نبض أرقام
08:27 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/26
2024/11/25

عودة المعضلة القديمة.. هل الادخار جيد أم سيئ للاقتصاد؟

2020/09/18 أرقام - خاص

"الإنفاق أم الادخار؟".. يدور هذا التساؤل بشكل شبه يومي في أذهان معظم الناس عند اتخاذ قرارات تتعلق بالدخل وطريقة التصرف فيه.
 

لكن في أوقات الأزمات الاقتصادية – مثلما هو الوضع حالياً – يحمل هذا السؤال تبعات أكثر عمقاً وخطورة على الاقتصاد العام بأكمله.
 

 

"كورونا" يغير كل شيء
 

أثار وباء "كوفيد-19" تغيرات دراماتيكية فيما يتعلق بالحياة اليومية للملايين من الناس حول العالم، بداية من طريقة التواصل بين الأشخاص ومروراً بطرق التعليم والعمل ونهايةً بأشكال الترفيه والإنفاق.
 

ومن ضمن التغيرات التي أفرزها الفيروس كان الارتفاع الملحوظ لمعدلات الادخار في الكثير من الاقتصادات الكبرى، رغم فقدان ملايين الوظائف وتراجع الدخل بالنسبة لعدد كبير من الناس.
 

ولكن مع الخوف من المجهول وحالة عدم اليقين حيال مدة استمرار الوباء وتداعياته على الوظائف والدخل، اتجه الكثير من الناس إلى الادخار للتحوط بشأن المستقبل وتحسباً للأسوأ.
 

وشهد معدل الادخار الشخصي في الولايات المتحدة مستوى قياسياً في أبريل الماضي بلغ 33.7%، مع بقاء ملايين الأمريكيين في المنازل والخوف بشأن مستقبل الوظائف والدخل.
 

ورغم التراجع نسبياً في الأشهر التالية ليسجل 17.8% من الدخل المتاح للإنفاق في شهر يوليو الماضي، فإن معدل الادخار لا يزال مرتفعاً للغاية تاريخياً بالنظر إلى أنه نادراً ما كان يتجاوز 10% في السنوات العشرين الماضية.
 

كما صعد ادخار الأسر في منطقة اليورو إلى 16.9% في الربع الأول من العام الجاري، مقابل 13.1% في آخر ثلاثة أشهر من 2019.
 

 

وارتفعت ودائع الشركات والأسر في منطقة اليورو خلال شهر يوليو الماضي لتتجاوز 12 تريليون يورو لأول مرة على الإطلاق، مع زيادة ودائع المؤسسات غير المالية بنحو 20.4% وزيادة مدخرات الأفراد 7.4%.
 

وتكرر نفس الأمر في كندا، والتي صعد فيها معدل ادخار الأفراد من 3% على الأكثر قبل الوباء إلى ما يزيد على 28% في الربع الثاني من هذا العام.
 

لكن لم يكن هذا التطور استثنائياً في التاريخ الحديث، حيث إنه عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008 ارتفع معدل الادخار في الولايات المتحدة مثلاً من 2.9% من الدخل المتاح للإنفاق إلى ما يزيد على 5%.
 

والواقع أن قرارات زيادة المدخرات الشخصية حالياً لم تكن مدفوعة فقط بالركود الاقتصادي العالمي والقلق بشأن شكل وسرعة التعافي المنتظر، ولكن أيضاً كان للإجبار دور في هذا التوجه.
 

فتفشي وباء "كورونا" تسبب في تدابير إغلاق واسعة حول العالم ما قلص أوجه الإنفاق المحتملة خاصة على الصعيد الترفيهي، كما أنه حتى مع تخفيف هذه التدابير لم يعد سلوك المستهلكين إلى ما كان عليه مع استمرار الخوف من الفيروس وعدم اكتشاف لقاح حتى الآن.
 

لكن لماذا يرى البعض أن هذا التطور يمثل مشكلة كبيرة؟
 

لغز الادخار
 

 

يعتبر الجميع أن الادخار بمثابة صفة فردية حميدة؛ فالشخص الذي يدخر جزءاً من دخله يوفر حصناً آمناً من التقلبات المحتملة ويضمن لنفسه حياة مستقرة مستقبلاً من خلال التنازل عن بعض الإنفاق الحالي.
 

وحتى على مستوى الاقتصاد الكلي، اعتبرت النظرية الكلاسيكية أن الادخار يدعم الاستثمار وبالتالي رفاهية الأفراد ونمو الاقتصاد وتطوره.
 

لكن الاقتصادي الشهير "جون ماينارد كينز" طرح رأياً مخالفاً في ثلاثينيات القرن الماضي يشير فيه إلى أن الادخار ربما يكون أمراً سلبياً وليس جيداً كما يعتقد الجميع.
 

ومع معاناة العالم أجمع آنذاك من الكساد العظيم، فإن "كينز" أشار إلى أن "مفارقة التقطير أو الادخار" تدفع الاقتصاد إلى حلقة مفرغة من الأزمة.
 

كانت وجهة نظر "كينز" تتلخص في فكرة أنه في فترات الركود يحاول الأفراد الحصول على بعض الأمان من خلال زيادة المدخرات.
 

ورغم أنه من المنطقي تماماً أن يقرر الفرد الادخار عند الخوف بشأن مدى استمرار عمله ودخله في أوقات الأزمة، فإن اتجاه الجميع في نفس الوقت إلى تقليص الإنفاق سوف يتسبب في ركود الاقتصاد الأوسع.
 

فعندما يتراجع الإنفاق لصالح زيادة الادخار، فإن ذلك يعني شراء الناس القليل من السلع وبالتالي انخفاض الطلب الكلي وما ينتج عنه من هبوط الإنتاج وتقليص الوظائف وتراجع الدخل وبالتبعية ضعف النمو الاقتصادي أو زيادة حدة الركود.
 

الأمر ببساطة أن استهلاك شخص ما يعني على الجانب الآخر دخلاً محتملاً بالنسبة لأشخاص آخرين، بينما إذا تراجع الإنفاق فإن هناك آثاراً سلبية على الجميع.
 

ولخص الاقتصادي الشهير الحل في أن الحكومات يجب أن تقترض من القطاع الخاص وتقوم بضخ الأموال داخل الاقتصاد، من أجل انتشاله من حالة الركود إلى النمو والتوظيف مجدداً.
 


لكن الواقع أن نظرية "كينز" واجهت الكثير من الانتقادات لسببين:
 

أولاً: عندما يتراجع الطلب تقوم الشركات عادة بخفض الأسعار، وهو ما ينجح في جذب المستهلكين مرة أخرى للشراء والإنفاق.
 

وثانياً: الادخار لا يعني خروج هذه الأموال من الاقتصاد، لكن يتم توجيهها نحو البنوك في شكل مدخرات يمكن للمصارف أن تمنحها كقروض إلى الشركات والأفراد وبالتالي تتحول إلى استثمار يضاف إلى الاقتصاد.

 

هل تبدو هذه الانتقادات منطقية؟، الواقع أن المعركة الفكرية بين المؤيدين والمعارضين لنظرية "مفارقة الادخار" لم تتوقف عند هذا الحد.
 

فأنصار "كينز" يعتقدون أن الانتقاد الأول مردود عليه بأن هبوط الأسعار – ورغم أنه ليس نتيجة مؤكدة لتراجع الطلب – يعني حدوث موجة انكماشية قد تدفع الناس لتأجيل قرارات الاستهلاك أملاً في مزيد من انخفاض التكاليف لاحقاً.
 

كما أن امتلاك البنوك للكثير من السيولة في حال ارتفاع الودائع لا يعني ضرورة اتجاه الشركات للاقتراض بوتيرة أعلى، بل على العكس قد تفضل تتبع خطوات المستهلكين وتقليص الإنفاق أيضاً.
 

الحل في الثقة
 

الواقع أن الحكومات في الكثير من الدول قامت بالفعل بزيادة الإنفاق وضخ حزم تحفيزية بقيمة تتجاوز 11 تريليون دولار، من أجل دعم الشركات والأفراد في مواجهة تداعيات الوباء.
 

كما ساهمت البنوك المركزية الكبرى بقيادة الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وغيرها في دعم الاقتصادات من خلال خفض معدلات الفائدة وضخ سيولة في الأسواق.
 

لكن رغم توفير الأموال للشركات والأفراد تعويضاً عن الدخل المفقود جراء تراجع الطلب وعمليات التسريح عن العمل، فإن الأمر لا يزال يتوقف على الرغبة الخاصة باللاعبين الأساسيين.
 

فرغم الحزمة التحفيزية الأمريكية المعلنة في شهر مارس والتي قدمت مدفوعات مباشرة للأفراد بقيمة 1200 دولار وإعانة بطالة إضافية 600 دولار أسبوعياً، فإن قرار الإنفاق أو الادخار يظل قاصراً على الأمريكيين أنفسهم.
 

 

كما أن الشركات التي تم منحها قروضاً بفائدة منخفضة أو مساعدات مالية، لا يمكن إجبارها على زيادة الاستثمار أو تعيين موظفين جدد إلا إذا رأت أن الوضع الاقتصادي يسمح بهذه القرارات.
 

ويعتقد البعض أن الأفراد سيبدأون في تحويل مدخراتهم إلى إنفاق سخي خلال الفترة المقبلة وهو ما سيدعم التعافي الاقتصادي المنتظر.
 

لكنّ آخرين يرون أن استغناء المستهلك عن جزء من هذه المدخرات يظل مرهوناً بفكرة وضوح الرؤية بشأن الوباء العالمي وتفاؤله حيال الوضع الاقتصادي العام وسوق العمل.
 

وفي النهاية، فإن الادخار الحالي سيتحول بالتأكيد إلى إنفاق مستقبلي على المدى الطويل عندما يطمئن الناس على مستقبل وظائفهم ودخولهم ونهاية الوباء.
 

لكن يبدو أن اكتشاف اللقاح الخاص بالفيروس يظل عاملاً رئيسياً في أي تعافٍ اقتصادي محتمل قريباً؛ لأنه وكما يقول "كينز": على المدى الطويل سنكون كلنا موتى.

 

 

المصادر: أرقام – مكتب الإحصاءات الأمريكي – بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويز - الإيكونوميست - ذا أتلانتيك – يو إس إيه توداي – فاينانشال تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.