عندما انتشرت جائحة كورونا قبل أكثر من عام، وجدت الشركات نفسها أمام تحديات جمة وتغيرات جوهرية سريعة، وبات عليها مواكبة هذه الاضطرابات كي تظل على قيد الحياة، لكن الأمر لم يكن بسهولة الحديث عنه.
التغيرات المتسارعة التي فرضت على الشركات مثل توسيع نطاق العمل عن بعد، والعمل في أوقات محددة، وبشروط محددة تراعي الإجراءات الاحترازية، تسببت في أعطال وإرباك كبير، ناهيك عن الضغوط المالية وتلك المرتبطة بوضع الخطط الاستراتيجية التي تلائم العالم الجديد.
كشفت الدراسات الاستقصائية أن الموظفين والمدراء على حد سواء واجهوا صعوبات جمة في مواجهة التغييرات غير المسبوقة في متطلبات العمل، والتي أثرت سلبًا على كل من الصحة العقلية للعاملين وأيضًا على الأداء المالي للشركات.
قد يعتقد المرء لوهلة، أن تركّز القرار في يد السلطة الإدارية العليا يجعل الشركة أفضل في مواجهة التحديات، وتركز عملية صنع القرار قد يكون له محاسنه لكنه ليس الخيار الأمثل لمواجهة الأزمات الكبيرة التي عادة ما تفرض تغيرات سريعة كما هو الحال مع الجائحة ومن قبلها مع الأزمة المالية العالمية.
في الحقيقة، عندما يكون هناك اضطراب متزايد في النشاط التجاري، فإن إسناد السلطة وتبني نموذج غير مركزي، من شأنه تحسين المبيعات والإنتاجية، كما يعزز فرصة الشركة في البقاء على قيد الحياة، وفي الماضي خير دليل على ذلك.
طوق نجاة من العاصفة
- يُشبه الأستاذان بكلية "إنسياد" لإدارة الأعمال "فيليب أغيون" و"إيزابيل لابورت"، الأمر بسفينة تواجه الغرق ويأتيها الموج من كل مكان في عرض البحر، ويقولان إنه من الأفضل تمكين أفراد الطاقم من القيام بكل ما يلزم لإنقاذها، وعدم قصر القرار على القبطان.
- بالمثل، قد يكون هذا هو الشكل الأمثل للشركة خلال فترة الانكماش وعند الحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة (بما في ذلك تسريح العمال) خاصة أن الاضطرابات والظروف سريعة التحول تضخم قيمة المعلومات التي يحتفظ بها المديرون المحليون.
- اللامركزية هي في الأساس نموذج أعمال يتضمن نقل سلطة اتخاذ القرار والمهام من سلطة مركزية واحدة إلى وحدات تشغيل على مستويات مختلفة داخل المنظمة، ودفعت عوامل مثل العولمة والوضع الاقتصادي الكلي المتقلب المزيد من الشركات الصغيرة والكبيرة إلى تبني هذا النوع من الحوكمة المرن.
- وفقًا لاستطلاع أجرته شركة "ديلويت" مؤخرًا، ذكر 75% من المشاركين أنهم ينتقلون إلى هيكل أعمال أكثر لامركزية، ويتوقع أكثر من نصف المشاركين أنهم سيتحولون بدلاً من ذلك إلى نموذج أعمال لامركزي بشكل أكبر من حيث اتخاذ القرار والإدارة.
- ربما جاء ذلك بعد درس الأزمة المالية، حيث أظهر مسح لوحدة "إيكونوميست إنتلجينس" أنه خلال الركود الكبير عام 2009، أصبحت عملية صنع القرار أكثر مركزية على المستوى الإداري الأعلى، ثم يبدو أن الأمور تغيرت بعد ذلك، خاصة مع الجائحة.
دفاع أقوى وحركة أخف
- أظهرت ورقة بحثية مشتركة بين عدد من المؤسسات البحثية والجامعات، صدرت هذا العام بعنوان "الاضطراب، واللامركزية في الشركات، والنمو في الأوقات السيئة"، أن فترات الانكماش الطويلة عادة ما يكون لها عواقب أقل تأثيرًا على الشركات اللامركزية.
- عندما يكون السوق محفوفاً بعدم اليقين من كل صوب وحدب، غالبًا ما يلزم اتخاذ القرارات في طرفة عين، ونظرًا لأن المديرين المحليين يحصلون على المعلومات الأكثر دقة وبشكل أسرع، فإنهم أكثر قدرة على الاستجابة للوضع المتطور في الوقت المناسب، والشركات التي تمكّنهم من اتخاذ القرار تجني الثمار في الأوقات الصعبة.
- في القطاعات التي تضررت بشدة من الأزمة المالية العالمية في 2008، تفوقت الشركات اللامركزية على منافستها المركزية في جميع النواحي؛ المبيعات والإنتاجية، والأهم من ذلك، البقاء، حسبما كشفت البيانات الخاضعة للدراسة.
- على الصعيد العالمي، شهدت الشركات اللامركزية في الصناعات الأكثر تضررًا، انخفاضًا بنسبة 8.2% في المبيعات مقارنة بنسبة 11.8% في الشركات المركزية، وهو فرق مهم إحصائيًا من وجهة نظر المحللين (قدره 3.6 نقطة مئوية).
- من المثير للاهتمام أن هذا الاختلاف في الأداء اقتصر على فترة الأزمة، ووفقًا للبيانات، أظهرت المجموعتان (المركزية واللامركزية) تقاربًا في منحنيات الأداء بعد ما يقرب من خمس سنوات بعد الأزمة، لذا تظهر أهمية النظام اللامركزي في أوقات الركود وليس بالضرورة في الأوقات العادية.
- خلال فترة الركود الكبير، تقلصت مبيعات الشركات المركزية بمقدار 3 أضعاف الشركات اللامركزية المنافسة، وفي الصناعات الأكثر تضرراً، زاد إجمالي الإنتاجية بشكل كبير في الشركات اللامركزية، كما زادت احتمالات بقائها على قيد الحياة.
- أظهرت التحليلات الإضافية أن قدرة المديرين المحليين على تحديد المخرجات (المبيعات والمنتجات الجديدة) كانت أكثر أهمية من قدرتهم على التحكم في المدخلات مثل العمالة واستثمار رأس المال.
المكاسب لا تأتي مجانًا
- من الفوائد الرئيسية للهيكل اللامركزي أن القادة المحليين لديهم قدرة أكبر على التكيف بسرعة مع التغيرات في السوق المحلية، ويجنب الشركة التأخير في الاستجابة لمتطلبات العمل الجديدة، والذي ربما يتسبب في هروب العملاء.
- مع ذلك، هناك تحديات، ويشير "ويليام ويلدون" الرئيس التنفيذي لشركة "جونسون آند جونسون" إلى أن العيب الأساسي لشركته التي تعمل بنهج لامركزي للغاية، هو أنه يتعين عليه وكبار المديرين الآخرين التخلي عن السلطة ووضع ثقة كبيرة في أيدي القادة الآخرين.
- من العيوب الشائعة الأخرى المرتبطة باللامركزية أن عملية صنع القرار تكون واسعة النطاق، وهذا يعني مشاركة المزيد من الأشخاص وعدم تركيز القرارات مع أقوى وأحكم قادة المنظمة، كما تشكل التناقضات المحتملة عبر العلامة التجارية تحديًا آخر.
- قد يستغرق تنفيذ التغييرات في منظمة لامركزية وقتًا أطول حيث قد لا يكون هناك بروتوكول ثابت لمثل هذه التغييرات، ويمكن أن تصبح الفرق غير متسقة عندما لا تقدم هيئة مركزية التوجيه الموحد لها، لذا هناك حاجة إلى نظام تواصل قوي للتخفيف من هذه المخاطر.
- يمكن أن تؤدي اللامركزية كذلك إلى تكرار الأدوار عبر الإدارات، على سبيل المثال، قد يتم تعيين موظفي خدمة العملاء في أقسام مختلفة بدلاً من فريق واحد لأداء هذه الوظيفة.
- فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، فهناك فرصة للفرق ذات المستوى الإداري المنخفض لاتخاذ قرار غير مستنير، مما قد يؤثر سلبًا على سمعة المنظمة بأكملها.
المصادر: أرقام- إنسياد- كرون- موقع شركة حلول أمن المعلومات ريتشيك "Recheck"
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}