في لقاء صحفي أجرته إذاعة "فرنسا ثقافة" مع فرانسيس بيرين، المتخصص في قضايا الطاقة في IRIS معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، قدم تحليلا بشأن تحديات أزمة النفط الراهنة.
لوقف الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط الخام، توصلت الدول المنتجة، في الثاني عشر من شهر أبريل، إلى اتفاق، طموح بقدر لم يسبق له مثيل، حيث ينص على تخفيض الإنتاج بمقدار 10 ملايين برميل في اليوم.
تتوقع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، في تقريرها الشهري، أن الاستهلاك العالمي سيبلغ 92.82 مليون برميل يوميًا في عام 2020، وهو انخفاض "غير مسبوق" بنسبة 7 % تقريبًا مقارنة بعام 2019. وتعزو المنظمة ذلك إلى "صدمة تاريخية ووحشية ومتطرفة وعالمية" ترجع بشكل أساسي إلى الشلل الاقتصادي العام بسبب Covid-19. فالأساطيل الجوية لا تزال على الأرض وتدابير الاحتواء تشل الحركة.
في هذا السياق، اتفق منتجو النفط الرئيسيون على خفض إنتاجهم بمقدار 9.7 مليون برميل يوميًا في شهري مايو ويونيو، ومن ثم يكون الاعتدال . "تعديل تاريخي"، بحسب الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو، حصل بعد مفاوضات صعبة، يشرحه فرانسيس بيرين، المتخصص في قضايا الطاقة في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
سؤال/ تحت أي ظروف تم توقيع اتفاق 12 أبريل 2020؟
جواب/ أولاً، كانت هناك عدة اجتماعات لمنظمة أوبك. وأوبك، التي تضم بالإضافة إلى 13 دولة في كارتل النفط، 10 دول أخرى بمن فيها روسيا. ففي اجتماع السادس من شهر مارس، رفضت موسكو تخفيضات الإنتاج المقترحة. أثار هذا الرفض رد فعل سعودي قوي للغاية. حيث لم تتقبل المملكة العربية السعودية الرفض الروسي. حيث قالت المملكة أنها ستقوم بما يلزم في الأول من أبريل، لطالما لم تعد روسيا ترغب في التعاون. لذلك أعلنت الرياض عن زيادة قوية في إنتاجها وصادراتها من النفط للتركيز على الدفاع عن حصصها في السوق، حتى لو كان ذلك يعني انخفاض الأسعار.
سؤال/ لماذا رفضت روسيا خفض الإنتاج في أوائل مارس؟
جواب/ لم تكن شركات النفط الروسية سعيدة بخفض الإنتاج. وأبلغوا حكومتهم بذلك. وجادلت روسيا أيضًا بأنها قد خفضت الإنتاج بالفعل في الماضي. ولكن قبل كل شيء، انتقدت موسكو استمرار الولايات المتحدة في زيادة حصصها وبالتالي تهديد الحصص الروسية في السوق.
الجديد هو أن الولايات المتحدة لعبت دور وسيط غير مسبوق بين موسكو والرياض...
التقط دونالد ترامب الهاتف للتحدث إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين وولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان. وأبلغهم نفس الرسالة: إن انخفاض الأسعار عنيف للغاية، ويعرض السوق للخطر، الذي أصبح ضعيفًا بالفعل بسبب تأثير فيروس كورونا. لذا تم التوصل إلى اتفاق ضمني بين أكبر ثلاثة منتجين للنفط، الولايات المتحدة التي تحتل المرتبة الأولى، وروسيا والمملكة العربية السعودية. الذين يمثل إنتاجهم ما بين ثلث إلى 40 % من إنتاج النفط العالمي.
سؤال/ هل هو مجرد هدنة أم اتفاق دائم؟
جواب/ إنه أكثر من مجرد هدنة. بعد ذلك، وبالطبع، مثل كل الاتفاقيات، الكثير من الأشياء تعتمد على دخولها حيز التنفيذ وكيفية تطبيقها. ولا يزال الوقت مبكرًا لمعرفة ذلك حيث لم يتبق سوى بضعة أيام فقط على دخول الاتفاق حيز التنفيذ في الأول من مايو. ولكن يمكن القول بالفعل أن هذا الاتفاق طموح للغاية، ولم يسبق له مثيل منذ تأسيس أوبك في الستينيات وأوبك + مؤخرًا.
سؤال/ لماذا؟
جواب/ هذه الاتفاق غير مسبوق من حيث حجم تخفيض الإنتاج المعلن عنه: ما يقرب من 10 مليون برميل في اليوم (برميل / يوم). يجب أن نتذكر أنه في عام 2019، كان إنتاج النفط العالمي 100 مليون برميل في اليوم. لذا يمثل اتفاق 12 أبريل 2020 تخفيضًا بنسبة 10٪. وهو ما لم نراه من قبل. هذا الاتفاق ذكي لأنه ينص على عدة مراحل. فمن المقرر أن يكون الحد الأقصى – 9.7 مليون برميل في اليوم – في شهري مايو ويونيو 2020. ثم في النصف الثاني من عام 2020، سيكون الخفض أقل بمقدار 5.7 مليون برميل في اليوم على افتراض تعافي الاقتصاد في النصف الثاني وبالتالي سيؤدي ذلك إلى ارتفاع استهلاك النفط. وأخيرًا، المرحلة الثالثة، من 1 يناير 2021 حتى 30 أبريل 2022، ستكون تخفيضات الإنتاج فقط 5.8 مليون برميل في اليوم. وهذه هي المرة الأولى التي تتوصل فيها أوبك إلى اتفاق خلال هذه الفترة الطويلة. فعادة ما يتم اتخاذ قرارات أوبك على مدى بضعة أشهر، وليس أكثر من عامين. مما يعني أنه خلال الفترات الاستثنائية، سيكون هناك حلول استثنائية.
سؤال/ هل بإمكان هذا الاتفاق وقف هبوط أسعار النفط الخام؟
جواب/ أزمة النفط التي نمر بها حاليًا فريدة من نوعها. كانت هناك بالفعل انخفاضات حادة في الأسعار بين صيف 2014 وبداية 2016، في 2008، أواخر التسعينات، أو حتى في عام 1986. لكن الأمر الاستثنائي هو أن هذه الأزمة تتميز بانخفاض حاد في الطلب مرتبط بوباء فيروس كورونا، وهو ما لم يكن عليه الحال في الحالات السابقة أو على أي حال، وليس بهذا الحجم. وهذا ما دفع دول أوبك المنتجة إلى التوصل إلى اتفاق في أبريل عندما رفضه البعض، مثل روسيا، في مارس.
لا يزال هناك سؤالان رئيسيان. الأول: ماذا سيكون مستوى استهلاك النفط في 2020؟ يتحدث بعض الخبراء عن انخفاض قدره 5 ملايين برميل في اليوم مقارنةً بعام 2019، ويقدر آخرون الرقم بـ 7 ملايين برميل في اليوم، أو حتى 9 إلى 10 ملايين برميل في اليوم. والآخر مجهول: مدى انخفاض الطلب في الربع الثاني من عام 2020، والذي يتوافق مع ذروة جائحة Covid-19 وآثاره الاقتصادية؟ 12 مليون برميل يوميًا؟ 15 مليون؟ 20 مليون؟ الأمر المؤكد هو أن الانخفاض في الاستهلاك العالمي للنفط سيكون هائلاً. ويجب أن نتذكر أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2009 التي تتوافق مع الأزمة المالية لعام 2008. منذ عام 2010، لم يزد سوى الاستهلاك فقط، بما في ذلك في عام 2019.
سؤال/ ما هي الدول النفطية التي ستكون الأكثر تأثرًا؟
جواب/ إنها ضربة مخيفة للغاية، ومن المحتمل أن تكون كارثية بالنسبة للبعض منهم، مثل فنزويلا وإيران والعراق ونيجيريا وأنغولا وحتى الجزائر. 95٪ من عائدات التصدير الجزائرية مُستمدة من النفط والغاز. ويجب شد الحزام بعدة درجات. ولن تكون العواقب الاقتصادية والاجتماعية هي نفسها في دولة غنية مثل قطر كما في العراق أو الجزائر، ناهيك عن إيران أو فنزويلا اللتان تخضعان لعقوباتٍ أمريكية.
سؤال/ ما هو تأثير أزمة النفط هذه على تحول الطاقة؟
جواب/ بين 6 يناير 2020 ونهاية مارس، انخفض سعر النفط بنسبة 66٪! وعندما يكون النفط غير مكلف للغاية، هذا يعني أن مصدر الطاقة هذا بات أكثر تنافسية من ذي قبل. وبالتالي فإنه لا يسهل تحول الطاقة والعمل على مصادر الطاقة غير الكربونية سواء كانت غير متجددة أو نووية، بل العكس من ذلك. باختصار، فإن الانخفاض الحاد في أسعار النفط، كما هو الحال في الوقت الراهن ليست بخبر جيد لكوكب الأرض.
تسهيل تحول الطاقة يتم عند ارتفاع أسعار النفط التي انهارت مؤخرًا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}