الجميع يبحث عن مخرج في خضم الأزمة، لكن وسط فقدان التعافي العالمي للزخم مجددًا ربما تتطلب الندوب العميقة تكاتف كافة الدول معًا لتعزيز التوسع الاقتصادي.
وبينما يلوح في الأفق أمل اللقاح المحتمل ضد الوباء، إلا أن الزخم في الاقتصادات التي تشهد تسارع إصابات جديدة بـ"كوفيد-19" آخذ في التباطؤ، كما أن المسار الاقتصادي على الصعيد العالمي لا يزال صعبًا وعرضة للنكسات في الفترة القادمة، وفق ما يقوله المدير العام لصندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجيفيا".
الاستثمار المتزامن
وفي هذا السياق، يعتقد تقرير صادر عن صندوق النقد أن الدفع المتزامن للاستثمار في البنية التحتية يمكن أن يحفز النمو الاقتصادي ويحد من الآثار الطويلة ويعالج كذلك الأهداف المناخية.
ويبرر الصندوق الدولي رؤيته بأنه عندما تعمل العديد من الدول في نفس الوقت، يمكن أن يساعد الاستثمار في البنية التحتية في تحسين النمو الاقتصادي محلياً وخارجياً عبر الروابط التجارية، وهو الأمر الذي من شأنه توفير دفعة إضافية للناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وإذا كانت الاقتصادات التي لديها مساحة للإنفاق ستقوم بزيادة الإنفاق الاستثماري في البنية التحتية بنسبة 0.5% من إجمالي ناتجها المحلي في عام 2021 ثم زيادته إلى 1% في عام 2022 والبقاء عند هذا المستوى حتى عام 2025، بالإضافة لقيام الاقتصادات ذات الملاءة المالية الأقل بإنفاق حوالي ثلث هذا الرقم خلال نفس الفترة، فسوف تتجسد النتيحة في زيادة الناتج العالمي بما يقرب من 2% بحلول عام 2025.
لكن في حالة زيادة الإنفاق على البنية التحتية من جانب كل دولة بمفردها، دون الاستفادة من زيادة الإنفاق في الخارج، سيبلغ التأثير العالمي في هذه الحالة في المتوسط حوالي 1.2%.
وخلاصة القول إنه إذا عملت دول مجموعة العشرين معًا، فيمكنها تحقيق نتائج أفضل بنفس التكلفة مقارنة بفكرة عمل كل دولة بمفردها.
لكن هناك فوائد إضافية مهمة للإنفاق على البنية التحتية، فعلى سبيل المثال إذا كان هذا الإنفاق يعطي الأولوية للاستثمارات الخضراء، فإنه سيعزز كذلك المرونة ويسمح بعالم نظيف أكثر للجيل القادم.
الماضي يتحدث
وقبل تفشي الوباء، وتحديدًا في عام 2016، توصلت دراسة أجرتها "ماكنزي آند كومباني" إلى أن العالم يحتاج لاستثمار حوالي 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي أو ما متوسطه 3.3 تريليون دولار سنويًا خلال الفترة من عام 2016 وحتى عام 2030 في البنية التحتية الاقتصادية لدعم معدلات النمو المتوقعة.
وتشير الدراسة إلى أن الاقتصادات الناشئة تمثل حوالي 60% من تلك الحاجة للاستثمارات.
لكن استمرار المسار المتمثل في نقص الاستثمار على البنية التحتية، يعني أن العالم سيخسر نحو 11% أو 350 مليار دولار سنويًا، وفقًا للدراسة.
وتراجعت استثمارات البنية التحتية كحصة من الناتج المحلي الإجمالي في 11 دولة من بين اقتصادات مجموعة العشرين منذ الأزمة المالية العالمية وحتى عام 2016، رغم الجدل المستمر حول أهمية الدعم، كما وجدت "ماكنزي آند كومباني".
وفي قمة مجموعة العشرين الأخيرة، في وقت سابق من هذا الشهر، أكدت "كريستالينا جورجيفيا" أنه من أجل المضي قدمًا للخروج من هذه الأزمة الصحية يجب أن يكون هناك تعاون بين الدول على ثلاث جبهات من بينها تعزيز الجسر الاقتصادي المؤدي للتعافي.
وفي هذا الشأن، تحذر مديرة صندوق النقد من سحب الدعم للشركات والعاملين في وقت مبكر مع الإشارة إلى أن الوقت قد حان للاستعداد للاستثمار في البنية التحتية الخضراء والرقمية بشكل متزامن من أجل تحفيز النمو الاقتصادي والحد من الآثار الطويلة للأزمة.
وفي حقيقة الأمر، يجب أن تلعب السياسة المالية دورًا رائدًا في تعافي الاقتصاد، حيث يمكن للحكومات مواجهة النقص في الطلب الكلي بشكل مثمر.
ولا يمكن للتسهيلات الائتمانية التي وفرتها السياسة النقدية إلا ضمان القدرة على الإقراض وليس الإنفاق، كما أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" الذي يحث بلاده مرارًا على أهمية الدعم المالي في تعزيز مسار التعافي الاقتصادي داعيًا الكونجرس الأمريكي لتمرير حزمة تحفيز مالية إضافية.
وكان صندوق النقد ذكر في تقريره السنوي أن حكومات العالم رصدت نحو 12 تريليون دولار من أجل مواجهة تداعيات وباء "كورونا"، كما أن البنوك المركزية العالمية وفرت نحو 7.5 تريليون دولار أخرى كتدابير نقدية، الأمر الذي يوفر المساحة لتعزيز الإنفاق الذي بدوره سيترجم إلى نمو في الناتج المحلي الإجمالي.
ويمكن للسلطات المالية أن تدعم الطلب بنشاط من خلال التحويلات النقدية لدعم الاستهلاك والاستثمار على نطاق واسع في المرافق الطبية والبنية التحتية الرقمية وحماية البيئة.
ويخلق هذا الإنفاق فرص عمل كما يحفز الاستثمار الخاص ويضع الأساس لتعاف اقتصادي أقوى وأكثر مراعاة للبيئة.
الاقتصاد الأخضر
وبالعودة لما حدث إبان الأزمة المالية العالمية، حيث أعلنت الحكومات حول العالم حزما مالية كبرى لدعم الاقتصادات، فإن هناك بعض الدروس المهمة التي يمكن تعملها الاستفادة منها.
وتظهر ورقة بحثية جديدة من معهد الموارد العالمية أنه عقب الأزمة المالية، رصدت الحكومات 520 مليار دولار لتدابير خضراء مثل السكك الحديدية وكفاءة الطاقة وتحديث الشبكات والطاقة المتجددة وإدارة المياه والنفايات، وهو نفس المبلغ المعلن تقريبًا للإنفاق على التحفيز الأخضر استجابة للركود الاقتصادي الذي خلفه الفيروس التاجي "كورونا".
ووفقًا لما توصل إليه معهد الموارد العالمية، تظهر الأدلة أن الدول التي استثمرت أكثر في التحفيز الأخضر خلال عامي 2008 و2009 نجحت في خلق فرص عمل وعززت اقتصاداتها، على الرغم من أن التعافي في بعض الحالات كان أكثر صعوبة أو أبطأ مما كان متوقعًا.
وفي كثير من الحالات، كان إنفاق الحزم التحفيزية على الاقتصاد الأخضر أكثر فاعلية في خلق فرص العمل مقارنة مع الإنفاق التقليدي، حيث أدى الإنفاق التحفيزي على النقل العام في الولايات المتحدة لزيادة ساعات العمل بنحو 70% مقارنة مع الإنفاق المماثل على الطرق السريعة.
المصادر: أرقام - صندوق النقد الدولي - ماكنزي آند كومباني - فاينانشيال تايمز - معهد الموارد العالمية
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}