قبل 46 عامًا، وتحديدًا في الثامن من أغسطس 1974، استقال الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" على خلفية محاولته التستر على محاولة التجسس على مبنى "ووتر جيت"، وذلك بعد أن تمكّن مساعدوه من تدمير أبرز دليل على تورطه في الجريمة، والذي كان عبارة عن مقطع طوله 18.5 دقيقة من أحد أشرطة التسجيل الخاصة بمحادثات الرئيس.
بنفس الطريقة التي حاول بها "نيكسون" ومساعدوه إخفاء آثار الجريمة، قامت شركة البرمجيات الأمريكية "بريجرين سيستمز" (Peregrine Systems) بالاحتيال على المساهمين من خلال اللجوء إلى ممارسات محاسبية غير قانونية تضمنت على سبيل المثال تسجيل مبيعات وإيرادات وهمية وهو ما ساهم في خداع المستثمرين وتضليلهم.
تزييف المبيعات
في أبريل من عام 2002، كشفت لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة عن تورط شركة "بريجرين سيستمز" في التلاعب ببياناتها المالية الخاصة خلال أحد عشر ربعًا متتاليًا، تمتد في الفترة ما بين الأول من أبريل 1999 والحادي والثلاثين من ديسمبر 2001.
ما قامت به "بريجرين سيستمز" بالضبط أثناء سعيها لتعزيز مبيعاتها، هو أنها أبرمت اتفاقيات جانبية سرية مع العملاء؛ لكي يشتروا تراخيص البرامج الخاصة بالشركة، دون أن يكونوا ملزمين بالدفع، مما يعني أنه كان يجب على الشركة عدم تسجيل قيمة هذه التراخيص كإيرادات؛ لأنها لم تحصل على أي مقابل، ولكن الشركة فعلت.
هذه الإيرادات المزيفة نتج عنها تضخم بند الحسابات المستحقة في الميزانية العمومية، وهي الحسابات التي لن يتم تحصيلها أبدًا لأنها غير حقيقية، في سعيها للتخلص من هذا الدليل والمتمثل في الحسابات المستحقة المزيفة، ورطت "بريجرين سيستمز" نفسها بشكل أكبر في الممارسات الاحتيالية.
قامت "بريجرين سيستمز" ببيع حساباتها المستحقة إلى البنوك مقابل كميات من الكاش، ولكن في نفس الوقت ظل عبء تحصيل هذه المستحقات على عاتق الشركة وليس البنوك والتي احتفظت بحقها في الرجوع عن تلك الخطوة.
وبالطبع، كان التحصيل مشكوكاً فيه؛ لأن أغلب مبيعات الشركة كان نتيجة معاملات وهمية بالأساس.
الشركة تحاصر نفسها
بما أن خطر الخسارة لم يتم تحويله من الشركة إلى البنوك، كانت "بريجرين سيستمز" مضطرة لرد الأموال إلى البنوك في حالة لم يتم تحصيل المستحقات، في الحقيقة، كان الاتفاق بين الجانبين أقرب ما يكون للقرض المضمون بأصل.
اقترضت "بريجرين سيستمز" الأموال من البنوك واستخدمت حساباتها المستحقة كضمان، وبالتالي فإن الصحيح محاسبيًا هو أن يتم تسجيل هذه الأموال كتدفق نقدي تمويلي، ولكن الشركة الأمريكية تجاهلت ذلك وسجلت المعاملة في بياناتها المالية باعتبارها عملية بيع نهائي للحسابات المستحقة، وقامت دون أدنى خجل بتسجيل قروض البنوك كتدفق نقدي تشغيلي.
وبما أن الحسابات المستحقة قائمة في الأساس على مبيعات وهمية وبالتالي لا أمل في تحصيلها، قامت الشركة بتسديد الدفعات المستحقة للبنوك من أموالها الخاصة وليس من حصيلة جمع الحسابات المستحقة الوهمية، دون أن تخبر البنوك بمصدر هذه الأموال، وفي بعض الأحيان قامت بإعادة شراء جزء من هذه الحسابات من البنوك حتى لا يفضح أمرها.
من بين المعاملات المشبوهة التي كشفتها تحقيقات لجنة الأوراق المالية والبورصات لاحقًا، معاملة قامت خلالها الشركة بتزوير فاتورة بيع بقيمة 19.58 مليون دولار وبيعها لأحد البنوك كحساب مستحق، وذلك بغرض تحسين البيانات المالية كي تطابق توقعات المحللين، وهو ما تم تحت إشراف وتشجيع الإدارة العليا للشركة.
إشارات لم ينتبه إليها المستثمرون
في عام 2001، قامت "بريجرين سيستمز" بإجراء تعديلين مريبين في بند "عوامل الخطر" الموجود في الإفصاحات المقدمة من قبل الشركة إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات، كانا من المفترض أن يوقظا المستثمرين من سباتهم، وينبهاهما إلى وجود مشكلة ما وأمر غير طبيعي في البيانات المالية للشركة.
كان التعديل الأول في يونيو 2001، وقالت فيه الشركة إنها تشارك في تسهيلات جديدة لتمويل العملاء تشمل القروض ومد فترات السماح، كما أشارت إلى أن بعض العملاء فشلوا في الوفاء بالتزاماتهم.. وجود هاتين العبارتين في قسم "عوامل الخطر" كان يجب أن ينبه المستثمرين إلى أنهما بالتأكيد مهمان وربما يوجد وراءهما شيء.
ثم في ديسمبر 2001، أضافت "بريجرين سيستمز" عبارة صغيرة جاءت في سطر واحد في نهاية إفصاحها الجديد، قالت فيها "يجوز للشركة تسويق الحسابات المستحقة للعملاء دون وجود حق الرجوع". هذه العبارة كانت كفيلة بأن توضح لمن ينتبه إلى وجودها أن "بريجرين سيستمز" تخفي الكثير عن المستثمرين وفي نفس الوقت تحاول الالتزام بالحد الأدنى من متطلبات الإفصاح.
كيف انهار كل شيء؟
في أبريل من عام 2002، انهار كل شيء بعد أن كشفت الهيئات التنظيمية الأمريكية مخططات التلاعب، لتتقدم الشركة في سبتمبر من نفس العام بطلب لحمايتها من الإفلاس، وفي فبراير 2003، قامت الشركة بتعديل بياناتها للسنتين الماليتين 2000 و2001 والأرباع الثلاثة الأولى من عام 2002 لتعكس انخفاض إيرادات الشركة بنحو 509 ملايين دولار من إجمالي الإيرادات المبلغ عنها سابقًا والبالغة 1.34 مليار دولار.
وفي واحد من أغرب التحركات القانونية التي شهدتها قضايا الاحتيال والإفلاس قامت "بريجرين سيستمز" في سبتمبر من عام 2002 برفع قضية ضد شركة المراجعة الخاصة بها "آرثر آندرسون" اتهمتها خلالها بالاحتيال والإهمال والفشل في مراجعة البيانات المالية للشركة وأداء واجباتها الرقابية والمحاسبية، قبل أن تطالبها بتعويض قدره مليار دولار.
في نوفمبر من عام 2009 أعطت إحدى المحاكم الفيدرالية الأمريكية الموافقة النهائية على تسويات يبلغ إجماليها 56 مليون دولار للدعاوى المتعلقة بالفضيحة المحاسبية لـ"بريجرين سيستمز"، هذه التسويات بالإضافة إلى عمليات استرداد سابقة تصل بمجموع التعويضات التي حصل عليها المساهمون إلى أكثر من 117 مليون دولار، ولكن هذه الأموال لم تشكل سوى جزء صغير جدًا مما خسره المساهمون، وهذا كان هو الفصل الأخير في هذه القضية.
المصادر: أرقام – لجنة الأوراق المالية والبورصات – لوس أنجلوس تايمز – نيويورك تايمز– وول ستريت جورنال
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}