أعلنت حالة الطوارئ الصحية العمومية التي تستدعي قلقًا دوليًا، وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية، في الثلاثين من يناير العام الماضي، استجابة لانتشار فيروس كورونا المستجد في 18 بلدًا بخلاف الصين.
التحول الدراماتيكي جاء في الحادي عشر من مارس عام 2020، عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة "الجائحة"، ما يعني أن الفيروس تحول إلى وباء عالمي واسع الانتشار، ولم تعد هناك بقعة في الأرض آمنة من وصوله إليها، منتقدة تأخر الدول في اتخاذ الإجراءات الاحترازية الملائمة.
في هذه المرحلة، كان الوباء بالكاد يبدأ استعداداته ليغطي العالم، حيث بلغ إجمالي الإصابات بمرض "كوفيد 19" 170 ألفًا ونحو 6.5 ألف وفاة، بعد 5 أيام من هذا الإعلان، وهو ما لا يبدو شيئًا يذكر مقارنة بالأرقام المسجلة الآن (117 مليون إصابة و2.6 مليون وفاة).
على غرار الساسة ومسؤولي الصحة الذين عكفوا على تحديد الإجراءات حول موعد وكيفية الاستجابة للأزمة، شرع صناع السياسات الذين أدركوا أيضًا حجم المعضلة المقبلة للأسواق والاقتصادات، وذلك بالنظر إلى تملك الذعر من المستثمرين والناس عمومًا.
فاجأ الاحتياطي الفيدرالي الأسواق بخفض الفائدة بنسبة 1%، إلى النطاق بين 0.25% وصفر، وأطلق برنامجًا ضخمًا للتيسير الكمي بقيمة 700 مليار دولار، لكن ذلك لم يكن كافيًا لتهدئة الأسواق المذعورة، وانخفضت الأسهم الأمريكية في نفس اليوم بأكبر وتيرة منذ عام 1987، كما شهدت الأسواق الأخرى إضافة إلى الذهب والنفط انخفاضات حادة.
عام على الانهيار
- كان هذا الانهيار مؤلمًا وصادمًا بشدة لأن الأسواق كانت تتجاهل فيروس كورونا لأسابيع، حتى عندما دقت أجراس الإنذار في مختلف أركان الاقتصاد العالمي، ورغم إعلان حالة الطوارئ الصحية دولياً، لكن المعنويات تغيرت فجأة عندما حظر الرئيس السابق دونالد ترامب السفر من معظم أنحاء أوروبا، وأُعلنت "الجائحة".
- على أي حال، لم يدم الانهيار طويلاً، ومع استيعاب الأزمة والتحركات المبذولة لاحتوائها، وصلت الأسواق المالية، التي غذتها الحوافز الحكومية مع الركود العالمي المدمر إلى مستويات قياسية بنهاية عام الوباء، في تذكير صارخ بالانفصال بين سوق الأسهم الأمريكي وواقع الشركات.
- لا تزال العديد من السمات المميزة لعام 2020 موجودة، ليس فقط حالات الإغلاق والتباعد الاجتماعي والعمل من المنزل، لكن أيضًا استمرت الصحوة التي انطلقت في الأسواق على مدى الاثني عشر شهرًا الماضية في دفع الأسهم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق هذا العام.
- يستمر أيضًا صعود مستثمري التجزئة، الذين عززوا الاتجاه الصعودي للعام الماضي، بلا هوادة، والذين تجلى وجودهم في "ملحمة جيم ستوب" والإطلاق الأخير لصندوق مؤشرات متداولة يركز على الأسهم التي تحدث ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي.
- لا يزال الفيروس نفسه موجودًا أيضًا، لكن المستثمرين يعتمدون الآن على التعافي السريع والقوي، حيث تتزايد وتيرة التطعيمات وتستعد أمريكا لحزمة تحفيز هائلة أخرى، ويتوقع بنك "جولدمان ساكس" نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 7% هذا العام، وهو مستوى غير مسبوق منذ عام 1984.
تحولات حقيقية.. وخطر محدق
- ساعد الارتداد في الأسهم الأكثر تضررا خلال الأيام الأولى من الأزمة، مؤشرات الأسهم في جميع أنحاء العالم؛ على الصعود بالقرب من مستويات قياسية، بفضل شركات مثل شركة السياحة الأوروبية "TUI AG" ومالك المراكز التجارية الأمريكية "Simon Property Group".
- بعض الخاسرين في عام الوباء يستعدون الآن كي يكونوا بين كبار الرابحين، مثل أسهم شركات الطيران ومشغلي الرحلات البحرية والفنادق، فهناك فرصة واسعة مع عودة الحياة لطبيعتها بالنسبة لهؤلاء الذين تخلفوا عن الركب بسبب قيود السفر والحركة.
- يمكن أيضًا رؤية التفاؤل المتزايد بين المستثمرين بشأن قرب عودة الحياة إلى طبيعتها، في الأداء الضعيف للأسهم التي كانت محل رهانهم في وقت الأزمة وارتفعت بفعل قيود الوباء، لكنها الآن بعيدة عن ذروتها، مثل "زوم فيديو كوميونيكشنز" و"ديليفري هيرو" الألمانية.
- لكن في مثل هذا الوقت من العام الماضي، قد يقلل المستثمرون في الأسهم من حجم العقبات المحتملة، ومن المفارقات أن الاقتصاد المزدهر قد لا يكون جيدًا للأسهم؛ لأنه قد يزيد من تكاليف التمويل للشركات ويضعف نقطة الجذب الرئيسية للأسهم وهي العوائد عالية.
- ارتفعت عائدات السندات مع زيادة توقعات التضخم، وتسبب هذا التحول في تذبذب أسواق الأسهم في الأيام الأخيرة بسبب مخاوف من رفع أسعار الفائدة لمنع ارتفاع الأسعار، وقد تكبح البنوك المركزية شراء الأصول في وقت أقرب مما كان متوقعًا، ما يؤدي إلى إخراج السيولة الفائضة من الأسواق.
- في حين أن الانتعاش القوي مفيد لأرباح الشركات، إلا أن الفائدة المرتفعة تجعل الديون أكثر تكلفة، مما يمثل مشكلة للشركات التي اقترضت بكثافة خلال الأزمة، وأيضًا تبدو الأسهم أقل جاذبية نسبيًا عندما ترتفع عائدات السندات.
هل من انهيار آت؟
- الملياردير الأمريكي "جيف جوندلاش" توقع في شهر أكتوبر الماضي، انهيار سوق الأسهم الأمريكي في غضون 18 شهرا، مع تراجع الدولار على المدى الطويل، بسبب تضخم عجز الموازنة الفيدرالية واحتمالية تسارع التضخم، في ظل التقييمات المرتفعة للأسهم.
- بالنظر إلى مخاوف التضخم، قال الاحتياطي الفيدرالي إنه على استعداد لتحمل ارتفاعه إذا كان ذلك يعني أن الشركات تتعافى وأن البطالة تنخفض، مشيرًا إلى أن "التفكير في رفع الفائدة" يتطلب بقاء التضخم عند 2% (وهو أمر استبعده سابقا) واقتراب الاقتصاد من حالة "التوظيف الكامل"، وهي تطورات ليست بالسهلة.
- في حين أن ارتفاع العائدات يمكن أن يكون علامة إيجابية في المراحل الأولى من السوق الصاعد، ما يشير إلى نمو اقتصادي أقوى في المستقبل، فإن تحولات السوق يمكن أن تكون مصدر قلق للمستثمرين، وفقًا لـ"ليندسي بيل"، كبيرة محللي الاستثمار في "Ally Invest".
- تميل عائدات السندات المرتفعة إلى التأثير بشكل أكبر على القيم المرتفعة (للأسهم)، وهذا هو السبب وراء انخفاض أسهم مثل "تسلا" بأكثر من 30% هذا العام، وفي الواقع قد تكون أسهم التكنولوجيا الرئيسية عرضة لضعف أكبر في المستقبل القريب.
- إذن فبعض التقلبات قد تكون متوقعة، لكن في النهاية لا يمكن القول إنه سيكون هناك انهيار وشيك، وليست كل الأسواق الهابطة نتاج انهيار، الذي يعرفه بعض المحللين بأنه هبوط بنسبة 5% أو أكثر في يوم واحد، بينما يرى آخرون أنه انخفاض مفاجئ وحاد يحول السوق إلى سوق هابط في غضون بضع جلسات.
المصادر: أرقام- سي إن إن- ماركت ووتش- بلومبيرغ- موقع منظمة الصحة العالمية
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}