من المرجح أنك تابعت أحد تلك الأفلام الشهيرة أو ألعاب الفيديو التي يظهر فيها الكثير من أصحاب الوجوه الشاحبة والحركات الآلية والذي يطلق عليهم "الموتى الأحياء"، والتي يكون هدف أبطال الفيلم أو اللعبة دائماً هو القضاء عليهم سريعاً.
ولكن بعيداً عن الأساطير الخرافية القديمة التي تمثل مصدراً أساسياً لهذه الحبكة التي تدر دخلاً مستمراً لشركات الإنتاج السينمائي وتصميم الألعاب، فإن الهدف يظل واحداً: هذه كائنات يجب القضاء عليها لحماية الجميع.
من الشاشة للاقتصاد
ظهر مصطلح "شركات الزومبي" لأول مرة في بداية الألفية الثالثة، على خلفية انهيار فقاعة الأصول المالية في اليابان ودخول البلاد في ركود دام لسنوات فيما يطلق عليه "العقد الضائع".
وقبل ذلك بفترة شهدت اليابان انتعاشاً اقتصادياً كبيراً حتى نهاية ثمانينيات القرن العشرين، لترتفع الأسهم وأسعار الأراضي لمستويات فلكية وسط تفاؤل حاد في أوساط المستهلكين والمستثمرين مدعوماً بتوقعات واثقة في استمرار الطفرة الاقتصادية.
لكن وكما يقال دائماً فإن دوام الحال من المحال، انهارات الفقاعة مخلفة وراءها هبوطاً لأسعار الأسهم بنسبة 60 بالمائة على مدار ثلاث سنوات وانخفاضاً لسعر الأراضي بنحو 50 بالمائة.
ومع هبوط أسعار الأصول المالية التي كانت تمثل ضمانة للكثير من القروض الممنوحة من قبل البنوك، تعرضت ميزانيات المصارف لضربة قوية وكانت أمام خيارين: شطب الديون السيئة أو التظاهر بعدم وجود أزمة.
ربما يبدو الحل الأول أكثر منطقية الآن، لكن المصارف اليابانية اختارت الحل الثاني بسبب سعيها للتوافق مع المعايير الدولية والتي تتطلب معدلات محددة لرأس المال ومع ضغوط الجهات التنظيمية اليابانية لزيادة إقراض البنوك للشركات المتوسطة والصغيرة لدعم الاقتصاد.
اختارت المصارف اليابانية إذن الحل السهل وواصلت منح العملاء المشكوك في قدرتهم على السداد قروضاً جديدة على أمل تعافيهم سريعاً من الأزمة أو تدخل الحكومة لإنقاذهم ومنع تعثرهم.
وبالفعل تمكنت الكثير من الشركات من البقاء في السوق رغم عدم تحقيق إيرادات كافية، لكن اليابان دفعت ثمناً أكبر بكثير: انهيار الإنتاجية وركود اقتصادي متبوع بتباطؤ حاد للتضخم لأكثر من 10 أعوام.
وفي بداية الألفية الثالثة، كانت حوالي 30 بالمائة من الشركات المتداولة في السوق بقطاعات التصنيع والإنشاء والعقارات والتجزئة والجملة والخدمات مستمرة في العمل بدعم مباشر من البنوك.
أين تكمن المعضلة؟
من التجربة اليابانية يبدو تعريف شركات الزومبي واضحاً، مؤسسات تحقق إيرادات تكفي بالكاد لسداد خدمة الديون وليس أصل الدين لمدة 3 سنوات على الأقل (معدل تغطية الفوائد أقل من واحد)، وعمرها يتجاوز 10 سنوات أي أنها ليست شركات ناشئة ينقصها الوقت والخبرة للنمو.
يتزايد تواجد شركات الزومبي في أعقاب الدورات الهبوطية للاقتصاد، حيث يتجه البنك المركزي لخفض معدل الفائدة وضخ سيولة في الأسواق وبالتالي يقلل الضغوط المالية ما يمنح الشركات الضعيفة الفرصة المواتية للتواجد والاستمرار والانتشار.
وشكلت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 بداية مرحلة ازدهار لشركات الزومبي، مع اتجاه معظم الاقتصادات الكبرى لخفض معدلات الفائدة لمستويات قياسية متدنية وضخ تريليونات الدولارات من السيولة في الأسواق ضمن التيسير الكمي فيما أطلق عليه "عصر الأموال الرخيصة".
وارتفعت نسبة شركات الزومبي في 14 اقتصاداً متقدماً من 2% في نهاية ثمانينيات القرن الماضي إلى نحو 12% في 2016، ولكن الأهم من الصعود هو احتمالات البقاء على هذه الحالة في العام التالي والتي زادت من 60% في نهاية الثمانينيات إلى 85%.
هذه الشركات مستمرة في العمل وتتنافس مع مؤسسات أخرى ناجحة، لكنها لا تحتاج إلى التفكير في الأرباح أو الإنتاجية لأنها تضمن استمرارها بمجرد تحقيق ما يكفي لسداد فوائد الدين وبالتالي تفتقد العامل الأهم في عالم الاقتصاد: الدافع للإبداع والتفوق.
ويبرز خطر شركات الزومبي في خفض أسعار منتجاتها في السوق (مع عدم سعيها للربح) ورفع متوسط الأجور وتكثيف عدد المتواجدين في القطاعات المختلفة.
كما تكمن المشكلة الأكبر في أن هذه الشركات الضعيفة مالياً وغير قادرة على تحقيق إيرادات كافية قد تضعف الأداء الاقتصادي العام للدولة، مع حقيقة أنها تتسم بانخفاض الإنتاجية ومزاحمة الشركات الأكثر إنتاجية على الموارد المحدودة بطبيعتها مما يقلل ربحية الشركات الأقوى بالتبعية.
وتشير التقديرات إلى أن تزايد تواجد شركات الزومبي في دولة ما يضعف النمو الاقتصادي، حيث إن كل زيادة بنسبة 1% في حصة هذه المؤسسات في الاقتصاد تعادل هبوط 0.3% للنمو.
مناخ مثالي للتكاثر
قبل ضربة وباء "كوفيد-19" للعالم في بداية العام الحالي، كانت ديون الشركات غير المالية قرب مستوى تاريخي بالفعل عند 74 تريليون دولار أو ما يعادل 92 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنهاية عام 2019.
ومع ظهور الوباء، خفضت البنوك المركزية حول العالم معدلات الفائدة لمستويات متدنية تاريخياً مع برامج لشراء ديون الشركات، بينما أطلقت الحكومات حزم تحفيز بنحو 11 تريليون دولار يستهدف بعضها إقراض الشركات.
ومع تراجع إيرادات العديد من الشركات في القطاعات الأكثر تضرراً من الأزمة وتسهيل البنوك المركزية والحكومة شروط الإقراض لمنع سقوطها أو إعادة هيكلة ديونها، فإن الوصفة المثالية لشركات الزومبي أصبحت متوفرة.
بنك الاحتياطي الفيدرالي مثلاً يطبع ما يعادل مليون دولار كل ثانية لدعم الأسواق والاقتصاد وتنفيذ تعهداته بشراء الأصول المالية الحكومية والخاصة، ناهيك عن حزمة التحفيز التي أقرها الكونجرس والتي قاربت 3 تريليونات دولار.
ولم تعد المشكلة تتمثل فقط في شركات الزومبي، لكن الحديث يتصاعد حالياً حول نوع آخر من "الموتى السائرين" يتمثل في أسواق الزومبي.
وحذر محللون منهم مستشار شركة أليانز "محمد العريان" من الخطر المتزايد لأسواق الزومبي، والتي تكمن في ابتعاد الأسهم عن الأساسيات ومراهنة المستثمرين على استمرار دعم الفيدرالي للأصول ما يخلق وضع "فوز – فوز" للاعبين في السوق بصرف النظر عن الوضع الحقيقي للاقتصاد.
ومثلما تلتهم شركات الزومبي الموارد المحدودة من الاقتصاد لتتسبب في ضعف الإنتاجية وتباطؤ النمو، فإن أسواق الزومبي أيضاً تدمر قدرة السوق على تخصيص رأس المال بشكل فعال.
لكن هل أخطأ الفيدرالي بخفض الفائدة وضخ السيولة لمنع السقوط الحاد؟ بالطبع اضطر البنك المركزي الأكبر في العالم للدفاع عن الاقتصاد والشركات التزاماً بسياسة اتخاذ "كل ما يلزم"، لكن التبعات غير المقصودة تظل باقية وبحاجة لتدابير لاحتوائها.
كيف نسيطر على الأزمة؟
يشير البعض لمصطلح التدمير الخلاق كمثال على المعادل العكسي لشركات الزومبي.
وبحسب نظرية التدمير الخلاق، فإن جزءاً كبيراً من تطور اقتصاد السوق يحدث عبر إعادة الهيكلة التي تبرز من خلال خروج الكيانات غير المنتجة من السوق لتحل بدلاً منها مؤسسات أكثر فعالية وترجح مؤشرات حديثة أن جزءاً من حل المشكلة يتمثل في تصميم أنظمة للإعسار المالي لتسريع إعادة الهيكلة وخروج الشركات الضعيفة من السوق وبالتبعية زيادة نمو الإنتاجية الإجمالية للاقتصاد.
ومثلاً، إقرار إصلاحات للإعسار المالي تخفض العوائق الخاصة بإعادة هيكلة الشركات والتكلفة الفردية المرتبطة بفشل المشروعات يمكن أن تترجم إلى انخفاض في حصة رأس المال لشركات الزومبي بنحو 9% في دول إسبانيا وإيطاليا والبرتغال.
كما من المهم إدخال تدابير أكثر حسماً لحل أزمة القروض السيئة في المصارف، ودعم أدوات التمويل القائمة على نظام السوق.
باختصار، ملخص الحل يتمثل في تسهيل إعادة هيكلة الشركات الأكثر مديونية والأضعف مالياً أو السماح بخروجها من السوق لتترك مكاناً للمؤسسات الأكثر جدارة.
أو بعبارة أخرى: التخلص من الزومبي قبل فوات الأوان.
المصادر: أرقام – بلومبرج – سي إن بي سي - معهد التمويل الدولي (إي إي إف) – منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)
دراسة Zombie Lending and Depressed Restructuring in Japan
دراسة بنك التسويات الدولي: The rise of zombie firms: causes and consequences
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}