حيتان الإنترنت في مواجهة الحكومات .. هل تحصل "صاحبة الجلالة" على قبلة حياة في نهاية المطاف؟

2021/02/05 أرقام - خاص

قدمت الحكومة الأسترالية مشروع قانون للإعلام إلى البرلمان في ديسمبر، والذي أثار غضب عمالقة الإنترنت أمثال "جوجل" و"فيسبوك"، وخلق حالة واسعة من الجدال حتى خارج أستراليا نفسها.

 

إذا تم تمريره، فإن قانون "مساومة وسائل الإعلام" الجديد سيتطلب من المنصات الرقمية الدفع لوسائل الإعلام المحلية والناشرين لربط محتواهم في موجزات الأخبار أو نتائج البحث، وحال لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق، فستقرر لجنة معينة من قبل الحكومة السعر.

 

 

يأتي القانون كأحدث محاولة من الحكومات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في صناعة تعاني تدهورا حادا وضغوطا قاسية منذ سنوات، مع التحول الرقمي السريع والذي اقتطع جزءا هائلا من عائدات صناعة الصحافة التقليدية لصالح المنصات الرقمية والتي باتت تهيمن عليها شركات التكنولوجيا الأمريكية.

 

مؤخرا، أطلقت "فيسبوك" خاصية للأخبار في المملكة المتحدة، وهو قسم مخصص يعرض مقالات من الصحف الوطنية والمحلية، رغم أن الشبكة الاجتماعية تواجه انتقادات متزايدة بسبب تعاملها مع المنافذ الإخبارية والمنشورات.

 

ضمن القسم الجديد، سيجد المستخدمون عناوين الأخبار والقصص الحديثة المصممة حسب اهتماماتهم، بالإضافة إلى ملخصات الأخبار خلال الأحداث الإخبارية الكبرى مثل جائحة فيروس كورونا.

 

احتضار الصحافة التقليدية

 

- على سبيل المثال لا الحصر، دعت مجموعة "ذا آيريش تايمز" الأيرلندية، الحكومة، قبل أيام، إلى تقديم الدعم المالي لصناعة الصحافة، والاستثمار في التكنولوجيا الداعمة للناشرين ومنافذ الأخبار وخدمات توصيل الصحف إلى المنازل.

 

- قالت المجموعة في خطابها إلى المسؤولين، إن التمويل العام يجب أن يكون متاحا لخدمات عامة محددة، مثل مراسلي المحاكم، بالإضافة إلى خطط التدريب للصحفيين في بداية حياتهم المهنية، محذرة من أن الصناعة تواجه "تهديدات وجودية".

 

- هذه الدعوات تكررت خلال السنوات القليلة الماضية في أماكن متفرقة من العالم، حتى إن بعض الصحف أغلقت تماما أو اضطرت إلى قصر خدماتها على الوجود الرقمي فقط، ثم جاءت كورونا لتعمق الأزمة.

 

- أدت الجائحة ببساطة إلى تسريع وتيرة التداعيات، وتفاقمت عمليات التسريح المحلية للموظفين ودمج المنافذ الإخبارية، متسببة في طوفان من تخفيضات الأجور والإجازات والتسريح الجماعي للعاملين والإغلاق وتقليص المطبوعات.

 

 

- تهدد هذه التخفيضات الصحفيين كأفراد وكذلك الصحافة ككل، مما يؤدي إلى تآكل التغطية القوية الضرورية للأحداث والقيام بدور "الرقيب" على المؤسسات والحكومات، وعرض الرأي والرأي الآخر. واضطرت الضغوط المتفاقمة مجلة "كولومبيا جورناليزم ريفيو" الأمريكية إلى إطلاق مشروع "أزمة الصحافة".

 

- يهدف المشروع إلى توثيق الخسائر والتغييرات الأساسية في غرف الأخبار وجمع الشهادات بشأنها في جميع أنحاء العالم، فيما تأمل أن تكون "لحظة تقدير المشكلة".

 

عاصفة قادمة

 

- ما يحدث في أستراليا ليس سوى تجسيد للصدام المتوقع من أجل بقاء المهنة التي لطالما شكلت الوعي العام للبشر (وربما وجهته في بعض الأحيان). ترفض شركات التكنولوجيا الكبرى القانون الأسترالي وتواجهه بشدة.

 

- هددت "فيسبوك" بحذف القصص الإخبارية الأسترالية، وقالت "جوجل" إنها ستغلق خدمة البحث في أستراليا إذا مضت الحكومة قدما في "قانون المساومة الإلزامي"، ما أجبر رئيس الوزراء سكوت موريسون، على عقد اجتماع مع رئيس الشركة.

 

- يهدف القانون إلى المساعدة في التخفيف من أزمة الإيرادات التي تواجه ناشري الأخبار، فعلى مدار العقدين الماضيين، قاموا بخفض كبير للعاملين في غرف التحرير، وأصبحت عشرات الصحف المطبوعة المحلية "رقمية فقط" أو تم إغلاقها تماما.

 

- إلى جانب تقديم المدفوعات، سيكون على الشركات الكشف عن التغييرات في الخوارزميات التي تؤثر على حركة المرور إلى المواقع الإخبارية، لكن من غير المرجح أن يفعل القانون الكثير لإصلاح الأزمة التي تواجه الصحافة في عصر الإنترنت.

 

- نموذج الأعمال التجارية لمنافذ الأخبار التقليدية متضرر بشكل لا يمكن إصلاحه، وإذا أرادت الحكومات الحفاظ على المنفعة الاجتماعية لـ"صحافة المصلحة العامة"، فعليها أن تبحث في مكان آخر.

 

 

منبع الأزمة

 

- لفهم سبب تعطل نموذج منافذ الأخبار التجاري، نحتاج أولا إلى التعرف على العمل الأساسي لوسائل الإعلام التجارية وهو جذب جمهور يمكن بيعه للمعلنين، وبما أن الصحف كانت المصدر الوحيد للحصول على المعلومات، نجحت في اجتذاب جمهور كبير قبل وجود الإنترنت.

 

- أدخلت تقنيات الإنترنت تغييرين تسببا في تفكيك نموذج عمل الصحف التقليدية، حيث قدمت طرقًا جديدة وأفضل لربط المشترين والبائعين، مما أدى إلى إبعاد إنفاق المعلنين على الصحف، كما وفرت تقنيات الإنترنت طرقًا أفضل للوصول إلى المعلومات غير الصحفية.

 

- يأتي أكثر من 70% من إيرادات صحيفة يومية نموذجية من الإعلانات، وقبل عام 2000، جذبت وسائل الإعلام المطبوعة ما يقرب من 60% من أموال المعلنين الأستراليين، وبحلول عام 2017 كانت 12% فقط.

 

- يمكن للقراء الآن الوصول إلى الأخبار في العديد من الأماكن الأخرى، فقد وجد مركز أبحاث الأخبار والإعلام التابع لجامعة كانبيرا في بحث نُشر عام 2019، أن 30% فقط من متابعي الأخبار وصلوا إلى الأخبار عبر الإنترنت مباشرة من مواقع ناشري الأخبار.

 

هل من حل؟

 

- معالجة الأزمة تحتاج إلى نظرة أعمق، وتقول "كولومبيا جورناليزم ريفيو" عن مشروعها إنه يريد أولا "الاعتراف بما فقدته الصحافة" وثانيا "التوثيق المنهجي للأزمة مع التركيز على المستقبل". ربما هذا ما تحتاجه أستراليا والحكومات حول العالم بالفعل.

 

- منصات التواصل الاجتماعي هي أدوات أكثر فاعلية بالنسبة للمعلنين الذي يسعون إلى جذب انتباه المستهلكين، وهذه المنصات تقدم الإعلانات بناء على اهتمام المستهلك، لذا فإن المحتوى الأساسي للناشرين ليس مهما لربحية شركات التكنولوجيا.

 

 

- جوهر المشكلة هو أن تمويل مثل هذه الصحافة من خلال الإعلان لم يعد قابلا للتطبيق، وهناك حاجة إلى حلول أخرى لضمان بقائها، إذ لم تعد المؤسسات الإخبارية تقدم قيمة للمعلنين.

 

- يجب أن تركز الجهود على طرق بديلة لتمويل صحافة المصلحة العامة، وتقديم المزيد من التمويل للوسائل الإخبارية المستقلة هو أحد الحلول، وقد أثبت نجاحه في بلدان أخرى.

 

- في النهاية يجب التذكير أنها مشكلة عالمية، ويتطلب حل الأزمة في أستراليا التركيز على المشكلة الأساسية والتفكير بشكل أوسع نطاقا من قانون للمساومة.

 

 

المصادر: أرقام- ذا كونفرزيشن- كولومبيا جورناليزم ريفيو- آيريش تايمز- سي إن بي سي- آي نيوز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.