قد يعيب البعض على رئيس مجلس إدارة الشركة الكويتية لبناء المعامل والمقاولات نجيب الصالح صراحته الزائدة، فهو من أصحاب فكر يؤمن بأن ناتج ضرب 1 في 1 هو واحد، وليس 2 تحت أي مسمى، ولذلك لا يرى حرجاً في القول إن «قوانين وخطط الـ12 سنة الماضية جعلتني لا أتمنى المزيد منها لأننا غير مؤهلين».
ينقل الصالح محدّثه عبر آلة الزمن إلى الأزمات المالية التي مرت على الكويت تاريخياً، ليؤكد أن استخدام المال العام في معظم الأزمات التي عاصرها بدءاً من 1978 كان لمزيد من الهدر أو لحجب أخطاء سابقة، وأن آخر 60 عاماً لم يتغير على الكويتيين سوى أن الأبناء (مدلّعين أكثر).
ويلفت الصالح في مقابلته مع «الراي» إلى أنه لا توجد في الكويت مشاريع صغيرة تستحق الإنقاذ، ولو أن الدولة تشعر بأزمة لما أقرت تأجيل القروض 6 أشهر دون حاجة، فيما يرى أن التوسع بتعيين المواطنين سواء في الحكومة أو بالقطاع الخاص هدر وتلاعب بالمال العام.
ويشير إلى أن من يرفض استفادة الأجيال الحالية من أموال الأجيال القادمة سيغيّر رأيه بمجرد توقف راتبه، وينادي الصالح بإلغاء الدعوم كافة وصرف قيمتها شهرياً للمواطنين، فيما يعتبر أن الهدر سبب العجز المالي للدولة، وأن عدم توافر السيولة لدفع الرواتب أمر معيب، ويؤكد أن الأداء الحكومي يحتاج تصحيح مسار وإصلاحاً اقتصادياً شاملاً.
ويفيد الصالح بأن 13 في المئة من سكان الكويت عمالة منزلية تسهم في «التنبلة»، وأنه يتعين فرض رسوم على جلبهم، وأن اقتصاد الظل منتشر بدعم حكومي لمؤسسات تعاني من أمراض مزمنة مثل «المشروعات السياحية» و«الكويتية»، ويضيف «بلدنا الكريم (يتشاطر) على سوق السمك فيدفعه لتسويق صيده بأساليب مروّجي الخمور».
ويعتقد الصالح أنه «لو توقفت المشاريع الحكومية فستموت جميع الشركات أو تهاجر، وأنه لا يوجد محلياً قطاع خاص حقيقي يمكن للحكومة الاعتماد عليه»، وينوّه إلى أن الصرف على الدراسات الاقتصادية كبير إلا أن القرار في النهاية يُترك لسياسيين أو متنفذين بأولويات مختلفة، لا علاقة لها بالدراسات.
وفيما يلي نص المقابلة:
* برأيك لماذا تعاني ميزانية الدولة من العجز؟
- أعتقد أن المشكلة إدارية وأن قرارات الصرف منفصلة عن الميزانية، ولا ننسى أن الإدارة الاقتصادية تتغير سنوياً. والسبب الأهم توافر الاحتياطيات الكافية لتغطية العجز.
* ما رأيك بأسلوب علاج الأزمات في الكويت؟
- معظم الأزمات التي عاصرتها في الكويت لإنقاذ الاقتصاد، لم تكن في نظري أزمات حقيقية تستدعي استخدام المال العام، بل أعذار لمزيد من الهدر أو لحجب أخطاء سابقة، آخرها، كان تحذير وزير المالية لمجلس الأمة في أواخر العام الماضي بأن الدولة لن تتمكن من سداد رواتب شهر ديسمبر بسبب عجز السيولة.
ولعل أول هذه الأزمات كانت عام 1977 حين انهارت أسعار الأسهم بعد فورة جنونية استمرت سنوات عدة، بسبب الارتفاع الكبير في إيرادات النفط، وتدخلت الدولة حينئذ واشترت أسهماً بنحو 150 مليون دينار، حيث أنقذت المتداولين وشركاتهم، وعززت في الوقت ذاته قناعتهم بجدوى العودة للاستثمار بالأسهم من جديد، ما شجعهم وغيرهم من المواطنين على الاستقالة من وظائفهم وإهمال أعمالهم ورهن أصولهم للتركيز على الأسهم.
فعادت الفورة من جديد وارتفعت الأسعار بدرجة جنونية، حتى انهارت عام 1982 فيما سمي بأزمة المناخ، التي كانت أكبر وأخطر من الأولى، إذ بلغت قيمة الشيكات المؤجلة بين المتداولين 27 مليار دينار، فتدخلت الدولة من جديد كما كان متوقعاً، ولكن بنهج مختلف عما تعوّده المتداولون، إذ صرّح وزير المالية في ذلك الحين عبداللطيف الحمد، بأن علاج الأزمة «سيكون لابس عقال»، وأساسه الالتزام بمبدأ «العقد شريعة المتعاقدين».
هذا التصريح شجّع العديد من المتعاملين على إجراء تسويات ودية، لكن ذلك توقف بعد تغيير الوزير، ودخول الدولة كطرف ثالث بين الدائن والمدين بتشريعات وقرارات سياسية غير مناسبة، خفّضت من التزامات القادرين على السداد، وعاقبت المعسرين، فخلقت من الأزمة الواحدة أزمات عدة مازال بيننا من يعانيها، في حين كان يمكن العلاج بأسلوب أسرع وبتكاليف أقل لو أتيحت الفرصة لديناميكية الاقتصاد الحر، والتزمت الحكومة بمبدأ «العقد شريعة المتعاقدين»، كما يتم علاج الأزمات في الدول الديموقراطية الغنية.
وتكرر المشهد في أزمة الرهونات العقارية 2008 التي استفادت منها بعض المؤسسات لتغطية خسائر لا علاقة لها بالأزمة، ولن أستغرب لو تكرر المشهد من جديد لعلاج آثار أزمة «كورونا» على القطاع الخاص.
* مقارنة مع السعودية والإمارات وقطر أين تضع الكويت ترتيباً لجهة الاقتصاد والرؤية؟
- أعتقد أن الكويت أكثر تلك الدول رعاية لمواطنيها وأقلهم اهتماماً بالاقتصاد، وحكومة الكويت مسيطرة على أغلب الاقتصاد وإذا لم تقلل هذه السيطرة فإن الوضع لن يتغير.
* إلى أن يوجد بديل عن النفط وهذا يحتاج وقتاً طويلاً برأيك ما الأولويات الاقتصادية؟
- الأداء الحكومي يحتاج إلى تصحيح مسار وإصلاح اقتصادي شامل، وعلى الحكومة أن تتخلى عن كثير من الأنشطة التي تقوم بها، وأن تعود إلى دورها الرقابي فقط، وإلا سيبقى الفساد متفشياً دون علاج، وهناك من هو عدو لتلك الإصلاحات ويسعى لاستمرار الوضع المتردي الذي تمر به البلاد.
كما علينا الاعتراف بحقيقة أن البديل الحقيقي عن النفط هو الإنسان وتنميته ليكون قادراً على إدارة مقدرات الدولة على نحو يضمن المحافظة عليها وليس تبديدها.
وفي صميم كل مواطن دون الـ25 بذرة بإمكان الدولة أن تغذيها بالتعليم ثم تطلقه لينمو في المجالات المختلفة للاقتصاد الحر.
إنه الجيل القادم الذي يتجاوز عدده نصف عدد المواطنين، لذلك علينا حمايته من الوظيفة الحكومية. لماذا لا يتم تشجيعه على البحث عن عمل خلال فترة الدراسة ليكتسب المصروف مع خبرة إضافية؟ لا نريده أن يتعلم أسلوب المرور بإلغاء حارة الأمان لعلاج زحمة الطرق، ولا زراعة المزيد من المطبات في الطرق لعلاج السرعة، أو طرد من يبلغ الستين من عمره لعلاج التركيبة السكانية.
إن الهدر والفساد من الأمراض التي أصابت الكويت نتيجة علاقة قديمة بين الدولة والمواطن، أساسها أن يحصل المواطن على التثمين والدعم والتوظيف، مقابل سيطرة الدولة على كل الأنشطة دون منافس.
ولن تنجح في ظل هذه العلاقة أي مبادرة للإصلاح، ولابد من إعادة توزيع الأدوار على أساس نظام الاقتصاد الحر، الذي يرتكز على تفعيل دور المواطن بالسماح له بمنافسة الدولة في كل ما تقوم به من أنشطة، لتقليص دورها التنفيذي وبالتبعية حجمها، وتفعيل دورها الرقابي في الإشراف والحماية وتطبيق القانون.
* لماذا توجد أكثر من لغة بين الشعب والنواب والحكومة ومجتمع الأعمال عند تشخيص الحالة المالية للدولة وآليات مواجهة الأزمة؟
- اللغة واحدة والجميع متفق أننا نعيش من الاحتياطي المالي، فعجز الميزانية بلغ 12 مليار دينار وخيارات المواجهة منحصرة في صندوقي الأجيال القادمة والاحتياطي العام. ولو كانت الدولة تشعر بأزمة لما أقدمت على تأجيل القروض، الذي يعتبر لعباً بالمال العام.
* إذا كانت الحكومة تعترف بعجزها المالي ومن ثم تضاؤل فرص التوسع في إنفاقها استثمارياً برأيك كيف سينمو القطاع الخاص؟
- ليس لدينا قطاع خاص.
* لكن أنت رئيس مجلس إدارة شركة تنتمي للقطاع الخاص؟
- 95 في المئة من مشاريع الشركات حكومية، وعموماً لو توقفت المشاريع الحكومية فستموت جميع الشركات أو ستهاجر، فالقطاع الخاص بالكويت يعتمد بشكل شبه كامل على المشاريع الحكومية.
والحقيقة أن البلد الذي يعتمد معظم سكانه في رزقهم على الحكومة ليس لديه قطاع خاص.
والقطاع الذي تدعمه الدولة في الأزمات ليس إلا قطاعاً حكومياً متنكراً في زي القطاع الخاص، يتم دعمه وتعويضه من باب المجاملة والتنفيع. تدعوه الدولة للمشاركة في كل لجانها وهيئاتها ومشاريعها الكبرى.
«ترزّه» في المؤتمرات الدولية واستقبال الوفود، وحين تراكمت لديه الثروة تحوّل اهتمامه من كسب المال إلى النفوذ، فجعل من الصوت سلعة تباع وتشترى للسيطرة على ما تبقى من مرافق تركتها الدولة للمواطنين، كالنوادي والمجالس والجمعيات، بما فيها الجمعيات الخيرية التي تضخمت أرصدتها في المصارف المحلية والخارجية، ولم يعد عمل الخير فيها يتصدر أولوياتها، ومستوى الفساد لديها لا يقل عن مستواه في أجهزة الدولة.
* رغم كثرة الدراسات المعدة عن تنمية الكويت ووجود أمانة عامة للتخطيط إلا أنه لا توجد نهضة اقتصادية؟
- التحوّل والنهوض ليس بحاجة لأمانة عامة للتخطيط، وهذا الواقع ينسحب على الهيئات كافة. فلن نحصل على تقدم علمي من مؤسسة التقدم العلمي ولا على نزاهة من هيئة نزاهة ولا على ثقافة من المجلس الوطني للثقافة.
فالمسار المالي تحدده عوامل عدة لا الحكومة ولا غيرها لهم علاقة بها.
وأعتقد أن هناك مشكلة بأن جميع المتخصصين في الاقتصاد والخبراء قالوا إننا بحاجة لمصادر دخل بديلة وإجراءات إصلاح اقتصادي ولكن لا يحددون الخطة، إما لعدم علمهم أو لعدم قناعتهم بأننا مؤهلون للقيام بذلك.
ويمكن القول إنه بالكويت جهود ومصاريف كبيرة تُبذل في البحوث والدراسات الاقتصادية، ثم يُترك القرار في شأنها لسياسيين أو متنفذين بأولويات مختلفة، فتنحرف عن أهدافها وتفشل.
* ما رأيك في خطة الحكومة لمعالجة التركيبة السكانية وهل ترى أن آليات تطبيقها تناسب التنمية المستهدفة؟
- لم أسمع عن خطة، ولكنني في 2013 كتبت أنني وبعد القوانين التي أُقرّت خلال السنوات الخمس الماضية، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد، أصبحت لا أتمنى صدور خطط أو قوانين جديدة لأننا غير مؤهلين.
والآن يمكنني إضافة 7 سنوات أخرى.
ما المانع أن يتم إلغاء نظام الكفيل لتحسين مستوى الوافدين المعيشي وحماية كرامتهم وتخفيض عددهم؟ وكذلك، وبمناسبة تعيين قضاة من النساء، هل حان الوقت لمساواة النساء بالرجال بتعديل القانون لتتمكن الزوجة أن تمنح حق الجنسية لزوجها وأبنائها؟ أتوقع باتخاذ هذه القرارات وبعد إضافة المستحقين للجنسية من البدون، ستصحح التركيبة السكانية خلال سنتين بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة على أقل تقدير.
* أخيراً ما الذي تغير في الكويت وهذا ينسحب على آخر 20 عاماً؟
- خلال آخر 60 عاماً وليس آخر 20 سنة لم يتغير علينا أي شيء لا اقتصادياً ولا سياسياً.
وربما المتغير الوحيد أن الأبناء «مدلّعين أكثر» من الآباء.
* هل أنت مع قانون الدَّين العام أم لا ولماذا؟
- بشروط ، في البداية أود أن أشير إلى أنني أُشفق على وزير المالية، لأنه في ظل الحاجة إلى السيولة، نجد جهات حكومية تابعة له يفترض أن تكون مصدر السيولة، تحتفظ بإيراداتها وأرباحها، بحجة الاستثمار، وتنصحه بالاقتراض.
الاقتراض أو تسييل الأصول برأيي وجهان لعملة واحدة. إن طبيعة الحاجة للأموال ووجوه صرفها هي التي تحدد الأفضلية بين الاقتراض أو البيع. فإن كانت الأموال المطلوبة لدفع الرواتب ومصادر سداد الدين غير معروفة، يكون بيع الأصول في هذه الحالة أفضل من الاقتراض، أما إن كانت لمشروع استثماري يدر عائداً، ومصادر سداد الدين واضحة، يصبح الاقتراض أفضل.
والافتراض بأن عائد الاستثمار سيكون أعلى من الفائدة، بنظري افتراض غير حقيقي، لاحتمالات انخفاض عائد الاستثمار في السنوات المقبلة او ارتفاع الفوائد على الدين. لذلك، من الأفضل أن يكون الاقتراض للاستثمار في مشاريع ذات عائد، وليس للصرف على الرواتب والدعوم، كما تخطط الحكومة.
* هل أنت مع مدينة الحرير أم لا ولماذا؟
- نعم ، ولكن أذهب إلى أبعد من ذلك.
فقد ارتفعت أسعار الأراضي لمستويات غير معقولة بسبب ندرتها، وأصبحت عائقاً رئيسياً أمام مبادرات الشباب، ما يضطرهم للبحث عن عمل لدى الحكومة.
ما المانع لو طوّرنا مدينة الحرير بتوفير المزيد من الأراضي وفي الوقت نفسه جعلنا جميع مناطق الكويت مدن حرير، بمفهومها الأوسع، لجهة القوانين المتقدمة والتسهيلات التي تتحقق مع هذه المشاريع.
* هل أنت مع السحب من الأجيال القادمة أم لا ولماذا؟
- نعم ، أنا مع حفظ الفوائض المالية للدولة في صندوق استثماري، بغض النظر عن تسميته، ولا مانع من السحب منها عند الحاجة، باتجاه تنمية وتهيئة الأجيال القادمة، وإلا ماذا ستكون قيمتها إذا استمر إيداعها بالبنوك رغم الحاجة إليها، كما أنه ليس من الحكمة أن نحفظها لأجيال قادمة غير مؤهلة للاستفادة منها وتنميتها.
أتوقع من يعارض استفادة الأجيال الحالية من أموال الصندوق بذريعة أنها ملك الأجيال القادمة سيغير رأيه بمجرد توقف راتبه، فمن الأجدى أن تكون هناك إستراتيجية لتنمية قدرات الأجيال القادمة، بحيث لا يكونون مضطرين مستقبلاً لسحب مدخراتهم والعيش منها بدلاً من استثمارها.
* هل أنت مع الخصخصة أم لا ولماذا؟
- بشروط ، لا أتفق مع طريقة الخصخصة المتبعة بشكلها السابق، سواء عن طريق طرح وزارة الكهرباء مثلاً للاكتتاب العام أو بيعها لتحالف من القطاع الخاص.
الخصخصة بنظري تعني السماح للمنافسة والسماح للإفلاس والفشل والسماح للإدارة السيئة أن تسقط لتحل مكانها إدارة حديثة قادرة، لأن مجرد تغيير المالك مع استمرار الدعم والتوظيف ليس تخصيصاً، لذلك فشل تخصيص مؤسسة النقل العام والخطوط الجوية الكويتية والمشروعات السياحية وغيرها.
فالدولة لم تخصص هذه الجهات ولم تسمح في الوقت نفسه بأن تدعها تموت، وتستمر في دعمها ولا تسمح بدخول منافسين لها بالسوق! ولعل أهم ما يضمن نجاح الخصخصة محلياً، وجود الفلتر الطبيعي الذي يفصل الإدارة الجيدة عن الفاشلة، عن طريق المنافسة الحرة لتسقط الفاشلة وتحل مكانها دماء جديدة، ليست بحاجة لدعم.
وإلى ذلك يتوجب أن تشمل الخصخصة عنصرين أساسين، المنافسة والإفلاس، وهما بالمناسبة غير متوافرين بالكويت، فعندما تبيع الدولة أصلاً وتستمر في دعمه لا يسمى ذلك خصخصة.
الخصخصة السليمة تتحقق دون دعم وبإدخال دماء جديدة لحلبة المنافسة مع السماح لها بالفشل ليحل مكانها من له قدرات أفضل.
* هل يمكن أن تُفلس الكويت ولماذا؟
- نعم ، السؤال المستحق هو متى؟ وليس هل يمكن. كل كيان لا يتطور معرض للإفلاس، ولا يمكن استثناء الكويت من هذه القاعدة.
* هل تؤيد فرض ضرائب على الشركات والأفراد ورفع الرسوم ولماذا؟
- بشروط ، اسمح لي بتغيير صياغة السؤال، إذا انخفضت موارد الدولة، هل يوافق المواطن أن يساهم بجزء من دخله لتحسين مستوى التعليم والعلاج والنظافة وغيرها من خدمات؟ الجواب على ذلك نعم بالطبع.
ولكن الكويت حالياً لا تعاني من شح الموارد، وبالتالي فرض الضرائب واعتبارها جزءاً من الحلول المالية غير صحيح، خصوصاً أن إيرادات المواطن والشركات مصدرها الدولة والخصم منها كضرائب يمكن اعتباره تخفيضاً في قيمة صرف الدينار أو تقليصاً في الرواتب.
يعاني المواطن من مبالغ يضطر في كثير من الأحيان أن يدفعها لغير الدولة لاستخراج رخصة بناء، أو فرز قطعة أرض أو توصيل تيار، أو لجلب عمال مشاريع وعمالة منزلية.
هذه المدفوعات أصبحت حافزاً للمحافظة على سوء الإدارة، أتمنى لو تحولت إلى رسوم تستفيد منها الدولة مقابل تحسين خدماتها للمواطن، فكل دول العالم توجه سلوك شعوبها من خلال الرسوم والإعفاءات ما عدا بلدنا الكريم، الذي «يتشاطر» فقط على سوق السمك فيدفعه لاستخدام أساليب مروّجي الخمور والممنوعات لتسويق صيده، أو يعترض على شركات خدمات التوصيل لاحتكارها للخدمات، وفي الوقت نفسه يوقف إصدار تصاريح جديدة كان بإمكانها محاربة الاحتكار بأسلوب الاقتصاد الحر.
وهناك ضرائب هدفها توجيه السلوك، مثل الضريبة على بيع السجائر والمواد المضرة، بهدف التشجيع على الإقلاع عن التدخين.
كما أن هناك العمالة المنزلية التي تجاوز عددها 700 ألف شخص تشكل 13 في المئة من سكان الكويت، والتي تسهم في «التنبلة» ويتعين فرض رسوم على جلبهم، خصوصاً أن الطلب عليهم لا يزال في تزايد بسبب انخفاض التكلفة على المواطن لدرجة أن بعض البيوت لديها خدم أكثر من أصحاب البيت.
وبين أن تكلفة ذلك على الدولة تعادل تكلفة المواطن من كهرباء وماء وتموين وغيرها، لذلك بإمكان الدولة أن تفرض على الكفيل رسوماً وتأميناً صحياً يعادل الراتب، ما سيكون له أثر كبير في انخفاض الطلب على العمالة المنزلية.
ومع إلغاء نظام الكفيل، أتوقع أن تنخفض أعداد العمالة المنزلية للنصف، ما قد يفتح باب الاستعانة بالخدم بنظام الساعة.
* هل تعتقد أن نموذج المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالكويت يستحق الإنقاذ ولماذا؟
- لا، وبرأيي لا توجد مشاريع صغيرة تستحق الإنقاذ. الشباب هم الذين بحاجة لإنقاذ مما تعوّدوا عليه من رعاية تفسدهم. وعليهم التحدّي والتجربة مرة واثنتين وثلاث دون دعم إلى أن ينجحوا بجهودهم. مشكلة الدولة أنها تدعم المتضررين كافة بغض النظر عن الحاجة أو فرص النجاح، وهذا نوع من الدلع الذي لابد من إنقاذ الشباب منه.
الدولة التي يعمل لديها 95 في المئة من القوى العاملة الوطنية بحاجة لحاضنة للمشاريع الصغيرة برأسمال لا يتجاوز 10 ملايين دينار وليس لصندوق لتنمية ورعاية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، برأسمال يبلغ ملياري دينار.
وسبق إنشاء «الصندوق الوطني»، تجربتان؛ الأولى، عن طريق البنك الصناعي وخُصّص لها نحو 20 مليوناً، والثانية مؤسسة منفصلة عن الهيئة العامة للاستثمار خُصص لها 100 مليون، لذلك توقعت في التجربة الثالثة، أن تتعلم الحكومة من التجارب السابقة لتعرف أن المشكلة لم تكن في حجم رأس المال.
وما لا تدركه صناديق الرعاية أن الدعم المالي وحده لن يجذب موظف الحكومة الذي تعوّد على وظيفة دون عمل، لأن المبادر صاحب الفكرة لا يعرف الواسطة، وليس بحاجة لأن تقوده غرفة من الأغنياء.
يعمل بصمت في المجالات المتاحة ليتعلم ويكتسب الخبرة اللازمة، قبل النظر في الأمور المالية، وما قد يحتاجه من دعم في البداية لا يتجاوز مساحة من الحرية في اختيار مجال العمل. ولذلك أرى أن حاجة الكويت للمبادرين تتجاوز حاجتهم لها، سواء كانوا مواطنين أو وافدين.
* هل تؤيد سياسة الحكومة في تعيين المواطنين أم تؤيد أن يقوم القطاع الخاص بهذا الدور بدعم حكومي؟
- لا، الاثنان هدر وتلاعب بالمال العام، ويجب أن يتوقفا لأنهما يعالجان المشكلة الخطأ.
إننا بحاجة للتوقف عن الدعم بأنواعه كافة لتنظيف الفلتر.
* هل التركيبة الحالية للحكومة ومجلس الأمة تسمح بتحقيق الإصلاح؟
- التركيبة الحالية للسلطتين التشريعية والتنفيذية لن تعرقل الإصلاح متى توفّرت الرؤية المستقبلية الواقعية.
وحالياً لا توجد خطة ورؤية واضحة، وهذا الفراغ يؤدي إلى الانشغال بالصدامات بين المجلس والحكومة.
* هل تعتقد أن إجراءات الحكومة للتحفيز الاقتصادي كانت كافية؟
- نعم، الحقيقة أنني ضد إجراءات التحفيز لأن حقيقتها رشوة للمواطن لن تنقذ عمله ولا تساهم في تشغيل عاطلين عن العمل، وغالباً ما يكون ضررها أكبر من منفعتها.
برامج التحفيز في الدول المتقدمة أساسها المحافظة على أنشطة دافعي الضرائب وموظفيهم ليعيدوا نشاطهم ويتمكنوا من دفع الضرائب من جديد.
كما أن التحفيز في الكويت غير مبني على دراسة لتحديد المحتاج الذي بإمكانه النهوض من جديد والنجاح لو أتيحت له الفرصة، كما حصل مع قرار تمديد القروض لستة أشهر بقيمة تبلغ نحو 400 مليون دينار، فلا أحد يعرف كيف سيكون في هذا الإجراء أي تحفيز.
* هل تؤيد ما يذهب إليه البعض بأن فشل الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية أنها تتعامل في الاقتصاد بالتردد نفسه الذي تتعامل به في السياسة وألا تفضل أن يكون لديها نهج اقتصادي ثابت بعيداً عن النهج السياسي ومصالحه المتغيرة؟
- نعم، لكن المقصود بنعم هنا إيجاد نهج اقتصادي يضمن الأمن والاستقرار والمحافظة على اقتصاد حر.
وما يستحق الإشارة إلى أنه للدولة وتوابعها، دور أساسي فيما نشهده من اقتصاد الظل المنتشر بدعم حكومي من وزارات الخدمات ولمؤسسات تعاني من أمراض مزمنة مثل الأمانة العامة للأوقاف وشركة المشروعات السياحية والخطوط الجوية الكويتية وشركة المطاحن والهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، حيث تمنع المنافسة، وتوافر لاقتصاد الظل البيئة المثالية لينمو ويزدهر خارج الرقابة والقانون.
فيكون المحاسِب والمحاسَب من الفريق نفسه، حينها لا يمكن أن تكون الرقابة مفعّلة مهما تعددت الهيئات الرقابية وتضخم جهازها الوظيفي.
* هل تؤيد إعادة النظر في توجيه الدعوم بحيث يُستثنى التجار وأصحاب الأعمال؟
- لا، لأنني أنادي بإلغاء الدعوم كافة وصرف قيمتها للمواطنين شهرياً، مع الأخذ بالاعتبار أن إدارة الدعوم لوحدها مكلفة على الدولة جداً، رغم عدم الحاجة إليها. حين تكون فاتورة الكهرباء لسنة كاملة أقل من 50 ديناراً لن يضطر الساكن لإطفاء الإضاءة أو حتى التكييف إذا خرج من بيته، لكن عندما تصبح فاتورته 500 دينار سيطفئ كل ما لا يحتاج إليه.
ولذلك على الدولة أن تلغي الدعم وتصرف قيمته للمستهلك لتشجيعه على التوفير وتخفيف الهدر والاستهلاك.
آخر تطورات «معامل» ونظرة عقارية
* ماذا عن تقييمكم لنتائج «معامل»؟
- جيدة.
* كيف تصف المركز المالي للشركة؟
- ممتاز.
* هل لديكم خطط استحواذ خلال 2021؟
- هناك مبادئ قبول إذا أتيحت الفرصة.
* هل هناك خطط لزيادة رأس المال «معامل» في 2021؟
- الشركة لا تنقصها السيولة لكن إذا حدث ما يستوجب تعزيز رأسمال الشركة، لن يكون ذلك بالأمر الصعب.
* بحكم خبرتك العقارية كيف تقيّم وضع القطاع؟
- خلال فترة «كورونا» ومع عدم السفر تنامى الطلب كثيراً على الشاليهات ما قاد سوقياً لتضاعف أسعارها.
أسعار العقار السكني وصلت معدلات غير طبيعية، وبسبب ضيق الحجم المستغل من خارطة الكويت أتوقع أن تظل أسعاره مرتفعة، فالكويت البلد الوحيد الذي لا يمكن لشبابه شراء سكن معقول بدفعات شهرية من مرتباتهم، في حين أن 90 في المئة من أراضيه غير مستغلة، لأن الدولة تركت للقطاع الخاص مجالاً للمضاربة بالنسبة المتبقية من الأراضي.
تشكيل مجلس استشاري يحمي المصالح أمام مجالس لا تنتخبها سوى نسبة ضئيلة
يدعو الصالح لانشاء مجلس استشاري يتكون من 15 الى 20 عضواً يتم اختيارهم من قبل القيادة السياسية كممثلين عن عناصر المجتمع كافة، من كويتيين وعرب وأجانب، لتعزيز مكانتهم وحماية مصالحهم أمام مجالس لا تنتخبها سوى نسبة ضئيلة من السكان.
ويقول الصالح «علينا أن نتعامل مع الإنسان بمسطرة واحدة أساسها الخبرة والأداء، دون اعتبار لشهادة ولا جنسية ولا جنس، وليكن ذلك ضمن خطة انتقال تدريجي تبدأ بإلغاء جميع الدعوم والهبات السنوية التي باعتقادي تتجاوز قيمتها 6 مليارات دينار، مقابل صرف مرتب شهري للمواطن يعادل قيمة حصته منها، وتسريح البطالة المقنّعة التي تتجاوز 50 في المئة من الجهاز الحكومي، مع استمرار صرف الرواتب للمسرّحين لخمس سنوات قابلة للتمديد، وفتح المجال لهم بالعمل في أي مجال باختيارهم دون عقبات».
ويضيف أن هذه الإجراءات لن تزيد من أعباء الدولة ولن تمس جيب المواطن، وستضمن له سنوات من الحياة الكريمة وتحرره من التظاهر اليومي بأنه ذاهب للعمل، ليستغل طاقاته بشكل أفضل، مبيناً أنه بعد ذلك يمكننا تطبيق نظام ضريبي يهيئ المواطن والوافد لاقتصاد المستقبل، يبدأ بالضرائب والرسوم التي يمكن استخدامها لتوجيه السلوك مثل ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الإرث، ورسوم العمالة المنزلية والسجائر والمشروبات الغازية المضرة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}