عاقبة الانقلاب على اتفاق "أوبك".. كيف أصبحت روسيا أحد أكبر المتضررين من انهيار أسعار النفط؟

2020/04/29 أرقام - خاص

في السادس من مارس الماضي انهار اتفاق أوبك +" لخفض الإنتاج على خلفية رفض الروس الاستمرار فيه ورغبتهم في إطلاق العنان لطاقاتهم الإنتاجية. وبعدها بثلاثة الأيام خرجت وزارة المالية الروسية لتصرح بأن روسيا قادرة على تحمل هبوط أسعار النفط إلى ما يتراوح بين 25 و30 دولارًا للبرميل لفترة قد تصل إلى 10 سنوات، مستندة في ذلك إلى صندوق الثروة السيادي للبلاد الذي تتجاوز قيمة أصوله الـ150 مليار دولار.

 

 

وعقب انقلاب السوق رأسًا على عقب وهبوط أسعار النفط بما في ذلك الخام الروسي إلى مستويات قياسية منخفضة حافظ الروس على لهجتهم الواثقة وبدوا غير آبهين بما يحدث، ليصرح المتحدث باسم الكرملين في اليوم التالي لانخفاض سعر الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر قائلًا إن الفوضى الحاصلة الآن في السوق مجرد قضية تداول ولا داعي لإعطائها هذه "الصبغة المروعة".

 

ولكن هذه النبرة الواثقة تتناقض بشدة مع واقع الاقتصاد الروسي والذي أصبح محصورًا في الزاوية منذ أن بدأت أسعار النفط الخام في الانهيار إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة. فكل المعطيات الحالية تشير إلى أن الروس بالغوا في تقدير قدرتهم على التحمل وأخطأوا حين ضربوا في أوائل مارس باتفاق "أوبك" عرض الحائط.

 

الأورال الروسي .. أدنى سعر منذ 20 عامًا

 

في الأسبوع الماضي هوت أسعار النفط الخام الروسي (الأورال) الذي يتم تسليمه في البحر الأبيض المتوسط إلى 8.48 دولار للبرميل، مسجلًا أدنى سعر له منذ أكثر من 20 عامًا وتحديدًا منذ عام 1998، وذلك على خلفية الصدمات المتتالية التي عانى منها سوق النفط العالمي منذ بداية 2020 والتي كان آخرها هبوط أسعار الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر لأول مرة في التاريخ.

 

عادة عندما تنخفض أسعار الأورال إلى أقل من 25 دولارًا للبرميل يسارع البنك المركزي الروسي إلى زيادة مبيعاته من حيازاته من العملات الأجنبية، أملًا أن يكون لشراء الروبل دور في تقليل التأثير السلبي لانخفاض أسعار النفط على الاقتصاد الروسي الذي وقع في فخ الركود في الفترة ما بين عامي 2015 و2016 نتيجة لانهيار أسعار النفط.

 

 

بلغت مبيعات البنك من العملات الأجنبية خلال الأسبوع الماضي حوالي 200 مليون دولار في اليوم، ورغم ذلك انخفض الروبل أمام الدولار يوم الثلاثاء قبل الماضي بنسبة 2.15% في حين ارتفعت تكاليف الاقتراض الروسية إلى مستويات قياسية. كما أشارت مذكرة بحثية صادرة عن "دويتشه بنك" إلى أنه حتى المستويات الحالية للروبل غير مستدامة في ظل ميل الوضع في سوق النفط نحو الانحدار.

 

وسواء كان سعر خام الأورال 10 دولارات أو حتى 20 دولارًا للبرميل فهو لا يزال أقل بكثير من المستويات التي يمكن أن تتحملها روسيا. فيمكن للاحتياطيات الروسية من النقد الأجنبي أن تسد ثغرات مؤقتة في الميزانية الروسية التي تأتي 40% من إيراداتها من الضرائب المفروضة على مبيعات النفط والغاز ولكن على المدى الطويل ستكون الحكومة الروسية في وضع صعب وقد تضطر في النهاية للاقتراض وتقليص الإنفاق.

 

خسائر بالمليارات

 

نظام الضرائب في روسيا مؤسس بطريقة تمكنه من الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط، ولكنها في نفس الوقت تجعله يعاني أكثر من شركات النفط نفسها حين تتهاوى الأسعار. فوفقًا لهذا النظام، تفرض روسيا ضرائب نسبتها 50% على مبيعات النفط الخام حين تستقر الأسعار أعلى 35 دولارًا للبرميل، ولكن عندما ينخفض سعره إلى ما بين 20 و25 دولارًا للبرميل تنخفض الضرائب إلى 24% فقط.

 

تشير تقديرات شركة الخدمات المصرفية الروسية "ألفا بنك" إلى أن انخفاض أسعار النفط بمقدار واحد دولار للبرميل يكلف روسيا حوالي 130 مليار روبل (1.7 مليار دولار) في العام. كما أوضحت أن الميزانية الروسية تحتاج إلى وصول سعر الأورال إلى 50 دولارًا للبرميل لكي تغطي العجز.

 

 

من جانبه توقع "نورديا بنك" خسارة روسيا لحوالي 165 مليار دولار من عائداتها عن صادرات النفط والغاز في عام 2020، وهو ما يتجاوز ما خسرته موسكو في أي من أزماتها المالية الأخيرة. وأوضح البنك أن هذا المبلغ يمثل حوالي 60% من صادرات النفط والغاز الروسية وما يقرب من ثلث الصادرات الإجمالي للبلاد.

 

بعد رفضها الاستمرار في اتفاق أوبك+ لخفض الإنتاج عمدت روسيا إلى رفع طاقتها الإنتاجية إلى حدها الأقصى، وذلك رغم الصدمة الواضحة التي تعرضت لها مستويات الطلب في السوق على خلفية تداعيات وباء كورونا. ففي غضون عدة أسابيع تهاوت مستويات الطلب العالمي على النفط الخام بنحو الثلث أو بحوالي 30 مليون برميل يوميًا.

 

هذا التهور الروسي غير المدروس تسبب الآن في ألا تجد روسيا مكانا لتصريف أو تخزين الكميات الهائلة من الخام التي تم استخراجها بالفعل خلال الأسابيع الأخيرة. فبالمقارنة مع كبار المنتجين تمتلك روسيا أقل سعة تخزينية، حيث تغطي سعتها التخزينية 8 أيام فقط من إنتاجها اليومي، وذلك مقارنة مع 18 يوما في السعودية و30 يوما في الولايات المتحدة.

 

غلق الآبار .. الخيار المر

 

في ظل انهيار الطلب واقتراب مواقع التخزين من الامتلاء لم يعد أمام الروس حل آخر سوى التفكير في غلق الآبار. ولكن حتى هذا الخيار يظل مكلفا جدًا بالنظر إلى أن 90% من إنتاج النفط الروسي يتطلب تقنيات معقدة مثل التكسير الهيدروليكي، وهو ما يجعل إيقاف الآبار أكثر تعقيدًا بالنسبة للمنتجين الروس بالمقارنة مع نظرائهم في الخليج العربي.

 

وفقًا لشركة الاستشارات "فيجون كونسلتنج" تبلغ تكلفة إغلاق بئر متوسطة الحجم في غرب سيبيريا – وهي أكبر مناطق إنتاج النفط في روسيا – حوالي 400 ألف روبل (5370 دولارا)، فين حين تبلغ تكلفة إعادة تشغيله ثلاثة أضعاف ذلك الرقم. وتمثل هذه المبالغ تكاليف باهظة جدًا بالنسبة لشركات النفط الروسية الكبرى التي تنتج آبارها ما بين 50 و300 برميل يوميًا وفقًا لبيانات "أكسفورد إنرجي".

 

 

حتى أسابيع قليلة ماضية، كان باستطاعة الروس جعل أوروبا بالكامل ترتجف في ظل سيطرتها شبه التامة على سوق النفط بالقارة العجوز، ولكن المعادلة تغيرت الآن ولم يعد لروسيا – حتى ولو مؤقتًا – أي سيطرة على الأوروبيين الذين ضعفت شهيتهم للنفط بعد أن أغلقت المصانع وجلس الناس في بيوتهم اتقاءً لشر فيروس كورونا.

 

السؤال الآن الذي يشغل بال الكثير من المحللين هو: هل يعيد التاريخ نفسه؟ في أواخر الثمانينيات عندما تسبب انخفاض عائدات النفط في تقويض جهود "ميخائيل جورباتشوف" لإصلاح الشيوعية السوفيتية مما أدى إلى تسريع نهاية الاتحاد السوفيتي.

 

حين قلبت روسيا الطاولة على الجميع في بداية مارس لم تكن تتوقع أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه، ولكن في النهاية حدث ما حدث، ويجب على موسكو الآن التفكير في طريقة للخروج من المأزق الحالي.

 

المصادر : أرقام – رويترز – بلومبيرج – ماركت ووتش – فورين بوليسي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.