الحب وحده لا يكفي .. فلسفة أنجح زوج في سوق الأسهم

2020/04/24 أرقام - خاص

الزواج هو التزام نفسي وعقلي وجسدي كبير جداً. والحب ربما يعدّ شرطاً ضرورياً لزواج سعيد، غير أن الحب وحده لا يكفي. فهناك دائماً حاجة إلى ما هو أكثر وأعمق من ذلك بكثير. لذلك قبل أن تمضي قدماً في ذلك الطريق عليك أن تجتهد في دراسة شخصية وطباع مَن تنوي الزواج يها.

 

يجب أن يكون هناك حد أدنى من التوافق بينكما في الفكر والتعليم والثقافة والقيم وغيرها من العوامل التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار قبل الدخول في التزام طويل الأجل عادة كالزواج. وعلى الرغم من حقيقة أن كل شيء مقدّر وأنه لا توجد ضمانات لأي شيء وأنه لا يمكنك أن تكون متأكداً بنسبة 100% فلا يزال يتعين عليك الأخذ بالأسباب على الأقل لتقلل من احتمال اختيار الشخص الخطأ.


 

علاوة على ذلك، أنت عندما تتزوج من غير المرجح أن تخرج من تلك العلاقة بسهولة. على سبيل المثال من غير المحتمل أن تترك زوجتك لمجرد أنك صادفت في الشارع مَن هي أجمل منها، وكذلك ليس من المرجح أن تنهي علاقتكما لمجرد وقوع بعض الخلافات العادية.

 

لكن بالطبع إذا اتسعت الهوة بينكما وأصبحت خلافاتكما عوائق لا يمكن القفز فوقها أو تجاوزها سيبرز الطلاق كخيار. ولكن الطلاق ليس سهلاً كما يتخيل البعض وليس من الحِكمة الاستهانة به أو بتوابعه فهو أبغض الحلال، وليس من الحكمة أيضاً أن يكون هو أول ما يدور في ذهنك مع وقوع أول مشكلة بينكما. ولذلك لا يجب أن يُلجأ إلى الطلاق إلا إذا أصبح الخيار الأخير فعلاً.

 

المشترك بين الأسهم والزواج

 

كل ما سبق والذي قد يراه أكثر القراء غير ذي صلة بالمواضيع المالية أو بسوق الأسهم على وجه التحديد هو ربما أفضل ما يعبّر عن فلسفة المستثمر الأمريكي الشهير "وران بافيت" والذي يرى أن شراء الأعمال التجارية عبر سوق الأسهم يشبه الزواج إلى حد كبير.

 

فقبل أن يشتري "بافيت" من خلال شركته الاستثمارية "بيركشاير هاثاواي" أسهماً في أي شركة فهو يعلم جيداً أنه يتعهد بنوع من الالتزام تجاه هذه الشركة. وهذا هو السبب وراء حرصه على محاولة شراء الشركات الجيدة فقط التي يمكنه الاحتفاظ بها على المدى الطويل.

 

هذه الفلسفة هي ما تدفع "بافيت" كثيراً إلى التفرقة بين الاستثمار في الشركات وبين الاستثمار في الأسهم. فدائماً ما ينصح الملياردير الأمريكي المستثمرين بالتفكير بعقلية المستثمر الذي يشتري أعمالاً تجارية حقيقية وليس بعقلية المتداول الذي يضرب ويجري، لأن الأولى على عكس الثانية ستجعلهم أكثر قدرة على الالتزام تجاه الشركات الجيدة عندما تمر بهزة تماماً كما يفعل الزوج في الأوقات الجيدة والسيئة مع زوجته.


 

وبالمثل يقول "بافيت" إنه لن يبيع أسهمه في شركة جيدة لمجرد أن سعرها أعلى من قيمتها الجوهرية. بمعنى أنه إذا افترضنا أنه يوجد في محفظة "بافيت" سهم تشير التحليلات إلى أن قيمته الجوهرية 45 دولاراً غير أن سعره في السوق 50 دولاراً وهو ما يعني ربحاً قدره 5 دولارات لكل سهم يبيعه حامله، لن يبيعه "بافيت" رغم ذلك لاقتناعه بأن الشركة جيدة وتستحق أن يُحتفظ بها.

 

هذه الفلسفة قد يراها البعض منطقية خصوصاً إذا كان الحديث حول شركات جيدة، لكن الأكثر إثارة للدهشة هو موقف "بافيت" من الشركات الضعيفة التي يمتلك عدداً من أسهمها بالفعل. فرغم أنه لن يشتري المزيد من أسهم تلك الشركات إلا أنه في نفس الوقت متردد في التخلي عما يملكه بالفعل منها.

 

"بافيت" يصارح المساهمين

 

النقطة السابقة يبرزها بوضوح تام المبدأ رقم 11 في كتيب "دليل المالك" الذي أصدره "بافيت" للفئتين "A" و"B" من مساهمي شركته "بيركشاير هاثاواي" في يونيو من عام 1996 والذي يقول الآتي:

 

"يجب أن تكونوا مدركين تماماً لإحدى القناعات التي نتشاركها أنا وتشارلي (نائبه تشارلي مونجر) والتي تضر بأدائنا المالي: مهما كان السعر، ليس لدينا أي نية على الإطلاق لبيع أي شركات جيدة تمتلكها بيركشاير. نحن أيضاً مترددون حيال بيع الشركات ضعيفة المستوى طالما أننا نتوقع أن تحقق بعض المال وطالما نشعر بالرضا تجاه أداء مديريها. فقط نأمل ألا نكرر نفس الأخطاء التي أدت بنا إلى الاستثمار بتلك الشركات..."

 

"بافيت" هو أحد أعظم مستثمري سوق الأسهم، بل إن البعض يعتبره الأعظم على الإطلاق ورغم ذلك لا يبدو طرحه هذا منطقياً أو عقلانياً بالنسبة لفئة عريضة من المستثمرين، خصوصاً أنه مخالف تماماً لفكرة تعظيم الثروة.


 

فأي مستثمر عقلاني سيكون متحمساً لبيع أي سهم مبالغ في تقييمه أي يتجاوز سعره قيمته الجوهرية، وسيكون سعيداً أيضاً بالتخلص من الأسهم التي لا تحقق له العائد المرجو. والمدهش أن "بافيت" مدرك لذلك كله ويعترف صراحة بأن سياساته هذه ربما تكون ضارة بمساهمي شركته، المساهمين الذين كان لـ"بافيت" الفضل في تعظيم ثرواتهم بمستويات قياسية على المدى الطويل.

 

إذن ما الذي يفسر لنا هذا السلوك "غير العقلاني" (كما يبدو لأكثرنا) الذي ينتهجه "بافيت"؟ هذا ببساطة يرجع إلى فلسفة الرجل في التمييز بين الاستثمار في الشركات وأعمالها وبين تداول الأسهم. معظم المستثمرين للأسف لا يدركون هذا الاختلاف الحاسم والذي قد يبدو لأكثرهم بلا معنى. ففي النهاية من أجل الاستثمار بالشركات يجب عليك الاستثمار بالأسهم.

 

ولكن في نظر "بافيت" هناك فارق كبير بين الاثنين وهذا الفارق يكمن في "الالتزام". فبالنسبة له الاستثمار بأي شركة من خلال شراء أسهمها هو التزام جاد، ولذلك يرى أنه من الواجب على المستثمر قبل أن يقدم على تلك الخطوة أن يقوم بالأبحاث والدراسات اللازمة والتي يشار إليها في صناعة الاستثمار باسم "Due Diligence" أو الفحص النافي للجهالة.

 

اسأل عنها قبل أن تتزوجها

 

لا يشغل "بافيت" نفسه كثيراً باستراتيجيات الخروج عندما يقوم بأي استثمار. ومع ذلك فإنه حتى المستثمرين الذين لديهم استراتيجيات واضحة لكيفية التخارج يخططون عادة للالتزام بقراراتهم الاستثمارية الخاصة لفترة طويلة قد تصل لعدة سنوات.

 

تماماً مثلما تفعل حين تنوي الزواج، يجب عليك أن تعرف عن الشركة التي تنوي الاستثمار بها أكبر قدر من المعلومات. ما القطاع الذي تعمل به؟ ما هي منتجاتها الرئيسية؟ ما هي الخدمات التي تقدمها؟ من هم أهم مورديها وعملائها؟ ما هو حجم السوق الذي تتنافس عليه الشركة؟ ما حجم حصتها في هذا السوق؟ هل السوق يتوسع أم أنه يعاني الركود؟

 

هل الطاقم الإداري للشركة كفء وجدير بالثقة؟ من هم أهم موظفي الشركة وأكثرهم موهبة؟ هل هم سعداء ومخلصون للشركة؟ هل الشركة مستقرة مالياً أم أن لديها كمية كبيرة من الديون تعرضها للخطر إذا وقعت هزة غير متوقعة؟ ما هي المقاييس الرئيسية في الصناعة التي تعمل بها هذه الشركة؟ كيف تبدو كل من هوامش الربح والعائد على حقوق الملكية والقيمة الدفترية؟


 

هذه هي مجرد عينة من الأسئلة التي تدور في أذهان كبار المستثمرين مثل "بافيت" عندما يفكرون في الاستثمار بأي شركة ووضع جزء من أموالهم بها. إجابات هذه النوعية من الأسئلة قد لا تكون ذات أهمية كبيرة بالنسبة للمضاربين أو أولئك الذين يرغبون في تنفيذ صفقة سريعة، لكنها ضرورية وحيوية جداً بالنسبة لمستثمري الأجل الطويل.

 

فكما هو الحال في الزواج يخطط المستثمر الذكي للدخول في التزام جاد لا يمكن التراجع عنه بسهولة، ولذلك لن يقوم هذا المستثمر بالتخلي عن السهم (كما يفعل المضارب) ويهرب بعيداً لمجرد أن الأرباح الفصلية للشركة جاءت دون التوقعات أو لأن سعر السهم تراجع بضع درجات مئوية.

 

وبالمثل لن يبيع هذا المستثمر سهماً جيداً يمتلكه ليحقق ربحاً سريعاً لمجرد أن سعره قفز للأعلى فجأة. هذا قد يفعله المضارب أو المستثمر ضعيف الخبرة الذي لا يمتلك رباطة الجأش ولكن المستثمر بعيد النظر يترفع عن مثل هذه التصرفات.

 

 

المصادر: أرقام – كتاب "حتى بافيت ليس مثالياً" – كتاب "بيركشاير وما بعد بافيت" - كتيب "دليل المالك" الصادر عن "بيركشاير هاثاواي" في عام 1996

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.