لم تعد الجوالات مجرد أداة للاتصال الصوتي المباشر الذي كان هدفًا رئيسيًا من ابتكار الهواتف قبل أكثر من 140 عاما، وباتت تلعب دورًا محوريًا على صعيد التواصل بأشكاله المختلفة، وأيضًا حفظ البيانات والاتصال بخدمات الإنترنت، وحتى إجراء المعاملات المادية.
في كثير من دول العالم الآن، وعلى رأسها الصين، لا يمكن للمواطنين تخيل حياتهم دون هذا الجهاز الذي يضمن لهم تلقي خدمات لا حصر لها، بدءًا من الحصول على سيارة أجرة في الموعد المحدد أو توصيل الطعام إلى المنازل أو سداد قيمة المشتريات في البقالة وغيرها.
هذا التحول الكبير الذي يتزامن مع ارتفاع أعداد المتصلين بخدمات الإنترنت ومستخدمي الجوالات الذكية، أشعل سباقًا بين الشركات التقنية لتطوير "التطبيقات الفائقة"، التي توفر للمستخدم باقة واسعة من الخدمات الأساسية والترفيهية في آن ومكان واحد.
في الصين مثلًا، عُرف تطبيق "ويشات" بلقب "ملك التطبيقات الفائقة" بفضل مجموعته الواسعة من الخدمات، بما في ذلك الدفع الإلكتروني وحجز الفنادق وسيارات الأجرة والاستشارات الطبية والتواصل الاجتماعي والمراسلة والألعاب، وغيرها من الخصائص.
ما هو التطبيق الفائق بالضبط؟
- أول من أطلق تسمية "التطبيق الفائق" هو "مايك لازاريديس" مؤسس شركة "بلاك بيري" في عام 2010، وعرفه بأنه نظام بيئي مغلق للعديد من التطبيقات التي قد يستخدمها الناس كل يوم لأنها تشكل نظامًا سلسًا ومتكاملًا وتجربة فعالة.
- كانت الفكرة قائمة منذ فترة بعيدة، لكنها تطورت الآن مع ثورة الجوالات والتكنولوجيا عمومًا، وتطورت إلى سوق ضخم للخدمات والعروض. بدأت شركة "تنسنت" تطبيقها "ويشات" كمنصة للمراسلة، لكن مع استخدام أكثر من مليار شخص له جعلت منه أحد أبرز التطبيقات الفائقة.
- يوفر هذا المفهوم على المستخدم عناء التنقل بين عشرات التطبيقات يوميًا لممارسة حياته بشكل طبيعي، كما يجنبه الحاجة للاحتفاظ بكلمات مرور وتلقي رسائل بريد من كل هذه التطبيقات، علاوة على متطلبات التحديث المستمرة.
- في المقابل، تسعى الشركات الكبرى للاستفادة من قاعدتها الجماهيرية بأقصى قدر ممكن، لذا فهي بذلك تحصل على المزيد من العائدات عبر نفس العملاء، وبطبيعة الحال تجذب آخرين جُددًا كلما قدمت خدمة مختلفة وسعت إلى مزيد من التنوع في محفظة منتجاتها.
- العناصر الأساسية لهذه التطبيقات تضم؛ الشمولية، حيث يجب أن تعمل مع جميع العملاء في وقت واحد، والمسؤولية الاجتماعية، إذ تمتلك هذه التطبيقات فرصة كبيرة لجعل العالم مكانًا أفضل بفضل توجيه منصة واحدة لأعمال وعملاء عدة، وأخيرًا خصوصية البيانات والتي يضمن حفظها نجاحًا كبيرًا وسمعة طيبة.
- يعد "ويشات" الذي أطلق عام 2011، التطبيق الفائق الأكثر شعبية بفضل قاعدة المستخدمين التي تفوق مليار شخص. من المقدر وجود أكثر من مليون خدمة تقدم عبر تطبيقات صغيرة، يمكن الوصول إليها عبر "ويشات"، ما يعني أن مستخدمه لن يضطر لمغادرته أبدًا.
- معظم خدمات "ويشات" متاحة للمستخدمين في الصين فقط، ولهذا ربما لا يسمع الكثيرون عنه رغم هيمنته، ومع ذلك فهناك منافس آخر واعد (لكنه صيني أيضًا) وهو "على باي" من شركة "آنت جروب"، والذي لديه أكثر من مليار مستخدم يوفر لهم وصولًا لخدمات 120 ألف تطبيق صغير.
سر التفوق الصيني
- حققت الصين قفزة هائلة إلى عصر الإنترنت، مما يعني أن الناس انتقلوا من الهواتف الذكية إلى الهواتف الذكية فائقة السرعة، وسمح هذا لشركات الإنترنت بالابتكار بطريقة لم تكن نظيراتها في الغرب قادرة عليها.
- يرجع بعض المعلقين هذا التفوق أيضًا إلى أن قوانين البيانات في الصين مختلفة تمامًا. في الغرب هناك الكثير من القواعد واللوائح، مما يخلق احتكاكات عديدة حول هذه الخدمات التي لم تتمكن الحكومة في الصين ببساطة من تنظيمها.
- تركز شركات الإنترنت الصينية على بناء أنظمة بيئية كاملة بدلًا من الاكتفاء بمنتج أو خدمة واحدة، إنهم يفكرون في كيفية أخذ نمط حياة المستخدم بالكامل ونقله عبر الإنترنت، وهذا يعني الكثير من المعاملات والكثير من البيانات.
- بموجب القانون الصيني، يمكن إجبار جميع الشركات (وليس ويشات فقط) على تسليم هذه البيانات إلى الحزب الشيوعي الحاكم، ولعل ذلك يفسر رضا بكين عن هذا النمط من التطبيقات رغم ضعف القواعد التنظيمية.
- قد يكون القلق بشأن الخصوصية وأمن البيانات من بين الأسباب التي جعلت من الصعب على هذه التطبيقات الصينية التوسع في الخارج، لكن من المهم أيضًا النظر إلى حجم السوق المحلي الكبير جدًا في الصين، والذي يغني الشركات عن مطاردة التوسع في الخارج.
المنافس التالي
- إن السباق لبناء التطبيق الفائق القادم في العالم آخذ في الازدياد، والعديد من المتسابقين الأوائل يتخذون من جنوب شرق آسيا مقراً لهم، فمع انتشار 600 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة، هناك بالفعل منافسة محتدمة من أجل جذب انتباههم.
- تعد شركات "Grab" و"Gojek" و"SEA Group" من بين أكبر وأفضل المجموعة التي حظيت بالتمويل، واستثمرت فيها "تنسنت" و"علي بابا"، إلى جانب شركات أمريكية مثل "فيسبوك" "جوجل" و"باي بال".
نمت "جوجيك" التي تتخذ من إندونيسيا مقراً لها من منصة لاستدعاء الدراجات النارية إلى تطبيق يقدم خدمات ركوب السيارات والمدفوعات وتوصيل الطعام، وتقول الشركة إن المنطقة مناسبة بشكل طبيعي للتطبيقات الفائقة.
- على الصعيد الغربي، وتحديدًا في القطاع الذي زلزلته الابتكارات التقنية في العقود القليلة الماضية، وضعت شركة "باي بال" خططًا إستراتيجية لتطبيق فائق قد يربك البنوك، ووعدت المستثمرين بإطلاق منصة تسمح للمستهلكين بالتسوق لدى ملايين التجار، بينما ينجزون أيضًا معظم ما يفعلونه حاليًا في البنوك.
- تريد "باي بال" دمج الخدمات المالية للمستهلكين في نظام بيئي يستمد قوته من علاقاته مع التجار، بحيث يأتي المستهلكون إلى التطبيق لإجراء عمليات شراء، إما في المتاجر الفعلية أو عبر الإنترنت، فيحصلون على عروض ومكافآت بناءً على سجل الشراء، مما يشجعهم على العودة بشكل متكرر.
- في القطاع المالي، سيكون توافر مثل هذه الخدمات التي تمنح العملاء نقاط ولاء وعروضًا جذابة، أمرًا فعالًا لاستقطاب المستهلكين، وبعكس مخاوف البعض، ستظل البنوك تلعب دورها في القطاع المالي بشكل مؤثر نظر لأهميتها التمويلية، كما ستتعاون مع شركات التقنية المالية لإنجاح هذا التحول وضمان سلامته وأمنه.
المصادر: أرقام- بي بي سي- موقع "آبلوز"- موقع "أمريكان بانكر"- مجلة "جلوبال بانكنج آند فايننس ريفيو"
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}