إلى أي مدى تبلغ قوة البيانات؟ وما "رأسمالية المراقبة"؟

2020/03/21 أرقام

كانت القوة في الماضي ترتبط بالعضلات فقط وتحولت في العصر الحديث عقب الثورة الصناعية إلى الاعتماد على الآلة لكن ترسخت قوة جديدة في القرن الحادي والعشرين هي "قوة البيانات".
 

في كتاب "عصر رأسمالية المراقبة: المعركة على مستقبل البشر عند حدود القوة الجديدة" تشرح الكاتبة الأمريكية شوشانا زيوبوف التحديات التي يفرضها المستقبل الرقمي على الإنسانية وذلك في أول تفسير مفصل لشكل جديد من أشكال النفوذ أطلقت عليه الكاتبة اسم "رأسمالية المراقبة".



 

وفكرة الكاتبة باختصار هي أن شركات التكنولوجيا ترغب في السيطرة على كل ما نقوم به مقابل الربح.
 

ويعد الكتاب  أهم مؤلفات زوبوف حيث يوصف بأنه ملخص سنوات من البحث والتفكير من أجل الكشف عن عالم لم يعد فيه مستخدمو التكنولوجيا زبائن ولا موظفين ولا حتى منتجات بل أصبحوا المادة الخام لإجراءات تصنيع ومبيعات جديدة في نظام اقتصادي جديد وهو "اقتصاد المراقبة".

 

"المنبه الذي يرن بجوار فراشك بناء على موعد مسجل في التقويم الخاص بك. منظم الحرارة الذكي (الترموستات) في غرفة نومك يستشعر حركتك ويرسلها إلى قاعدة بيانات مركزية. الأخبار التي ترن على جوالك وما يصحبها من قرار النقر عليها من عدمه... هذا كله مراقب جيدا".
 

"ظروف رحلتك إلى العمل ومحتويات الرسائل النصية والكلمات التي تتفوه بها في منزلك وتصرفاتك، كل ذلك أمام الكاميرات. محتويات سلة التسوق ومشترياتك واختياراتك.. كله مسجل ويصنف كبيانات تخضع للمعالجة والتحليل وتباع مثل الرهن العقاري".
 

الظاهرة تمتد إلى كل القطاعات

 

 

وقال موقع "جودريدز" في استعراضه للكتاب إن زوبوف تحاول توضيح أن ثمة "هندسة عالمية لتغيير السلوك تهدد الطبيعة البشرية في القرن الحادي والعشرين تماما كما شوهت الرأسمالية الصناعية العالم الطبيعي في القرن العشرين".
 

وتطرح الكاتبة العواقب مع انتقال رأسمالية المراقبة من وادي السيليكون إلى كل القطاعات الاقتصادية.
 

"وفي الوقت الذي تصر فيه الشركات على أن التكنولوجيا التي تقدمها معقدة للغاية بدرجة يتعذر معها وضع تشريعات لها، فهي تنفق المليارات للضغط من أجل منع الإشراف عليها".
 

"وبينما هي تبني إمبراطوريات استنادا إلى بيانات وتفاصيل عن حياتنا الخاصة ترفض تلك الشركات مرارا أي أعراف راسخة عن المسؤولية المجتمعية أو المساءلة".
 

وذكرت زوبوف شركات كبيرة بالاسم في مقدمتها جوجل وفيسبوك. "فبينما كان الهدف في الأصل هو كل أشكال المعرفة الإنسانية، انتهى الأمر بجوجل إلى السيطرة على منافذ الوصول إلى تلك المعرفة. فنحن نقوم بالبحث ويجري البحث عنا أيضا".
 

وكان هدف فيسبوك هو وصل الناس ببعضهم فقط لكن الشركة وجدت نفسها تملك أهم أسرارنا وفي إطار سعيها للاستمرار تجاريا إلى ما هو أبعد من أهدافها الأولية باتت تملك نوعا جديدا من الأصول وهو "الفائض السلوكي".
 

هذا الفائض السلوكي هو جميع المعلومات عن كل فكرة وكلمة وعمل يمكن أن يتم الاتّجار فيها مقابل الربح في أسواق جديدة تعتمد على توقع أفعال المستخدمين.
 

وفي المقابل، تعلن شركات التكنولوجيا أن مصادر تلك المعلومات ملك لها وترفض أي اعتراض. وتتراكم الثروة والنفوذ في "أسواق عن السلوك في المستقبل" حيث تباع وتشترى التوقعات الخاصة بسلوكياتنا ويخضع إنتاج السلع والخدمات إلى "وسائل جديدة للتعديل السلوكي".

 

نفوذ لم يسبق له مثيل

 

 

توضح الكاتبة أن التهديد في العالم يتحول من مثال الدولة الشمولية التي يقودها "الأخ الكبير" في رواية جورج أورويل "1984" إلى بناء رقمي واسع الانتشار.. إنه "شيء آخر كبير" (وليس أخا كبيرا) يعمل لصالح رأسمال المراقبة.
 

وبفهم فني عميق وخبرة إنسانية واسعة، كتبت زوبوف ما قد يكون أول تفسير واضح للوضع الاقتصادي، وأيضا الاجتماعي والسياسي للعصر الذي نحيا فيه. وهنا شكل جديد من النفوذ لم يسبق له مثيل يتسم بتركيز هائل من المعرفة.
 

ويكشف تحليل زوبوف الشامل والمؤثر عن التهديدات الماثلة أمام المجتمع في القرن الحادي والعشرين "وهي سلسلة محكومة من التواصل الشامل الذي يغري الفرد بوعود مؤكدة بتحقيق أكبر فائدة، وذلك على حساب الديمقراطية والحرية ومستقبلنا البشري".
 

ومع قلة مقاومة القانون أو المجتمع، توشك رأسمالية المراقبة على السيطرة على النظام الاجتماعي وتشكيل المستقبل الرقمي "إذا تركنا لها المجال".
 

ووصف موقع "جودريدز" الكتاب بأنه أحد روائع التفكير والبحث المستقل تقدم فيه الكاتبة تعريفا متعمقا ومثيرا عن الظاهرة.
 

وليست تلك المنطقة بجديدة على زوبوف، ففي كتابها "عصر الآلة الذكية" الصادر عام 1988، تناولت الكاتبة في ذلك الوقت عدة قضايا في عالم الأعمال تمكنت من السيطرة على الحياة اليومية فيما بعد.
 

وفي ظل عملها في شركة أدوية كبيرة في الثمانينيات، لاحظت زوبوف وبتجربة مباشرة كيف تتحول الأدوات الجديدة للاتصالات الداخلية، التي رحب بها الموظفون في بادئ الأمر باعتبارها فضاء جديدا للتواصل والوصول للمعلومات، إلى أدوات للسيطرة والتدخل الإداري.

 

"مخالب" لعبة بوكيمون

 

 

وبجانب الشركات الكبيرة مثل جوجل وفيسبوك عرضت الكاتبة مثالا للعبة إلكترونية هي "بوكيمون جو"، وقالت زوبوف إن لعبة "بوكيمون جو" على سبيل المثال نموذج عن العلاقة بين "الفائض السلوكي" والسيطرة البدنية.
 

"فبينما أشاد لاعبوها في البداية بأنها تحض على الخروج إلى "العالم الفعلي" إلا أنهم اصطدموا بواقع مصطنع بالكامل.

واقع يعتمد على سنوات من تقييد الدافع الإنساني بمكافآت ومصمم لتوجيه مستخدميه إلى فرص تجارية.

 

فبعد أيام من طرح اللعبة في عام 2016، كشف مصمموها عن أن المواقع الافتراضية الجذابة متاحة للبيع لمن يدفع أكثر وهو ما عاد عليهم بصفقات مربحة مع ماكدونالدز وستاربكس وغيرهما من أجل توجيه مستخدمي اللعبة إلى مواقع فروعهم.
 

ظن اللاعبون أنهم يتسلون بلعبة واحدة، وهي جمع البوكيمون، لكنهم في الواقع يلعبون لعبة مختلفة تماما مجلسها غير مرئي بينما هم مجرد "مخالب".
 

صدر الكتاب باللغة الإنجليزية في 691 صفحة لأول مرة في 22 مايو 2018 وصدرت له طبعة أخرى في 15 يناير 2019 وكان يحمل اسما آخر قبل تغييره وهو "سيد أم عبد؟ الحرب من أجل روح حضارتنا المعلوماتية".
 

المصدر كتاب: "عصر رأسمالية المراقبة: المعركة على مستقبل البشر عند حدود القوة الجديدة"

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.