نبض أرقام
07:00 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

بعد الانكماش التاريخي .. هل اختفى ثلث الاقتصاد الأمريكي بالفعل في 3 أشهر فقط؟

2020/08/03 أرقام - خاص

من البديهي حالياً القول إن الاقتصاد الأمريكي يمر بواحدة من أسوأ الفترات عبر تاريخه، بسبب تطورات وباء "كوفيد-19" وتداعياته على المستهلكين والمستثمرين.

 

لكن بيانات الأداء الاقتصادي الأخيرة أثارت حالة من البلبلة والحيرة لدى البعض مع ضخامة نسبة الانكماش المسجلة في الربع الثاني والتي وصلت لأكثر من ثلث حجم الاقتصاد.

 

 

انكماش وركود مؤكدان

 

وأعلن مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة انكمش بوتيرة سنوية بلغت 32.9% في القراءة الأولية للربع الثاني من العام الجاري، في أكبر هبوط فصلي في تاريخ البلاد.

 

وكان الاقتصاد الأمريكي قد انكمش بنسبة 5% في الربع الأول من هذا العام، ليدخل رسمياً حالة من الركود بعد انكماش الناتج المحلي الإجمالي لفصلين متتاليين، وهو التعريف التقليدي للركود.

 

وحتى على المستوى الشهري، تسبب الإغلاق الوطني وتدابير التباعد الاجتماعي في نهاية أطول توسع اقتصادي في التاريخ الأمريكي والتي استمرت لمدة 128 شهراً على التوالي انتهت في فبراير الماضي.

 

وجاءت الضربة الأكبر للاقتصاد الأمريكي في الربع الثاني ممثلة في هبوط إنفاق المستهلكين بوتيرة سنوية بلغت 34.6% وانخفاض الاستثمارات الخاصة بنحو 49% وسط عدم اليقين الخاص بوباء "كوفيد-19".
  

  

في حين شكل الإنفاق الحكومي التطور الإيجابي الوحيد بزيادة 2.7% بعد الارتفاع القوي للنفقات الفيدرالية في مسعى لتعويض أثر الفيروس على الاقتصاد.

 

لكن هل يعني ذلك بالفعل أن الاقتصاد الأمريكي فقد 32% أو أكثر من ثلث قيمته في 3 أشهر فحسب؟.. الواقع أن ذلك لم يحدث!

 

الناتج المحلي الإجمالي وقياسه

 

لفك طلاسم هذا الغموض وإزاحة الحيرة التي قد تساور البعض يجب أن نوضح في البداية ما هو الناتج المحلي وكيف يُقاس.

 

يقاس حجم اقتصاد أي بلد بقيمة الناتج المحلي الإجمالي أو GDP في فترة ما غالباً عام واحد.

 

والناتج المحلي هو إجمالي ما يتم إنتاجه من سلع وخدمات ويتم قياسه إما عبر القيمة الاسمية أو القيمة الثابتة التي تستبعد أثر تغير الأسعار بمرور الوقت.

 

 

وفيما يخص الولايات المتحدة، فإن قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بلغت بنهاية الربع الأخير من العام الماضي مستوى 19.254 تريليون دولار.

 

وفي أول ثلاثة أشهر من العام الحالي انكمش الاقتصاد الأمريكي بسبب تأثره بأزمة الفيروس بداية من شهر فبراير، ليتراجع الناتج المحلي إلى وتيرة سنوية تبلغ 19.010 تريليون دولار، فاقداً 243 مليار دولار.

 

وفي الربع الثاني من العام الحالي، واصل الناتج المحلي هبوطه ليسجل وتيرة سنوية 17.205 تريليون دولار، ما يعني أن قيمة ما تم إنتاجه من سلع وخدمات تراجع في الربع الثاني مقارنة بأول ثلاثة أشهر بحوالي 1.805 تريليون دولار.

 

وإذا خصمت حجم الاقتصاد بنهاية الربع الثاني من قيمته المسجلة في أول ثلاثة أشهر من نفس العام فستجد أن الناتج المحلي انكمش بنسبة 9.5% فحسب على أساس فصلي.

 

إذن ما هو الرقم الأصح: الانكماش الفصلي البالغ 9.5% أم الانكماش بوتيرة سنوية بنحو 32.9%؟

 

الواقع أن كليهما صحيح ومستخدم في البيانات الرسمية، لكن الأول يظهر حجم التغير الفعلي على أساس فصلي، بينما يبرز الثاني الانخفاض في حال استمراره طوال العام.

 

وبالتالي، فإن الوتيرة السنوية أو annualized rate تعني حجم نمو أو انكماش الناتج المحلي طوال العام في حال استمرار نفس الظروف والأرقام لمدة 12 شهراً.

 

ويهدف استخدام الوتيرة السنوية إلى إيجاد طريقة سهلة للمقارنة بين الأرقام الاقتصادية خلال فترات مختلفة من الزمن.

 

وتقدم الوتيرة السنوية توقعاً للأداء الإجمالي خلال عام كامل، في حال استمرار نفس الوضع على مدار الفصول الأخرى.

 

بالطبع قد تكون هذه الطريقة لعرض البيانات الاقتصادية خادعة ومضللة قليلاً بالنسبة لكثير من المتابعين، خاصة في الأوقات الاستثنائية مثلما هو الوضع حالياً.

 

فمثلاً، إذا حصل شخص ما على علاوة مالية بقيمة 500 ريال في شهر ما، فإنه لن يكون من المنطق أن يعتبر هذه الزيادة بمثابة وتيرة سنوية 6000 ريال، لأنه يعلم أن ذلك أمر طارئ غير متوقع تكراره بنفس الشكل.

 

وبالتالي فإن عرض البيانات عبر الوتيرة السنوية تؤدي في بعض الحالات غير المعتادة إلى ظهور قيم "متطرفة" تبتعد كثيراً عن الأداء الطبيعي أو المنطقي.

 

والواقع أن الولايات المتحدة لا تقتصر في عرضها للأرقام الاقتصادية بالوتيرة السنوية على الناتج المحلي فحسب، لكن حتى بيانات مبيعات المنازل والسيارات وغيرها يتم عرضها بنفس الطريقة.

 

وعلى سبيل المثال، أظهرت بيانات أمريكية صدرت في الثاني والعشرين من يوليو أن مبيعات المنازل القائمة في الولايات المتحدة ارتفعت 20.7% لتسجل 4.72 مليون وحدة في يونيو الماضي مقارنة بالشهر السابق له.


 

هل من المنطقي أن تشهد دولة ما بيع ما يزيد على 4 ملايين منزل في شهر واحد فقط؟ بالطبع لا، لكن الوتيرة السنوية هنا تعبر عن توقع إجمالي ما سيتم بيعه في حال استمرار نفس الأداء لمدة 12 شهراً.

 

وباختصار..

 

الاقتصاد الأمريكي تعرض لضربة تاريخية في الربع الثاني من العام الجاري بسبب تداعيات عمليات الإغلاق الوطني والسعي للسيطرة على تفشي الوباء.

 

ولكن سواء كان الأمر يُقاس عبر الوتيرة السنوية أو بدونها، فإن الانكماش المسجل في الاقتصاد الأمريكي يعتبر هو الأسوأ منذ عام 1947 على الأقل حينما تم إعلان البيانات الفصلية لأول مرة.

 

ومثلما كانت الأرقام كبيرة وربما مثيرة للحيرة والتساؤلات في الربع الثاني باستخدام "الوتيرة السنوية"، فإن التعافي المتوقع في الربعين الثالث والرابع قد يقدم نتيجة مشابهة لكن على الجانب الإيجابي هذه المرة.

 

 

كما لا يمكن اعتبار هذه البيانات بمثابة القول الفصل والأخير، حيث إن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي يتم تقييمه 3 مرات عبر بيانات أولية ثم قراءة ثانية يليها ثالثة أخيرة.

 

ومن المقرر أن تصدر القراءة الثانية لبيانات الناتج المحلي للولايات المتحدة في السابع والعشرين من أغسطس الجاري.

 

وفي النهاية، يجب توضيح أن الاقتصاد الأمريكي لم يفقد ثلث قيمته في الربع الثاني، لكن الوتيرة السنوية تعني حدوث ذلك في حال استمرار هذا الأداء خلال الفصول التالية، وهو أمر غير متوقع بالنظر لإعادة فتح الاقتصاد نسبياً في الفترة الماضية.

 

 

المصادر: أرقام – مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي – سي إن إن– فوربس– نيويورك تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.