نبض أرقام
09:56 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/12/18
2024/12/17

قليله مطلوب .. قوة التفكير السلبي وتوقع الأسوأ

2020/11/14 أرقام - خاص

"المتشائم هو شخص متفائل لكنه يمتلك الخبرة".. ربما تقدم هذه العبارة حلاً وسطياً لمعضلة الكثيرين بشأن الانتماء لأحد المعسكرين المتصارعين دائماً.

 

وبينما يرى البعض أن التفكير الإيجابي المتفائل يحمل مفاتيح السعادة والنجاح، يعتقد آخرون أن النظرة الحذرة التي تتوقع الأسوأ دائماً ربما تنقذنا من الكثير من الفخاخ المستقبلية التي كان التفاؤل الساذج قادراً على دفعنا إليها.

 

 

ثمن تهميش كل الاحتمالات

 

تعرض نظام الاختبار والتتبع لفيروس "كوفيد-19" في المملكة المتحدة لضربة تتعلق بمصداقيته بشكل كبير في بداية شهر أكتوبر.

 

وكشفت هيئة الصحة العامة في إنجلترا أن أكثر من 15 ألف نتيجة اختبار إيجابية بفيروس "كوفيد-19" لم يتم نشرها أو تسليمها للمختصين بتتبع المخالطين.

 

وبعد الفحص، تبين أن السبب المباشر للمشكلة هو استخدام تنسيق ملف قديم في جدول للبيانات عبر برنامج "إكسل"، حيث نفدت جداول البيانات من الصفوف الكافية لتخزين المعلومات، وبالتالي لم تظهر للمسؤولين عن الإعلان أو التتبع.

 

هذا الخطأ البسيط الذي تسبب في مشكلة كبيرة لنظام تتبع الجهات الصحية الساعي للسيطرة على تفشي الوباء، أظهر أزمة أكثر عمقاً في حياتنا بشكل عام.

 

بالطبع، كان يمكن تفادي هذا الخطأ في حال تم طلب رأي خبراء حول أنماط فشل النظام أو ما يمكن أن يحدث في حال حدوث مشاكل فنية في جداول البيانات وغيرها من الاحتمالات السيئة.

 

لكن هذه الحادثة أظهرت أحد أكبر عيوب النظم البشرية: الميل لتوقع الإيجابيات وعدم وضع الاحتمالات السلبية في الاعتبار.

 

والواقع أنه رغم اعتراف الكثيرين بأهمية التفكير في احتمالات الفشل وتبعاته وما يمكن أن نفعله حيال ذلك، فإن الأمر ليس سهلاً وبالتأكيد لا يحمل أي متعة.

 

معضلة التفكير السلبي

 

الطبيعة البشرية تزدهر بالتفاؤل، وبالتالي يميل الناس إلى تركيز أعينهم وتوقعاتهم نحو الاحتمالات الأفضل التي تجعلهم يشعرون بالسعادة والإقبال على الفعل.

 

 

في حين يهرب الكثيرون من التفكير في السيناريوهات السيئة التي قد تدفعهم لإعادة دراسة قراراتهم أو إلغائها مع الشعور بالخوف من نتائجها المحتملة.

 

لكن التفكير السلبي يحمل جوانبه الإيجابية، فالتفكير المسبق في مخاطر الفشل واحتمالاته يساعد على التخطيط للطوارئ، فإذا كنت تتوقع حدوث مشكلة محتملة فإك ستمتلك الفرصة والوقت الكافي لمنعها أو على الأقل الاستعداد الجيد لها.

 

وأظهرت دراسة أن منع المتشائمين بطبيعتهم من القلق حيال الضغوط القادمة مثل مقابلات العمل والاختبارات الكبيرة يجعلهم يؤدون بشكل أسوأ من المعتاد، بينما الخوف من الفشل يجعلهم يستعدون بشكل أفضل.

 

حتى على مستوى المشاعر، أشارت الدراسة إلى أن المتشائمين أقل عرضة للاكتئاب مقارنة بالمتفائلين في حال مرورهم بتجربة حياتية سيئة.

 

وفي كتابه الصادر عام 1990 حذر عالم النفس "مارتن سليجمان" من أن التفاؤل قد يمنعنا أحيانا من رؤية الواقع بالوضوح اللازم، لأننا نكون كمن ينظر للحياة من اتجاه واحد فقط.

 

وهناك دائما عنصران لأي مهارة، أحدهما يتعلق بالقدرة على فعل الشيء، والآخر أكثر عمومية بكثير وهو طريقة التفكير التي تتوقع احتمالات أن تسوء الأمور أحياناً ثم تخطط لكيفية التعامل مع ذلك.

 

 

هل هذه دعوة للتشاؤم وافتراض الأسوأ والنظر للنصف الفارغ من الكوب؟ بالتأكيد لا، لكنها تمثل توضيحاً لأهمية النظر لكل الاحتمالات وعدم الاكتفاء بالسيناريوهات الجيدة التي يروق لنا حدوثها فحسب.

 

ورغم وجود إيجابيات للتفكير السلبي، فإن النظر بشكل مطول وعميق إلى احتمالات الفشل سيجعلنا غير قادرين على التحرك بسبب القلق من المستقبل، ما قد يجعل النجاح أمراً غير مرجح أيضاً.

 

ومع ضرورة التأكيد على أن التفكير الإيجابي يؤدي للتشجيع على تحمل المخاطر وتوسيع آفاقنا المحتملة، لكنه على الجانب الآخر قد يؤدي بنا لتجاهل الخطر المحتمل وبالتالي تعرضنا لصدمات مفاجئة.

 

وهناك فارق كبير بين التفاؤل الواقعي وهو أن تأمل في تحقيق نتيجة إيجابية مع إدراك المخاطر المتوقعة، وبين التفاؤل الخيالي الذي يتمثل في تجاهل أي احتمالات سيئة، فالأول يعتبر أمراً جيداً ومطلوباً بينما الثاني يشكل كل الخطر.

 

المستثمر المتشائم أم المتفائل؟

 

الأمر قد يختلف قليلاً فيما يتعلق بالاستثمار، فرغم أن التشاؤم يجعلك أكثر يقظة لاحتمالات الخسارة إلا أنه يمثل بالنسبة للبعض حاجزاً نفسياً يمنعهم من الربح وربما يسبب خسائر أكبر.

 

 

الجميع يدخل السوق في حالة تفاؤل وحماس، لكن بمرور الوقت وتراكم الخبرات والتجارب يتحولون إلى تطوير نزعة حذرة تنظر لكل الاحتمالات وتستبعد تحيزات معرفية مثل الثقة المفرطة والتفكير المبني على الأماني.

 

فإذا كنت متشائماً فإنك ستمتلك اليقظة المطلوبة للنظر إلى المخاطر المحيطة والاستعداد لها، لكن في نفس الوقت إذا منعك التركيز على الخطر من رؤية الفرصة أو اتخاذ القرار فإن ذلك سيكون أمراً مكلفاً للغاية.

 

والأمر المؤكد أن الإفراط في التشاؤم يبقى المستثمر معزولاً بسبب الخوف والذي قد يكون أحياناً لا يحمل أسباباً منطقية بالفعل.

 

بينما على الجانب الآخر، يرى المتفائلون دائماً النصف الممتلئ من الكوب فحسب، الحماس يسيطر عليهم تجاه الفرصة المحتملة لدرجة أنهم غالباً يتجاهلون الجانب المظلم من الاستثمار والذي قد يسفر أيضاً عن عواقب وخيمة.

 

والواقع أن لكلا الجانبين إيجابيات وسلبيات، والمتمسك بوجهة نظر واحدة ثابتة يعرض نفسه إما لمخاطر كبيرة أو الكثير من الفرص الضائعة.

 

لكن بعض كبار المستثمرين ينظرون للتشاؤم بطريقة مختلفة قليلاً، لأنهم يرونه بمثابة فرصة للربح من وراء الخائفين بدون مبرر فعلي والذين لا ينظرون للجانب الآخر من المعادلة.

 

"وارن بافيت" المستثمر الشهير يقول: "الحقيقة أننا سنقوم بمزيد من الصفقات إذا كان الناس متشائمين، ليس لأننا نحب التشاؤم ولكن لأنه يجعل الأسعار أكثر جاذبية ويمكننا ذلك من الشراء بشروط أفضل".

 

 

وبالفعل، في عام 2008 وفي ذروة الخوف والموجة البيعية التي ضربت الأسواق بفعل الأزمة المالية العالمية، اتجه "بافيت" للشراء مستغلاً الأسعار المنخفضة ليحقق أرباحاً ضخمة مع تعافي الأسواق لاحقاً.

 

الدرس المستفاد لخصه "حكيم أوماها" بقوله: "التشاؤم صديق المستثمر طويل الأجل، بينما الحماس هو العدو".

 

ففي الأوقات التي تشهد فيها الأسواق حالة هبوط مستمرة يسيطر الخوف على معظم المستثمرين الذين لا ينظرون سوى للأجل القصير، لكنهم في المقابل يفقدون البوصلة التي لا تخيب أبداً: القيمة الحقيقية للأصل.

 

فإذا كنت تدرك جيداً قيمة السهم الذي تضع فيه أموالك، فإن التشاؤم بشأن المستقبل لن يكون أمراً مبرراً، بل على العكس قد يمنحك شعور الخوف لدى الآخرين فرصة أكبر لشراء المزيد وتحقيق مكاسب إضافية لاحقاً.

 

وبالتالي فإن وجود الكثير من الفوائد للتفكير السلبي لا ينفي حقيقة أنه يحمل مخاطره الخاصة كذلك، ونفس الأمر يمكن قوله بالنسبة للمتفائلين دائماً والمنتظرين للتطورات الإيجابية وحدها، فالأمر بأكمله يتعلق بتحقيق التوازن بينهما.

 

ولكي تنجح في الاستثمار يجب ألا تتجاهل أياً من هذين الاتجاهين أو تعتمد بشكل مبالغ فيه على أحدهما، الأمر يتعلق بأخذ كل الاحتمالات في الاعتبار قبل وأثناء عملية الاستثمار.

 

باختصار، إذا أردت أن تصبح مستثمراً ناجحاً فإن أفضل طريقة هي أن تكون متفائلاً أثناء تطبيق استراتيجيات المتشائمين، وأن تتمنى حدوث الأفضل بينما تستعد للأسوأ.

 

 

المصادر: أرقام – فاينانشال تايمز – سينتفيك أمريكان – ويلثبيلجرم – كوربيرت فاينانس – فسيولوجي توداي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.