في عالم يتطلع من منظور الأزمة إلى الفقراء، ومن منظور المساءلة والتدقيق إلى فائقي الثراء، تقبع الطبقة المتوسطة في نهاية قائمة الاهتمامات، رغم دورها الحيوي في تحريك الاقتصاد وزيادة ثروة الأغنياء وانتشال المحتاجين من العوز.
تساهم هذه الطبقة بشكل أو بآخر في قيادة الأمم، حيث إن لحجمها آثاراً اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة، فهي التي تحرك الطلب على السلع والخدمات المحلية، وتساعد على دفع النمو الاقتصادي الذي يقوده الاستهلاك، والأهم أنها تشكل رأس المال البشري لأي بلد.
حتى أن هذه الطبقة، تبين أنها منبع رجال الأعمال الناجحين في المستقبل، وأظهرت دراسة لمؤسسة "كوفمان" أن 99% من المستثمرين المبدعين يأتون من الطبقة المتوسطة، وفقط 1% لهم أصول فقيرة أو غنية للغاية.
من الأزمة المالية إلى الحرب التجارية، خضعت هذه الطبقة لضغوط قاسية حتى في أكبر اقتصادات العالم، ثم جاء الوباء ليزيد الأمر سوءًا، حيث فقدت هذه الطبقة الملايين من أبنائها، الذين باتوا الآن في الدرجة الدنيا (الفقراء).
الوباء الكارثي
- تقلصت الطبقة المتوسطة العالمية العام الماضي للمرة الأولى منذ عقود بسبب جائحة "كوفيد -19"، حيث أبلغ ما يقرب من ثلثي الأسر في الاقتصادات النامية عن تعرضهم لخسارة في الدخل، وفقًا لتقديرات جديدة تستند إلى بيانات البنك الدولي.
- تقسم فئات السكان إلى طبقات رئيسية وفقًا للدخل، أعلاهم؛ مرتفعو الدخل، تليها الطبقة المتوسطة العليا، والمتوسطة، ومنخفضو الدخل، ثم طبقة الفقراء، في بعض التصنيفات تعتبر المتوسطة العليا والمتوسطة ومنخفضو الدخل طبقة واحدة، ما يجعلها أكبر طبقة على الإطلاق.
- وفقًا لبيانات "بيو ريسيرش" للأبحاث والبنك الدولي، فإن الطبقة المتوسطة العليا والمتوسطة بالإضافة إلى طبقة مرتفعي الدخل، انكمشت، فيما زادت الشريحة الأدنى من الطبقة المتوسطة إلى جانب طبقة الفقراء.
- قبل الوباء؛ أشارت التقديرات إلى وصول طبقة مرتفعي الدخل إلى 593 مليون فرد عالميًا في عام 2020، لكن هذا الرقم تراجع إلى 531 مليونًا فقط، أما المتوسطة العليا فبلغت 1.1 مليار بخلاف التقديرات التي أشارت إلى 1.2 مليار فرد.
- الطبقة المتوسطة سجلت 1.3 مليار فرد مقارنة بتقدير بلغ 1.4 مليار شخص، فيما وصل منخفضو الدخل إلى 4 مليارات مقارنة بـ3.9 مليار متوقعة، في حين وصلت طبقة الفقراء إلى 803 ملايين فرد بدلاً من 672 مليونًا.
- تعرف "بيو" الفقراء بأنهم من يعيشون بأقل من دولارين في اليوم؛ وأعلى من ذلك حتى 10 دولارات فهم من الطبقة المنخفضة، أما المتوسطة فيتراوح دخلها فوق 10 وحتى 20 دولارًا يوميًا، والدخل المتوسط الأعلى فهم من يحصلون على أكثر من 20 إلى 50 دولارًا، أما من يحصل على 50 دولارًا فأزيد فهم مرتفعو الدخل.
المعاناة تزداد في مواضع الألم
-الصين والهند، ثاني وخامس أكبر اقتصادين في العالم، على التوالي؛ عادة ما يكون لهما تأثير كبير على هذه الاتجاهات، خاصة أنهما يمثلان أيضًا أكثر من ثلث سكان العالم، مع نحو 1.4 مليار شخص لكل منهما.
- بينما دخلت الهند في ركود عميق في عام 2020، تمكنت الصين من تلافي الانكماش، حيث قدر البنك الدولي النمو في الهند بسالب 9.6% مقابل توقعات سابقة بنمو موجب بنسبة 5.8%، فيما سجلت الصين 2% انخفاضًا من التقدير السابق البالغ 5.9%.
- وجد تحليل مركز"بيو" أن الطبقة المتوسطة في الهند تقلصت بمقدار 32 مليونًا في عام 2020 نتيجة الانكماش، مقارنة بالعدد الذي كانت تصل إليه في غياب الوباء، ويمثل هذا 60% من التراجع العالمي لعدد الأشخاص في هذه الطبقة، كما زاد عدد الفقراء بمقدار 75 مليونًا، ما يشكل 60% أيضًا من الزيادة العالمية.
- في الصين كانت التغيرات أكثر تواضعًا، حيث زاد عدد أصحاب الدخل المنخفض بمقدار 30 مليون شخص، فيما انخفض حجم الطبقة المتوسطة بمقدار 10 ملايين شخص، ولم تتغير طبقة الفقراء.
- في أفريقيا أيضًا، واجهت السلطات صعوبة في توفير التمويل اليسير، ومع خضوع المانحين التقليديين لضغوط الوباء، كان البحث عن موارد إضافية صعبًا للقارة السمراء، وتراجعت المساعدات الثنائية بنسبة 19% في عام 2020.
- يقدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن القارة ستحتاج إلى 200 مليار دولار لمعالجة الآثار المالية والاجتماعية والاقتصادية للوباء العالمي، وهو تمويل قد تمتد تكاليفه لعقود.
حتى رأسمالية أمريكا أخفقت
- في حين يلقى باللوم على الرأسمالية في انكماش الطبقة المتوسطة، وكذلك الوباء، ينظر البعض إلى هذين العاملين باعتبارهما منحة في الوقت الراهن لإعادة ضبط القواعد وتدعيم هذه الفئة الحاسمة في المجتمع.
- مع توقعات بنمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 6% تقريبًا هذا العام، خاصة في ظل تضخم مدخرات الأسر وإقرار حزمة تحفيزية ضخمة بقيمة 1.9 تريليون دولار، إلى جانب تساهل الفيدرالي مع التضخم المتوقع وعدم رغبته في رفع الفائدة لعامين على الأقل، تبدو الفرصة مواتية أمام الرئيس جو بايدن للنهوض بالطبقة المتوسطة.
- مع ذلك، فإن الانتعاش القوي لن يغير هيكل الاقتصاد من تلقاء نفسه، ولن يفعل الكثير لتقويض التفاوت الحاد في أمريكا، وحزمة التحفيز ستخفف الضغط على المواطنين وتشعرهم برفاهية لبعض الوقت، لكن المهم هو ما يمكن فعله لتغيير قواعد اللعبة على المدى الطويل.
- نقطة البداية هي الاعتراف بأن ركود الدخل المتوسط في أمريكا هو في جزء منه نتيجة لقرارات اتخذها السياسيون، فحتى وقت قريب، اتفق اليسار واليمين، على أن العولمة هي "المعادل الاقتصادي لقوة الطبيعة"، ونتيجة ذلك لم يكن هناك الكثير تفعله الحكومة، بخلاف تشجيع الناس على تعزيز مهاراتهم.
- بعد 40 عامًا من الركود، نما متوسط الدخل بين عامي 2015 و2019، ويرجع ذلك في الغالب إلى انخفاض البطالة، وتشير بعض التقديرات إلى استعادت الطبقة المتوسطة عُشر ما خسرته في تلك السنوات، ما يعني أن الأمر سوف يستغرق 40 عامًا أخرى (بافتراض عدم حدوث ركود جديد) لاستعادة حصتها كاملة في الاقتصاد.
- يأتي علاج مخلفات السياسات الماضية، على 3 شرائح؛ أولها تعزيز إنتاجية العمل، وضمان حصول العمال على المكسب الأكبر في الأجور والمزايا، إلى جانب زيادة الدعم لمن تركتهم الرأسمالية في مؤخرة الركب.
- يبدو الحل في أمريكا ممكنًا من الناحية النظرية، وبدرجة كبيرة أيضًا من الناحية العملية إذ قطعت خطوات جدية، لكن تبقى المشكلة كامنة في الأماكن الأكثر معاناة منذ قبل الوباء، والتي ظهر ضعفها مع الأزمة وكانت سببًا وراء تدهور وضع الطبقة المتوسطة على الصعيد العالمي.
المصادر: أرقام- موقع مركز بيو- بلومبيرغ- فايننشال تايمز- موقع معهد بروكينغ
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}