واجه قطاع الإنشاءات صعوبات هائلة خلال 2020 ناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والانخفاض الكبير في إيرادات الدولة نتيجة انخفاض أسعار النفط. حيث واجه العديد من أصحاب المشاريع ومشغليها الإجراءات الاحترازية للصحة والسلامة الضرورية المفروضة من الحكومة وأزمات السيولة والاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، والانخفاض في قدرات القوى العاملة، والقيود المفروضة على الحركة. وهو ما أدى إلى ترسية العقود بأدنى قيمة، بلغت 80 مليار ريـال (21.2 مليار دولار) في 2020، وفقًا لتقرير صادر عن مجلس الأعمال السعودي الأمريكي. ومع ذلك، انتعشت قيمة العقود التي تم ترسيتها خلال الربع الأخير من عام 2020 لتصل إلى 16 مليار ريـال (4.3 مليار دولار)، لتسجل ارتفاعًا بنسبة 115 بالمائة في الربع الأخير مقارنةً بالربع الثالث من عام 2020. ويعود هذا الانتعاش إلى الجهود الكثيفة المبذولة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وإعادة الفتح التدريجي للأنشطة المقيَّدة اجتماعيًا، بالإضافة إلى السيولة والدعم الحكومي لتحفيز الاقتصاد.
هبط مؤشر مجلس الأعمال السعودي الأمريكي لترسية العقود إلى 95.4 نقطة خلال الربع الأخير من عام 2020، وهو ما يعكس احتمالية تباطؤ المشاريع التي تصل إلى مرحلة التنفيذ في 6-18 شهرًا المقبلة. وقد أدى الانخفاض في العقود التي تم ترسيتها، بالإضافة إلى كثرة التأخيرات وإلغاء مشاريع في مرحلتي التصميم والدراسة؛ إلى هبوط مؤشر مجلس الأعمال إلى ما دون حد 100 نقطة، ومن المتوقع أن يستمر انكماش عدد المشاريع قيد التنفيذ إلى عام 2021 نظرًا إلى عدم ترسية عدد من المشاريع الكبرى التي تقوم عليها "أرامكو السعودية" في قطاع النفط والغاز. وستؤدي آثار هذه التأخيرات إلى ترحيل العديد من المشاريع العملاقة في مرحلة التنفيذ إلى النصف الأخير من عام 2021 وإلى عام 2022. وهذا سيشكّل صعوبات بالنسبة إلى خطط المملكة في توسيع نطاق جهود التوطين وزيادة حصة السعوديين العاملين في قطاع الإنشاءات. هذا، وقد كان الاستثناء الوحيد في قطاع الإنشاءات للعام 2020 هو النمو الهائل في قطاع الإسكان، الذي جاء مدفوعًا بتطوير مساكن ميسورة التكلفة لتلبية الطلب المتراكم.
جاءت الرياض في المقدمة حسب المناطق الإدارية من حيث العقود التي تمت ترسيتها في الربع الأخير من عام 2020 بنحو 5.5 مليار ريـال (1.5 مليار دولار)، أو 34% من الإجمالي. وحظيت منطقة الرياض بدعم قطاعات العقارات والنقل والطاقة، حيث شكّلت معًا ما يقرب من 5.3 مليار ريـال (1.4 مليار دولار) أو 97% من إجمالي القيمة. وارتبطت أكبر العقود بمشروع مجتمع روشن بالرياض في قطاع العقارات السكنية، بالإضافة إلى إنشاء طرق وجسور لشركة القدية للاستثمار ضمن قطاع النقل. وبذلك يصل إجمالي قيمة العقود التي تمت ترسيتها في منطقة الرياض إلى ما يقرب من 24.1 مليار ريـال (6.4 مليار دولار)، أو 30% خلال عام 2020.
حافظت منطقة تبوك على ثاني أعلى قيمة للعقود التي تمت ترسيتها بنحو 3.2 مليار ريـال (859 مليون دولار) أو 20% من إجمالي العقود خلال الربع الأخير من عام 2020. استحوذت شركة البحر الأحمر للتطوير على ما يقرب من 2.6 مليار ريـال (680 مليون دولار) أو 79% من جميع العقود التي تمت ترسيتها في تبوك. وتمحورت المشاريع حول تطوير البنية التحتية للمرافق، إلى جانب أعمال الإنشاء العقاري. وفي عام 2020، استحوذت تبوك على ما يقرب من 6.1 مليار ريـال (1.6 مليار دولار) أو 8% من القيمة الإجمالية للعقود التي تمت ترسيتها.
تفوقت المنطقة الشرقية على منطقة جازان بنسبة 1% لتصل إلى 2.2 مليار ريـال تقريبًا (589 مليون دولار) أو 14% خلال الربع الأخير من عام 2020. أما قطاعات النفط والغاز والعقارات والقطاعات الصناعية فقد تصدرت المنطقة الشرقية بنحو 1.5 مليار ريـال (386 مليون دولار) أو 66% من القيمة الإجمالية للعقود التي تمت ترسيتها. وعلى الرغم من الانخفاض في عقود النفط والغاز، فقد استحوذت المنطقة الشرقية على أعلى قيمة للعقود التي تمت ترسيتها بقيمة 34.6 مليار ريـال (9.2 مليار دولار)، أو 44% من إجمالي العقود في عام 2020.
ارتفعت قيمة قطاع العقارات والتي بلغت 5.9 مليار ريـال (1.6 مليار دولار) خلال الربع الأخير من عام 2020 من القيمة الإجمالية للعقود التي تمت ترسيتها لتصل إلى 10.4 مليار ريـال (2.8 مليار دولار) في 2020. وهو ما جعل قطاع العقارات يحتل المركز الرابع مقارنةً بجميع القطاعات الأخرى في 2020. وارتفعت قيمة العقود التي تمت ترسيتها بمقدار 4.8 مليار ريـال (1.3 مليار دولار) خلال الربع الأخير من عام 2020 مقارنةً بالربع الثالث من عام 2020، ومع ذلك فإنها لا تزال بطيئة مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي، حيث بلغت 12.2 مليار ريـال (3.2 مليار دولار). وتراجع قطاع العقارات على مدار العام خلال 2020 مقارنةً بعام 2019، حيث تم ترسية عقود بنحو 34.4 مليار ريـال (9.2 مليار دولار) العام الماضي.
كانت قيمة العقود التي تمت ترسيتها في قطاع الطاقة هي الأعلى في عام 2020 خلال الربع الأخير من العام ، حيث بلغت 3.6 مليار ريـال (958 مليون دولار). وعلى مدار العام، نجح قطاع الطاقة في ترسية عقود بقيمة 8.1 مليار ريـال (2.1 مليار دولار)، ما جعله سادس أعلى قطاع من حيث القيمة. وارتفعت قيمة العقود التي تمت ترسيتها بمقدار مليارَي (2) ريـال (544 مليون دولار) خلال الربع الأخير من عام 2020 مقارنةً بالربع الثالث من العام ذاته ، ومع ذلك فإنها لا تزال بطيئة مقارنةً بالفترة المماثلة من العام الماضي، حيث بلغت 4.4 مليار ريـال (1.2 مليار دولار). وكان قطاع الطاقة متباطئًا بشكل طفيف على مدار العام خلال 2020 مقارنةً بعام 2019، حيث تم ترسية عقود بنحو 8.3 مليار ريـال (2.2 مليار دولار) خلال 2019.
ارتفعت قيمة عقود قطاع المياه والتي بلغت 3.2 مليار ريـال (862 مليار دولار) خلال الربع الأخير من عام 2020 من القيمة الإجمالية للعقود التي تمت ترسيتها داخل القطاع لتصل إلى 11.3 مليار ريـال (3 مليار دولار) في 2020؛ وهو ما جعل قطاع المياه يحتلّ المركز الثالث مقارنةً بجميع القطاعات الأخرى في 2020. وارتفعت قيمة العقود التي تمت ترسيتها بمقدار 2.3 مليار ريـال (607 مليون دولار) خلال الربع الأخير من عام 2020 مقارنةً بالربع الثالث من العام نفسه، ومع ذلك فإنها لا تزال بطيئة مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي، حيث بلغت 6.3 مليار ريـال (1.7 مليار دولار). وتراجع قطاع المياه على مدار عام 2020 مقارنةً بعام 2019، حيث تم ترسية عقود بنحو 21.9 مليار ريـال (5.8 مليار دولار) خلال 2019.
شهد قطاع الإنشاءات تراجعًا كبيرًا في معدل العقود التي يتم ترسيتها، وكذلك تنفيذ المشاريع الجارية على خلفية مواجهة الجائحة العالمية وتقلب أسعار النفط في عام 2020. حيث عانت الشركات من ضعف الطلب والاضطرابات الشديدة في سلاسل التوريد العالمية، مما أثّر على المستوى المالي ومستوى رأس المال البشري لمشاريع الإنشاء. وواجهت الحكومة السعودية قرار تقليص الإنفاق في عدة مجالات لتلبية الحاجة إلى الدعم الإنساني.
وقد كان الإنفاق الحكومي في مواجهة الجائحة كبيرًا، حيث بلغ إجمالي المخصصات الإضافية فوق الميزانية 159 مليار ريـال (42 مليار دولار) تقريبًا منذ ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وقد ساعدت هذه المخصصات في استقرار قطاع الرعاية الصحية، وكذلك الحفاظ على انتعاش القطاع الخاص. ومع ذلك، فإن زيادة الإنفاق قابلها انخفاض قدره 111 مليار ريـال (30 مليار دولار) في النفقات التشغيلية والرأسمالية، وهو ما استلزم تأجيل بعض المشاريع أو إلغاءها. وكان للتخفيض في الإنفاق الأثر البالغ في النفقات الرأسمالية، حيث انخفضت هذه الفئة من 173 مليار ريـال (46 مليار دولار) إلى 137 مليار ريـال (37 مليار دولار) في عام 2020. كذلك أثّرت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في المشاريع الرأسمالية، لا سيما برامج تحقيق الرؤية. بالإضافة إلى ذلك، اختارت الحكومة التوجه بصورة أكبر نحو نفقاتها الرأسمالية، حيث ركزت على الاحتياجات التنموية مع مراعاة تحسين الكفاءة والفاعلية.
سيكون دور صندوق الاستثمارات العامة فعَّالًا في تنمية الاقتصاد المحلي، مع عودة الاقتصاد العالمي إلى الطبيعة الجديدة التي سيكون عليها. حيث سيساعد في تخفيف العبء على الحكومة، التي تولت الكثير من النفقات الرأسمالية على مر السنين، لأنه سيسهم بنسبة تصل إلى 85% من قيمة 6 تريليونات ريـال (1.6 تريليون دولار) أعلنت عنها الحكومة أخيرًا في شكل فرص استثمارية على مدى السنوات العشر المقبلة. وستبلغ قيمة المشاريع الجديدة التي تشكل جزءًا من استراتيجية رؤية 2030 (3) تريليون ريـال (800 مليار دولار) أو 50% من 6 تريليون ريـال (1.6 تريليون دولار).
يشار إلى أن دور "أرامكو السعودية"، والتي تعد أكبر شركة لترسية العقود في قطاع النفط والغاز، جدير بالرصد في عام 2021. وبحسب بيانات من مشاريع ميد، فقد ألغت "أرامكو السعودية" عقودًا بقيمة 82 مليار ريـال (22 مليار دولار) أو علقتها في عام 2020 فقط. وهذا الرقم أكبر من القيمة الإجمالية للعقود التي تمت ترسيتها في جميع القطاعات في عام 2020. كما أن القرار الذي اتخذته المملكة في آخر اجتماع لمنظمة الأوبك بمواصلة التوقف عن إنتاج مليون برميل يوميًا حتى أبريل 2021 لاستيعاب سوق النفط العالمية، والذي أدى إلى تراوح أسعار النفط عند حدود 70 دولارًا للبرميل، سيؤثر في خطط التوسع التي تعمل عليها "أرامكو السعودية" هذا العام.
على الرغم من التأثير الذي سيقع على مشاريع "أرامكو السعودية" في عام 2021، تمضي المملكة قدمًا في خطط تخصيص كبيرة مثل مشروع التوسع في شبكات المياه بقيمة 60 مليار ريـال (16 مليار دولار). حيث ستستقطب شركة نقل وتقنيات المياه التي تم إنشاؤها حديثًا مستثمرين عالميين للمشاركة في برنامج المياه واسع النطاق في المملكة.
سيساعد تقديم العروض إلى مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة، وترسية المرحلة الثالثة في عام 2021؛ على تعزيز العقود التي يتم ترسيتها في قطاع الطاقة. وستختص المرحلة الثالثة بإرساء عقود بقيمة 31.5 مليار ريـال (8.4 مليار دولار) تقريبًا في النصف الثاني من عام 2021 بعد هذه التأخيرات التي وقّعت في عام 2020. وقد تم تأجيل المواعيد النهائية الخاصة بالتقديم في الفئة أ إلى أبريل 2021، والفئة ب إلى مايو 2021.
من المتوقع أن يواصل قطاع العقارات السكنية التوسع في أعمال الإنشاء، حيث تستهدف وزارة الإسكان زيادة المعروض من خيارات الإسكان بأسعار معقولة. واستمر نمو سوق الرهن العقاري الذي شهده عام 2020 دون توقف حتى يناير من هذا العام ليرتفع إلى 33 ألف عقد بقيمة 16.4 مليار ريـال (4.4 مليار دولار).
وعلّق الأستاذ/ البراء الوزير، مدير البحوث الاقتصادية بمجلس الأعمال السعودي الأمريكي على حالة المؤشر بقوله: "لا تزال حالة الإنشاءات تواجه عوامل معاكسة تستمر حتى عام 2021، ومع ذلك فإن الطفرات التي تحدث مثل الزيادة في توزيع اللقاحات والعودة التدريجية للأنشطة الاجتماعية وفتح رحلات الطيران الدولي؛ تبشِّر بالتحسن في توقعات الاقتصاد العالمي. كما أن زيادة الطلب وإن كان بوتيرة أبطأ سيخفف أيضًا من الضغط على قطاع الإنشاءات السعودي".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}