ربما تشعر بالسعادة إذا أشاد بك أحد أفراد عائلتك أو أصدقائك بوصفك تتمتع بالولاء والإخلاص، ولما لا وهذه صفات حميدة في أي شخص.
لكن بالنسبة للمستثمر في سوق الأسهم تعتبر صفة الولاء لخيار أو لمركز مالي ما بمثابة بداية الطريق لكارثة تنتظر أن تتحقق على الأرض.
كلمة السر: المرونة
يحكي "كولم أوشي" مؤسس صندوق "إليوت مانجمينت" أنه في أبريل من عام 2009 وعقب أشهر من الأزمة المالية العالمية، كان لا يزال ينتهج رؤية تشاؤمية حيال السوق والاقتصاد وهو ما ينعكس على مراكزه الاستثمارية.
لكن السوق كان يخبره بأنه قد يكون مخطئاً، فقد كانت الصين تشهد انعطافاً في أداء اقتصادها، كما أن أسعار المعادن تتحول للارتفاع ومعها الدولار الأسترالي الأكثر حساسية لآفاق السلع الأولية، لقد كان الأمر يشير إلى وجود تعافٍ في أماكن من العالم.
وبالفعل، فضّل "أوشي" الاعتراف بخطأ فرضيته الأولى حول استمرار الوضع السيئ للاقتصاد حول العالم، مع حقيقة أن التمسك بتوقعاته الأصلية كان سيهدد بأداء كارثي لمحفظته الاستثمارية.
ومع تحويل دفة مراكزه المالية بناءً على الإشارات الجديدة ومع التخلي عن تحيزه المعرفي والشعوري، تمكن من تحقيق أرباح في إجمالي ذلك العام.
والواقع أن غياب الولاء للمركز الاستثماري أو التوقع الأولي للشخص يعني تلقائياً توافر المرونة، أي القدرة على تغيير الرأي بسرعة وحسم عند ظهور إشارات على وجود مدخلات جديدة في عملية صنع القرار.
والمرونة تسمح للمستثمر باكتشاف خطأ اعتقاده سريعاً أو الاعتراف بتحول السوق بعيداً عن الاتجاه الأصلي، وفي كلتا الحالتين سيكون أمام المستثمر الفرصة لتحقيق أرباح وتفادي الخسائر المحتملة في حالة الإصرار على التمسك بولائه الأعمى لرؤيته.
وعندما تلقى المستثمر "مايكل ماركوس" سؤالاً عما يجعله مختلفاً عن معظم المتداولين الآخرين، أجاب بقوله: "أنا منفتح للغاية لكل الاحتمالات، على استعداد لتلقي معلومات يصعب قبولها عاطفياً، عندما يتحرك السوق عكس توقعاتي فأنا كنت قادراً دوماً على القول: حسناً هذا المركز ليس جيداً لذا سأخرج منه الآن".
الخطأ جزء من اللعبة
في أحد استثماراته الكثيرة، كان "جورج سوروس" المستثمر الشهير يمتلك مركزاً مالياً ضخماً بقيمة 250 مليون دولار في عملية بأسواق الصرف، مع قناعة كبيرة تجاه هذا الاستثمار.
لكن بعد فترة بدأ السوق يسير في اتجاه معاكس لهذا المركز، ليقوم "سوروس" سريعاً بالتخلي عن استثماره والتحول بعيداً بحثاً عن فرصة أخرى.
الواقع أن الأمر تكرر مع "بول تيودور جونز" الذي توقع انهيار عام 1987 وحقق منه مكاسب كبيرة، لكن هذه المرة كان الرجل على خطأ.
كان "جونز" شديد التشاؤم حيال سوق الأسهم الأمريكي ما دفعه للمراهنة على هبوط مؤشر "S&P 500"، لكن بعد أسبوعين كان السوق يسير في اتجاه مخالف لرؤيته ما جعله يرى أنه ربما كان مخطئاً.
ولم يتخل المستثمر الأمريكي آنذاك عن مركزه القصير الذي يراهن على هبوط السوق فحسب، لكنه تحول للنقيض وقام بالمراهنة على الصعود في تحول كامل خلال فترة زمنية قصيرة يعبر عن المرونة التامة.
وتسبب هذا الاستعداد لتقبل الخطأ والتعامل معه بأريحية شديدة في تحقيق "جونز" مكاسب كبيرة لأنه جاء في الوقت المناسب، حيث تحرك السوق للارتفاع بشكل حاد في الأسابيع التالية.
وتبرز الأزمة أحياناً في شعور بعض المستثمرين بضرورة الالتزام باستثمارهم في سهم ما، سواء لأنهم حققوا منه بالفعل أرباحاً كبيرة على مدار سنوات سابقة أو لأنهم يعتبرون التخلي عن الشركة خطأ أخلاقي بطريقة ما.
لكن الواقع أن مشاعر مثل الولاء والحب والارتباط بشركة ما لا يجب أن يكون لها وجود لدى مستثمري الأسهم، فالأمر برمته يتعلق بتحقيق المكاسب والابتعاد عن مسار الخسارة فحسب.
كما أن مشاعر الكبرياء التي قد تدفع البعض للاحتفاظ بسهم خاسر على أمل تعافيه مستقبلاً وبالتالي تفادي إثبات خطأ شرائه منذ البداية تبدو أكثر سوءًا.
ومع تأكيد الأبحاث أن الشعور بألم الخسارة بالنسبة للمستثمر يعادل ضعف السعادة نتيجة الربح، فإن الكثيرين يقعون ضحية تحيز "السعي لتفادي الخسارة" حتى لو كان ذلك يهدد بمزيد من الخسائر مستقبلاً.
ومن الضروري أن يتعلم مستثمر الأسهم بصفة خاصة أن الخطأ والخسارة جزآن أساسيان من عملية الاستثمار، وأن الاعتراف بسوء التقدير أو تغير الأوضاع يمثل العامل الحاسم في تفادي الخسائر الأكبر.
تقبل الخسارة أحيانا
يحكي "مايكل بلات" أنه قبل سنوات كان يمتلك مركزاً شرائياً في العقود المستقبلية لمعدلات الفائدة الأوروبية، لكن البنك المركزي فاجأ الجميع برفع الفائدة.
تسبب القرار غير المتوقع في أضرار كبيرة بالمركز الاستثماري لـ"بلات"، والذي عندما تلقى الخبر كان في مواجهة خيارين متناقضين: الاستمرار في رؤيته أو التعامل مع المتغيرات.
خسر "بلات" بالفعل 80 مليون دولار بعد قرار المركزي الأوروبي، لكنه كان يعلم أن الاستمرار لمدة أسبوع واحد في الاحتفاظ بمركزه الاستثماري سيعني ارتفاع الخسارة لنحو 250 مليون دولار.
أصدر المستثمر الشهير أوامره لموظفيه ببيع كل شيء والخروج فوراً، لقد اختار الخسارة الأقل والاعتراف بالواقع بدلاً من أن يأمل في تحسن الوضع والمخاطرة بمزيد من المعاناة.
لكن ربما يبدو المثال الأبرز على القدرة الفائقة على الاعتراف بالخطأ وامتلاك الحد الأقصى من المرونة وعدم الولاء هو ما فعله "ستانلي دروكنميلر" إبان انهيار 1987.
في يوم الجمعة الموافق السادس عشر من عام 1987 كان "ستانلي" الذي يدير عددًا من صناديق التحوط يمتلك مراكز قصيرة في سوق الأسهم الأمريكي، مستفيدًا من هبوط بلغ 20% تقريباً في "وول ستريت" على مدار شهرين سابقين.
لكن الرجل نظر إلى السوق ورأى أن الهبوط ربما وصل إلى نهايته وأن الأسهم قد تكون وصلت لنقطة دعم رئيسية، وبالتالي قرر ليس فقط تغطية مراكزه البيعية ولكن أيضاً التحول للشراء بنسبة 130% عبر الرافعة المالية.
في الواقع، ربما يمكن اعتبار قرار "ستانلي" أحد أسوأ القرارات الاستثمارية في التاريخ الحديث، لأن الإثنين الأسود كان ينتظر على بعد أيام قليلة.
وفي الفترة بين نهاية جلسة يوم الجمعة وبداية تداولات الإثنين التي كانت على وشك أن تشكل صدمة لن ينساها التاريخ، رأى "دروكنميلر" أنه ربما ارتكب خطأ كارثياً.
ومع بداية الجلسة قام الرجل بتغطية كامل مركزه الشرائي في السوق، بل والعودة لامتلاك مراكز قصيرة أيضاً.
لقد تحول المستثمر من المراهنة على الهبوط إلى الاتجاه للشراء ثم العودة للنقيض مجدداً في غضون ساعات قليلة.
قدم هذا التحول درساً مهماً للمستثمرين: "لا يجب أن تتمسك بالولاء لأي استثمار تعتقد أنه يشكل خسارة محتملة".
وبالفعل، يواجه المستثمرون في أسواق الأسهم سؤالاً مصيرياً يتكرر بشكل مستمر: "هل ما يهمك أكثر هو تحقيق الربح أم أن تكون محقاً؟".
المصادر: أرقام – ساينس دايركت – ديفدينت نينجا
كتاب: The Little Book of Market WiZards
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}