في يوليو من عام 1996 تم تعيين رجل الأعمال الأمريكي "ألبرت جاي دونلاب" مديراً تنفيذياً ورئيساً لمجلس إدارة شركة الأجهزة المنزلية "صن بيم"، وذلك على أمل أن يتمكن الرجل الذي يتمتع بسمعة كبيرة باعتباره أحد أكثر المديرين التنفيذيين صرامة من تعزيز ربحية الشركة وتعظيم ثروة المساهمين.
وعلى الفور وبحجة تعزيز ثروة المساهمين نفذ "دونلاب" إجراءات متشددة شملت تسريح الآلاف من العمال وإغلاق عدد من مصانع الشركة بالإضافة إلى إجراءات أخرى كان هدفها خفض التكاليف.. استخفاف "دونلاب" بتأثير قراراته على الناس أكسبه لقب "المنشار آل".
كيف دمر كل شيء؟
المثير للدهشة هو أنه في نفس الوقت الذي اتخذ فيه "دونلاب" هذه القرارات، قام بمنح نفسه مكافآت مالية كبيرة، بالإضافة إلى مزايا أخرى مثل تذاكر طيران درجة أولى مجانية وسيارة مرسيدس، وعلى الرغم من أن مقر الشركة كان في ولاية فلوريدا إلا أن "دونلاب" كان يطلب الحجز له في فندق الفورسيزونز في كل مرة يراجع فيها طبيب الأسنان الخاص به في بنسلفانيا.
أما مشكلة "دونلاب" الأكبر بعيداً عن تلك المميزات التي قال إنه طلبها لمساعدته في إدارة ضغوط ومتطلبات وظيفته فقد كانت أسلوبه الإداري الذي اتسم بالغرور والغطرسة؛ فقد كان يتجاهل تعليقات وملاحظات مجلس الإدارة وصغار التنفيذيين على قراراته ويقاوم بكل قوة أي جهود قد تبذل لتعديل وتغيير وجهة نظره التي كان يثق فيها بشكل أعمى.
مع مرور الوقت، ورّط أسلوب "دونلاب" الإداري الشركة في أزمة، وبدلاً من الاعتراف بخطئه فضّل خداع المساهمين من خلال التلاعب ببيانات الشركة المالية كي تبدو بشكل أفضل مما هي عليه في الواقع؛ فبدلاً من تسجيل 38.3 مليون دولار كصافي أرباح الشركة عن عام 1997 أظهرت التقارير المالية الصادرة عن الشركة تسجيلها لصافي ربح قدره 109.4 مليون دولار.
ولكن الخداع لم يستمر طويلاً؛ حيث أدرك مجلس الإدارة حقيقة الوضع بعد أن اكتشف مراجعون داخليون التلاعب الحاصل بالبيانات المالية، ليقرر المجلس عقد اجتماع عاجل في 13 يونيو 1998 اتخذ فيه قراراً بالاستغناء عن "دونلاب" نظراً لعدم ثقة أعضاء المجلس به.
رفض "دونلاب" القرار واتهم مجلس الإدارة بإنكار جهوده وخدماته التي أسداها للشركة، ولم يكتف بذلك بل قام برفع دعوى قضائية ضد الشركة يطلب ما قال إنها مستحقات متأخرة له لدى الشركة، أما الشركة نفسها فلم تستطع النجاة من تأثير قرارات وإجراءات "دونلاب" التي قلبتها رأسًا على عقب لتقوم في عام 2001 برفع دعوى لحمايتها من الإفلاس.
الخلل القاتل
إن واحدة من أصعب المهارات التي يمكن للمدير أو الرئيس التنفيذي اكتسابها هي التفرقة بين الثقة والثقة المفرطة؛. فلكي تنجح كقائد يجب أن يكون لديك ثقة في قدراتك، وإذا فشلت يجب أن تأخذ في اعتبارك أن ذلك ربما حدث لأنك وثقت في نفسك أكثر من اللازم، وهذا هو الخلل القاتل الذي يصيب العديد من الرؤساء التنفيذيين.
الغطرسة من منظور القيادة التنفيذية تعني أنك كشخص لديك إيمان أعمى بآرائك الخاصة، ولسوء الحظ لا يرى الكثير من قادة الشركات أن سلوكهم هذا يضر بأنفسهم وبشركاتهم؛ فهم يرون أنهم يعملون بنفس الرؤية والبصيرة التي مكنتهم من الوصول إلى مناصبهم الحالية، وعلى هذا الأساس يرون رؤيتهم صحيحة دائماً وأن أي محاولة لمعارضتهم هي فعل غير عقلاني.
ومن أكبر مشاكل الغطرسة أنها تعيق القدرة على التعلم؛ فالمدراء المتكبرون يحاولون طوال الوقت تفسير البيانات والمعلومات بالطريقة التي تتوافق مع وجهة نظرهم الخاصة بدلاً من محاولة اكتشاف ما تعنيه وتشير إليه بالفعل وهو ما يحول دون تعلمهم أي شيء وفي الوقت نفسه يجعل فشلهم مسألة وقت.
الغرور أيضاً يدفع بعض المدراء إلى التقاعس عن تحمل مسؤولية أخطائهم؛ فمن السهل دائماً على القيادة العليا في الشركة إلقاء اللوم على الآخرين وخصوصاً على صغار المديرين والموظفين واتهامهم بأنهم السبب في أي خطأ قد تقع فيه الشركة.
وهذا السلوك خطير جداً لأنه يفقد جميع من في الشركة أي ثقة قد تكون لديهم في القيادة؛ الغرور والثقة المفرطة يمنعان الناس من إدراك خطأ ما يفعلونه لينتهي الأمر بأن تصبح الأخطاء السيئة أكثر سوءًا.
المدير الخارق
المدارء الأكثر عرضة للوقوع في شرك الغرور والثقة المفرطة هم أولئك الذين تمكنوا من تحقيق نجاحات في الماضي، مشكلة هؤلاء هي أنهم يرفضون التخلي عن خططهم وقناعتهم السابقة التي مكنتهم من تحقيق النجاح في السابق حتى لو لم تكن مناسبة للوضع الحالي.
نجاحاتهم السابقة تدفعهم لأن يصبحوا طوال الوقت متأكدين من أنهم يمتلكون الخطة الصحيحة والحقيقية الوحيدة للنجاح وبالتالي يقاومون أي محاولة لتعديل أو تغيير تلك الخطة، وهذا التشدد يدخل الشركة في أزمة في أحيان كثيرة.
أيضاً من بين مشاكل الغرور والثقة المفرطة بالنفس أنها تجعل القائد أو المدير غير مدرك لحدود قدراته وتشعره بأنه لا يُنافس وهذا وهم طبعًا؛ فالمدير المتغطرس يعتقد أنه بوسعه فعل كل شيء بشكل جيد لأنه ببساطة أعمى عن نواقصه ونقاط ضعفه، وهو ما يجعله خطيراً على نفسه وعلى شركته.
كل الرؤساء التنفيذيين الذين يعتقدون أنهم قادرون على التعامل مع كل موقف والذين يصرون كذلك على اتخاذ قرارات تخص جوانب ليس لديهم خبرة بها عادة ما يورطون أنفسهم وشركاتهم في مشاكل هائلة.
أخيراً، إن الغطرسة التي تصيب بعض المديرين قد تكون واضحة وقد تكون خفية؛ الواضحة يستطيع الجميع اكتشافها وملاحظتها لأن القائد أو المدير الذي يعاني منها يتصرف وكأنه مولود على العرش، أما الغطرسة الخفية فقد تتمثل في سلوكيات تبدو مختلفة ولكنها لا تزال تعكس نفس الصفة، وفي كلتا الحالتين عادة ما يدفع المدير المتغطرس نفسه وشركته نحو الهاوية كما فعل "دونلاب" في "صن بيم" وموظفيها.
المصادر: أرقام – بلومبرج – دراسة: Sunbeam Corporation: “Chainsaw Al,” Greed, and Recovery – كتاب: Why CEO's Fail
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}