نبض أرقام
07:25 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

جبرًا لا طوعًا .. كيف أخضع الأمريكيون خصمهم الأقوى في صناعة التكنولوجيا؟

2020/06/27 أرقام - خاص

في ثمانينيات القرن الماضي تورطت الولايات المتحدة في حرب ضروس مع أحد أهم حلفائها، هذه الحرب لم تكن حربًا عسكرية وإنما حربًا اقتصادية اصطدمت فيها باليابان التي كانت تمتلك في ذلك الوقت ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.

 

 

في ذلك الوقت كانت الصورة المسيطرة على أذهان الرأي العام الأمريكي تجاه اليابان هي أنها الشرير الذي يحاول أن يفعل من خلال الاقتصاد والتكنولوجيا ما لم يستطع فعله بالسلاح في الحرب العالمية الثانية، وهو الاعتقاد الذي عززته التحركات التجارية للشركات اليابانية التي استحوذت على شركات أمريكية وبسطت سيطرتها على صناعات حساسة في غفلة من الزمن.

 

من أسفل السلم إلى أعلاه

 

خلال العقود الثلاثة التالية للحرب العالمية الثانية، احتلت الولايات المتحدة موقع الصدارة في صناعة أشباه الموصلات العالمية، ففي أوائل السبعينيات كانت الشركات الأمريكية تمتلك وحدها 60% من السوق العالمي لأشباه الموصلات، و95% من السوق المحلي الأمريكي، فضلًا عن 25% من السوق الياباني.

 

لكن بعد مرور ما يقرب من عقد من الزمان وتحديدًا في عام 1982، انخفضت سيطرة الولايات المتحدة على السوق العالمي لتصل إلى 51%، بينما ارتفعت حصة الشركات اليابانية إلى 35% وذلك مقارنة مع حوالي 15% فقط في أوائل السبعينيات.

 

 

بحلول عام 1989، تبدل الحال تمامًا بعد أن تمكن اليابانيون من السيطرة على 51% من سوق أشباه الموصلات العالمي، في حين انخفضت الحصة السوقية للشركات الأمريكية إلى 35% فقط، وذلك بحسب ما أشار إليه تقرير تحت عنوان "أشباه الموصلات: صناعة استراتيجية في خطر" تم رفعه إلى الرئيس الأمريكي والكونجرس في نوفمبر من عام 1989.

 

ما عزز من السيطرة اليابانية على السوق العالمي وعلى السوق الأمريكي بالأخص هو قيام الكثير من المصنعين الأمريكيين باستيراد أرقام قياسية من رقائق الذاكرة من اليابان لتلبية احتياجاتهم الإنتاجية، فعلى سبيل المثال، استحوذت الشركات اليابانية في عام 1985 على 92% من مبيعات رقائق الذاكرة ذات السعة البالغة 256 كيلوبايت.

 

الشركات الأمريكية تستغيث بحكومتها

 

في محاولة لوقف هذا الزحف الياباني هرع كبار مصنعي أشباه الموصلات الأمريكيين وفي مقدمتهم "إنتل" إلى الحكومة الأمريكية طلبًا للمساعدة، زعمت الشركات الأمريكية أنها لكي تصبح قادرة على المنافسة يجب أن يتم فرض إجراءات حمائية ضد الواردات الأجنبية من أشباه الموصلات وتحديدًا ضد الياباني منها.

 

أكدت الشركات الأمريكية أن نظيرتها اليابانية متورطة في ممارسات تجارية غير عادلة وربما تتلقى الدعم من الحكومة اليابانية، وادعت الشركات الأمريكية أيضًا أن المصنعين اليابانيين يغرقون سوق الرقائق الذكية في الولايات المتحدة والأسواق الأجنبية الأخرى من خلال بيع منتجاتهم بأقل من تكلفة إنتاجها.

 

 

لم تكتف مطالب الشركات الأمريكية عند هذا الحد، فبالإضافة إلى التعريفات الجمركية التي طالبوا بفرضها على أشباه الموصلات اليابانية، سعى المنتجون الأمريكيون كذلك إلى حث البيت الأبيض على الحصول على ضمانات محددة من طوكيو تسمح لهم بالسيطرة على حصة سوقية معتبرة من السوق الياباني الذي كان يعد الأكبر عالميًا من حيث استهلاك أشباه الموصلات.

 

بناءً على هذه الشكاوي، هددت الحكومة الأمريكية نظيرتها اليابانية في عام 1986 باتخاذ إجراءات قانونية ضد الشركات اليابانية العاملة بمجال أشباه الموصلات في السوق الأمريكي إذا لم توافق (طوعًا) على مجموعة من القيود التجارية.

 

اليابان لم تملك من أمرها شيئًا

 

تحت سيف التهديدات الأمريكية، جلست طوكيو على طاولة المفاوضات مع واشنطن في نفس العام ليتوصل الطرفان إلى اتفاق مدته 5 سنوات تعهدت فيه اليابان بالآتي:

 

1) مراقبة الشركات اليابانية باستمرار للتأكد من أنها لا تبيع منتجاتها بأقل من سعر التكلفة.

 

2) أن يكون للحكومة الأمريكية يد في تحديد الأسعار التي ستبيع بها الشركات اليابانية منتجاتها من أشباه الموصلات.

 

3) المشاركة في الترويج لأشباه الموصلات الأمريكية في اليابان من أجل مساعدة الأمريكيين في السيطرة على 10% على الأقل من السوق الياباني، وإذا لزم الأمر، تجبر طوكيو المصنعين اليابانيين على تقليص إنتاجهم لخلق نقص يصبح بإمكان الشركات الأمريكية ملؤه.

 

 

في النهاية أدرك اليابانيون أن عليهم إبقاء أسعارهم مرتفعة وإلا تعرضوا للانتقام التجاري من قبل الولايات المتحدة. ورغم ذلك، عاد مصنعو الرقائق الذكية الأمريكيون ليشتكوا من عدم التزام اليابانيين بالاتفاقية بشكل كامل، مشيرين إلى فشلهم في إحداث أي اختراق بالسوق الياباني.

 

وردت الحكومة اليابانية على هذه الشكوى من خلال التأكيد على أنها حين وقعت الاتفاقية لم تتعهد بتمكين الأمريكيين من الوصول إلى الحصة السوقية المتفق عليها من السوق الياباني في تواريخ معينة، وإنما وعدت بأن تبذل كل ما في وسعها لتعزيز مبيعات أشباه الموصلات الأمريكية في اليابان.

 

لم يعجب الرد مصنعي أشباه الموصلات الأمريكيين، لتقوم جمعية أشباه الموصلات الأمريكية (SIA) في مارس من عام 1990 بحثّ مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة على الانتقام من اليابان، غير أن الممثل التجاري امتنع عن اتخاذ أي إجراء ضد اليابان بعد فشله في العثور على أي دليل يدعم ادعاءات الجمعية.

 

استجابة للضغوط الأمريكية الرامية إلى الحصول على حصة أكبر من سوق أشباه الموصلات باليابان، أجبرت الحكومة العديد من الشركات اليابانية على شراء الرقائق الذكية الأمريكية، وهو ما فعلته بالفعل الكثير من المصنعيين اليابانيين الذين اضطروا حتى لشراء رقائق أمريكية لا يحتاجون إليها وتكديسها دون استخدام في المخازن.

 

 

وفي سعيها لتوضيح الصورة بشكل أفضل للأمريكيين الذين كانت تسيطر عليهم العقلية التآمرية، قالت رابطة الصناعات الإلكترونية اليابانية (EIAJ) في بيان لها في عام 1990 "إن انخفاض مستوى مبيعات أشباه الموصلات الأمريكية في اليابان سببه ليس حواجز تجارية أو رفضًا من قبل المستوردين اليابانيينـ وإنما هو مجرد انعكاس لعوامل السوق ومستوى المنتج الأمريكي وأساليب تطويره وتسويقه".

 

الأمريكيون .. هل أطلقوا النار على أقدامهم؟

 

ما لم تنتبه إليه الحكومة الأمريكية حين أجبرت اليابانيين على توقيع الاتفاقية في عام 1986 هي أنها ستضر بشكل غير مباشر بالمصنعيين الأمريكيين الذين يعتمدون بالفعل على أشباه الموصلات اليابانية، وذلك من خلال إجبارهم على دفع أسعار أعلى للرقائق الذكية اليابانية، وهو ما يزيد من تكلفة الإنتاج لديهم.

 

كنتيجة للاتفاقية الأمريكية اليابانية، كلفت رقائق "ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية" (DRAM) شركات تصنيع الكمبيوتر الأمريكية ما بين 30 إلى 40% أكثر مما تدفعه الشركات الأوروبية في نفس الرقائق. فعلى سبيل المثال، كانت تكلفة رقاقة الـ(DRAM) ذات السعة البالغة واحد ميجا بايت تقترب من 3.9 دولار في أوروبا، بينما بلغ سعر نفس الرقاقة 5 دولارات في الولايات المتحدة.

 

دفعت هذه الأسعار المرتفعة شركات تصنيع الكمبيوتر الأمريكية إلى مطالبة وزارة التجارة الأمريكية بإلغاء الاتفاقية المبرمة مع اليابان؛ لأنها تجبرهم على شراء أشباه الموصلات اليابانية بأسعار مرتفعة وهو ما يزيد من تكلفة الإنتاج لديهم ويضر بقدرتهم التنافسية في مواجهة شركات الكمبيوتر اليابانية التي تسير بخطى ثابتة للسيطرة على سوق تصنيع الكمبيوتر.


 

ورغم ذلك، كان لمصنعي أشباه الموصلات الأمريكيين اليد العليا في التأثير على قرار إدارة "بوش الأب" والذي قرر تجديد الاتفاقية لخمس سنوات أخرى عقب انتهائها في عام 1991.

 

كانت المفاوضات سهلة جدًا بالنسبة للأمريكيين، خاصة أن اليابانيين لم تكن لديهم أوراق الضغط الكافية لفرض شروطهم. ما فعلته واشنطن قبل ما يزيد على ثلاثة عقود مع طوكيو هو ما تحاول فعله اليوم إدارة "ترامب" في مفاوضاتها التجارية مع بكين، غير أن الأخيرة تبدو حتى اللحظة خصمًا صعب المراس.

 

المصادر: أرقام – سي إن إن -- The Heritage Foundation

?The High-Tech Trade War with Japan: Can Anyone Win

The 1991 U.S.-Japan Semiconductor Agreement: Will the New Approach Yield Old Results?

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.