شكل صعود اليورو تطوراً جديداً يضاف للمفاجآت التي أفرزها وباء "كوفيد 19" على الصعيد الاقتصادي خلال الأشهر الماضية.
ورغم معاناة القارة العجوز من تبعات الفيروس وآثاره الصحية والاقتصادية، فإن التفوق النسبي مقارنة بالوضع في الولايات المتحدة منح اليورو مكانة مرموقة في مواجهة الدولار ربما تستمر لفترة ليست بالقصيرة.
قطار اليورو السريع
- ارتفع اليورو بشكل ملحوظ من مستوى 1.06 دولار في منتصف مارس الماضي ليلامس 1.19 دولار في وقت سابق من أغسطس الجاري.
- اليورو حقق صعوداً بنحو 10% أمام الدولار الأمريكي منذ شهر مايو الماضي، ووصل لأعلى مستوياته في أكثر من عامين مقارنة بالورقة الخضراء وأفضل سعر في ست سنوات مقابل سلة من عملات الشركاء التجاريين لمنطقة العملة الموحدة.
- في شهر يوليو الماضي وحده حقق اليورو ارتفاعاً يتجاوز 5% أمام الدولار في أكبر صعود شهري منذ عام 2010.
- مكاسب اليورو جاءت على حساب الدولار الذي عانى من هبوط حاد في نفس الفترة بسبب سوء الوضع في الولايات المتحدة على صعيد تفشي وباء كورونا والأزمات المتصاعدة مع الصين وترقب نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر.
- من المتوقع أن يستمر صعود اليورو خلال الفترة المقبلة في حال تواصل العوامل الداعمة للارتفاع الحالي، مع احتمالات بالاتجاه لمستوى 1.30 دولار خلال الاثني عشر شهراً المقبلة لأول مرة في 6 سنوات، بحسب مجموعة ميزوهو المالية.
نسبية المعاناة والتفوق
- الحديث عن العملات يعتمد على النسبية أكثر من أي شيء آخر، فرصد أداء أي عملة يتم مقارنة بعملة أخرى فيما يعرف بزوج العملات.
- في حال الحديث عن زوج (اليورو - دولار) فإن سبب الارتفاع الملحوظ في الأسابيع الماضية يعود للاستجابة المختلفة لجانبي المحيط الأطلسي فيما يخص الوباء وبالتالي الأثر الاقتصادي.
- ففي الولايات المتحدة نجد انكماشاً تاريخياً بلغ في الربع الثاني من العام الحالي وتيرة سنوية 32.9% مع قفزة لمعدل البطالة عند 14.7% في أبريل قبل أن تتراجع رويداً إلى 10.2% بنهاية يوليو، وسط تجاوز حالات الإصابة بالوباء 5 ملايين شخص ووفاة ما يزيد على 160 ألف أمريكي.
- كما أن التوترات السياسية الداخلية مرشحة لمزيد من التصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر وتخلف الرئيس دونالد ترامب في استطلاعات الرأي أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن.
- وحتى على الصعيد الخارجي، تستمر لعبة شد الحبل بين الصين والولايات المتحدة في التصاعد مع فرض عقوبات متبادلة على مسؤولي البلدين وامتداد الحرب التجارية سابقاً إلى أخرى تكنولوجية وسياسية.
- بينما على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، فمع الاعتراف بالأثر الاقتصادي السلبي للوباء في منطقة اليورو فإن الأمر لم يكن بنفس حدة الأزمة في الولايات المتحدة سواء على مستوى الإصابات بالفيروس أو الانكماش والبطالة.
- وظهر التفوق النسبي في أوروبا مع السيطرة على تفشي الوباء حتى في البلدان التي كانت ضمن الأكثر تضرراً مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، والتي أعادت فتح اقتصاداتها مجدداً دون حدوث ارتفاع حاد للإصابات الجديدة مثلما حدث في بعض الولايات الأمريكية.
- وانكمش اقتصاد منطقة اليورو بمعدل تاريخي بلغ 12.1% في الربع الثاني من العام الجاري، لكن البطالة سجلت زيادة طفيفة إلى 7.8% بنهاية يونيو بدعم برامج داعمة لإبقاء الشركات للموظفين مع تكفل الحكومات بتعويضهم مادياً.
- وعلى مستوى الاستجابة السياسية للوباء وتداعياته، نجح نادي اليورو المؤلف من 19 دولة في الاتفاق على صندوق إنقاذ بقيمة 750 مليار يورو (860 مليار دولار تقريباً)، في الوقت الذي لا يزال يشهد الكونجرس الأمريكي مفاوضات مطولة بين الجمهوريين والديمقراطيين حول حزمة تحفيز جديدة تكمل التدابير الأولى والتي انتهت في يوليو الماضي.
- ومن شأن صندوق التعافي أن يوفر التمويل اللازم للدول الأضعف مالياً في القارة العجوز للتعافي من آثار "كورونا"، بالإضافة إلى تقديم شهادة ضمان للمستثمرين حول قدرة الدول الأعضاء على الاجتماع على هدف وتحقيقه مع تجاوز الخلافات السياسية بين الشمال والجنوب.
- ويراهن المستثمرون على إمكانية تحقيق منطقة اليورو تعافيا سريعا وقويا على شكل حرف V، وهو السيناريو الذي يبدو مستبعداً بالنسبة للولايات المتحدة التي لا تزال تعاني من انتشار الوباء وتواجه عدم يقين صحي وسياسي واقتصادي متزايد.
- ورغم أن معدل الفائدة على الودائع في منطقة اليورو يظل في النطاق السالب عند - 0.5%، فإن قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة لمستوى يتراوح بين صفر و0.25% قلص الفارق بشكل كبير بين الجانبين.
- لكن لا يجب الذهاب بعيداً بالتوقعات حول مستقبل الدولار واحتمالات تراجع مكانته لصالح العملة الأوروبية الموحدة، حيث إن الورقة الخضراء لا تزال تسيطر على أكثر من 60 % من حجم احتياطيات البنوك المركزية العالمية مقابل 20% لليورو بنهاية الربع الأول من العام الجاري، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي.
رابحون وخاسرون
- عادة ما يُنظر لارتفاع اليورو على أنه تطور سلبي بالنسبة للشركات والقطاعات والاقتصادات المعتمدة على التصدير، مع حقيقة أنه يقلص جاذبية السلع في الأسواق الخارجية لأنه يجعلها أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلكين الأجانب.
- كما أن واحدة من سلبيات صعود اليورو هي إبطاء التضخم، والذي يمثل بالفعل صداعاً في رأس البنك المركزي الأوروبي مع سعيه لإحياء ارتفاع المستوى العام للأسعار للمستهدف قرب مستوى 2% مقارنة بنحو 0.4% في يوليو.
- ويهدد صعود العملة الأوروبية الموحدة بآثار سلبية على نمو الاقتصاد والذي يتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يسجل انكماشاً بنسبة 8.7% هذا العام بفعل تداعيات الوباء.
- ويخشى محللون من قيام البنك المركزي الأوروبي بخطوات تستهدف خفض قيمة اليورو سواء من خلال زيادة مشتريات الأصول – التي رفعها بالفعل قبل أسابيع إلى 1.35 تريليون يورو – أو تقليص معدل الفائدة لمزيد من النطاق السالب.
- لكن على الجانب الآخر، قد يعوض تحسن الثقة في آفاق الوضع في منطقة اليورو والذي يعبر عنه صعود العملة بعض الآثار السلبية المتوقعة.
- وهبوط اليورو يمثل إشارة على ضعف ثقة المستثمرين في واقع ومستقبل اقتصاد القارة العجوز، بينما الارتفاع يرمز للعكس تماماً ويمنح ثقة في أداء منطقة العملة الموحدة.
- ويتوقع "بيتر شاتويل" المحلل في "ميزوهو" أن يجذب اليورو تدفقات نقدية كبيرة تبحث عن ملاذ آمن في الأشهر المقبلة.
- كما أن حقيقة تراجع الطلب العالمي وانخفاض نشاط التجارة وتضرر سلاسل التوريد تؤثر بالفعل على أهمية التصدير في التعافي المنتظر لاقتصاد اليورو ويجعل العامل الأهم يتمثل في الطلب المحلي وثقة المستهلك والمستثمر.
المصادر: أرقام – البنك المركزي الأوروبي – يورو ستيت - إي إن جي – بلومبرج - فاينانشيال تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}