أن يشهد وول ستريت طفرة مشابهة للعقد الماضي.
- في الواقع، قد تنمو بشكل أبطأ بكثير إذا تراجعت نسب السعر إلى الربحية أو هوامش الربح ولو جزئيًا إلى متوسطها التاريخي، أو إذا تبين أن صافي عمليات إعادة الشراء سلبي (كما كان الحال في معظم تاريخ الولايات المتحدة).
- لكن حتى لو بقيت نسب السعر إلى الربحية وهوامش الربح ثابتة بين الآن وعام 2031 ولم تكن هناك عمليات إعادة شراء صافية، فإن الدرس المستفاد من التاريخ هو أن سوق الولايات المتحدة لن ينمو بوتيرة أسرع من الاقتصاد.
- من الضروري هنا الاعتبار بتوقعات مكتب الميزانية في الكونغرس، الذي يرى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سينمو من عام 2022 حتى عام 2031 بمعدل 1.8% سنويًا، وحتى هذا قد يكون متفائلاً، لأن المكتب لا يتوقع حدوث ركود بين الحين والآخر.
ما توقعات المستقبل إذن؟
- أيضًا، يتوقع مصرف "تشارلز شواب" أن تتراجع عائدات سوقي الأسهم والسندات خلال العقد الجاري عن المتوسطات التاريخية، مشيرًا إلى أهمية التنويع والتركيز على الأهداف المالية طويلة الأجل والتي تستند إلى "توقعات معقولة" على حد قوله، وذلك كاستراتيجية لمواجهة التغيرات المرتقبة.
- أرجع المصرف هذه التوقعات الضعيفة لعائدات السوق إلى مجموعة من العوامل الرئيسية؛ هي، أسعار الفائدة المنخفضة تاريخيًا، وتوقعات النمو الاقتصادي الفاتر على المدى الطويل، وتقييمات الأسهم المرتفعة.
- بعد فترة ممتدة من تحقيق بعض فئات الأصول عائدات مزدوجة النسبة، أصبح الوقت مناسبًا للمستثمرين لمراجعة استراتيجياتهم، والنظر في إعادة تحديد الأهداف المالية طويلة الأجل للتأكد من أنها تستند إلى توقعات ذات منهجية منضبطة بدلًا من المتوسطات التاريخية.
- تشير تقديرات "شواب" إلى أنه على مدى السنوات العشر المقبلة، من المرجح أن تقل عائدات الأسهم والسندات عن مستواها السنوي التاريخي المسجل بين عامي 1970 و2020، ويتوقع على سبيل المثال، بلوغ العائد السنوي للأسهم الأمريكية ذات القيمة السوقية الكبيرة 6.6% خلال الفترة بين عامي 2021 و2030، مقارنة بـ10.8% خلال الفترة التاريخية.
- من المتوقع أيضًا أن تسجل الأسهم ذات القيمة السوقية الصغيرة والأسهم الدولية ذات القيمة الكبيرة والسندات الأساسية والاستثمارات النقدية عوائد أقل من مستوياتها المسجلة في آخر 50 عامًا خلال العقد الجاري.
- نفس هذا النمط سيتطابق بالنسبة للعوائد الحقيقية لهذه الاستثمارات (أي العوائد بعد إزالة تأثير التضخم)، مما يشير إلى أن أسباب ذلك أكثر تعقيدًا، وتستند إلى المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي، بحسب "تشارلز شواب".
المصادر: أرقام- ماركت ووتش- تشارلز شواب- بزنس إنسايدر
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}