هل الخطة البريطانية الجريئة لمواجهة "كورونا" هي الحل؟ أفلام الخيال العلمي أصبحت حقيقة

2020/03/15 أرقام - خاص

"يتعين على العائلات الاستعداد لفقد أحبائها قبل أوانهم".. بهذه الكلمات الصادمة استهل رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" كلمته لشعب المملكة المتحدة في الثاني عشر من مارس الجاري، والتي أطلعهم خلالها على آخر التطورات المتعلقة بانتشار فيروس "كورونا" الجديد (كوفيد -19) في البلاد وتداعياته المتوقعة.

 

حتى لحظة كتابة هذا التقرير في الساعات الأولى من صباح الخامس عشر من مارس تأكدت إصابة 1140 حالة في المملكة المتحدة بفيروس كورونا الجديد وذلك بزيادة قدرها 342 حالة مقارنة مع اليوم السابق، بينما بلغ عدد حالات الوفاة 21 حالة.

 

 

ومنذ بداية انتشار الفيروس في البلاد وحتى اليوم تتبع الحكومة البريطانية استراتيجية بسيطة جدًا تتمثل في محاولة احتواء تفشي المرض ثم تأخير انتشاره على نطاق واسع بقدر الإمكان. ولكن الآن تستعد الحكومة لتطبيق استراتيجية جديدة تم تطويرها من قبل كبار المستشارين العلميين الحكوميين تقوم على فكرة السماح للفيروس بإصابة نحو 47 مليون مواطن.

 

ببساطة تريد الحكومة البريطانية أن يصاب أغلبية السكان بالفيروس كي تكتسب مناعة ضده في المستقبل وتحقق ما يسمى بـ"مناعة القطيع". ولكن في نفس الوقت، تحرص الحكومة على أن يحدث ذلك بوتيرة بطيئة وعلى مدى نطاق زمني معقول حتى يتسنى لها تقديم الرعاية الطبية لأولئك الذين سيعانون مضاعفات خطيرة.

 

ما "مناعة القطيع"؟

 

"مناعة القطيع" تعرفها "مراكز مكافحة الأمراض واتقائها" (CDC) في الولايات المتحدة على أنها "حالة يكون فيها نسبة كافية من السكان محصنة ضد الأمراض المعدية إما من خلال التطعيم وإما من خلال الإصابة السابقة بالمرض، ما يجعل انتقال الفيروس من شخص لآخر أمرًا غير محتمل".

 

وتقاس الأمراض المعدية مثل "كورونا" بمقياس يسمى "R0" أو "معدل التكاثر الأساسي" والذي يوضح متوسط عدد الأشخاص الأصحاء الذين يمكن لمصاب واحد أن ينقل العدوى إليهم. فعلى سبيل المثال، إذا كان الـ"R0" الخاص بالمرض يساوي 5 فهذا يعني أن المصاب الواحد يمكنه أن ينقل العدوى إلى خمسة أشخاص في المتوسط.

 

 

ولكي تتم السيطرة على أي مرض يجب أن يكون الـ"R0" الخاص به أقل من واحد، لأنه إذا كان أعلى من ذلك سينتشر بين جميع السكان، وكلما زادت قيمة الـ"R0" كلما زادت سرعة انتشار المرض. وتتمثل الطريقة الأساسية التي يلجأ إليها العلماء لتقليل الـ"R0" في السعي لتكوين مناعة ضد المرض المعدي لدى نسبة كبيرة من السكان.

 

تحارب أجسامنا الأمراض المعدية من خلال أجهزتنا المناعية بمساعدة الأجسام المضادة. وهذه الأجسام المضادة يمكن أن يكونها جسم الإنسان إما من خلال التطعيم وإما من خلال الإصابة بالمرض ثم التعافي منه ليصبح لدى جسد الإنسان ذاكرة مناعية تمكنه من محاربة نفس المرض في المستقبل.

 

ولكن المشكلة هي أن فيروس كورونا الحالي (الذي يقترب الـ"R0" الخاص به من 3.28) هو مرض جديد تمامًا ولا يوجد له لقاح كي يتم تطعيم الناس به، وفي نفس الوقت لم يصب به أحد من قبل أي إنه لا يوجد لدى الناس مناعة ذاتية ضده وبالتالي لا يوجد ما يمكن أن يحول دون انتشار المرض ليصيب جميع السكان.

 

لماذا تريد الحكومة أن يصاب 40 مليونًا بالفيروس؟

 

بما أنه من غير المرجح أن يتم تصنيع لقاح للفيروس قبل عام من الآن، فلا يوجد أمام صناع القرار في جميع دول العالم سوى خيارين: إما محاولة محاصرة العدوى والسيطرة على انتشارها إلى أن تختفي كما تفعل الصين وكوريا الجنوبية الآن، وإما السماح للمرض بالانتشار بطريقة مدروسة ليصيب جميع السكان وتتكون لديهم مناعة تحول دون إصابتهم به مستقبلًا.

 

مشكلة النهج الأول والذي يبدو أن الصين نجحت فيه إلى حد كبير، هو أنه يترك البلاد أمام احتمال عودة الفيروس للانتشار مرة أخرى ولكن بشكل أكثر عنفًا وبشاعة بمجرد أن تخفف الدولة من قبضتها الرقابية واستعدادها الطبي، لأن هناك احتمالا قائما لأن يتحول "كورونا" لعدوى موسمية كالإنفلونزا العادية.

 

هذا بالضبط ما دفع بريطانيا للتفكير بجدية في النهج الثاني. ففي حديثه إلى راديو "بي بي سي" يوم الجمعة الماضي قال السير"باتريك فالانس" وهو كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية إنه يرجح أن يصبح كورونا فيروسًا موسميًا، مشيرًا إلى أن أكثر ما يخشاه هو أن يعود الفيروس للانتشار مرة أخرى بشكل يصيب قدرة القطاع الصحي البريطاني بالشلل.

 

 

وأضاف "فالانس" أن الحكومة لا تريد قمع الفيروس وإنما السماح بالانتشار ولكن بشكل مُدار، موضحًا أن الخطة البريطانية تستهدف أن يصاب نحو 60% من سكان بريطانيا بالفيروس لكي تتحقق "مناعة القطيع" التي ستحول دون عودة انتشار المرض مرة أخرى.

 

هذا يعني أن الحكومة البريطانية تريد أن يصاب نحو 40 مليونًا من سكانها بفيروس كورونا الجديد لكي يكتسب هؤلاء مناعة مضادة له تحول دون إصابتهم به مرة أخرى وهو ما سيحد من انتشار الفيروس ويحمي الـ26 مليونًا الباقين. وتأمل الحكومة أن يحدث ذلك قبل عودة الفيروس مرة أخرى في الشتاء القادم كما يرجح مستشاروها العلميون.

 

هل تتم التضحية بالبعض ليعيش الكل؟

 

بما أن التقديرات الحالية تشير إلى أن معدل وفيات "كورونا" يقترب من 2.3% بينما يبلغ معدل من يتعرضون لمضاعفات شديدة نحو 19%، فإن الخطة البريطانية يمكن أن تؤدي إلى وفاة ما يقرب من مليون شخص بالإضافة إلى تعرض نحو 8 ملايين لخطر المعاناة من مضاعفات تحتاج إلى رعاية طبية فائقة.

 

السيناريو المثالي لهذه الخطة هو أن يصيب الفيروس فقط الأشخاص الأكثر قدرة على تحمل أعراضه، ولكن لا يوجد ما يضمن عدمإصابة كبار السن أيضًا بالفيروس حيث إنهم الأكثر عرضة للوفاة بسببه. وإذا لم تجد الحكومة البريطانية طريقة للحيلولة دون إصابة هؤلاء بالمرض فهذا يعني عمليًا أنهم سيصبحون ضحايا تلك الخطة أو ثمن تنفيذها.

 

 

وللأسف يشير الخبراء إلى أنه قد يكون من المستحيل تمامًا أن تتمكن الحكومة البريطانية من عزل الضعفاء أمام المرض أو حتى التعرف عليهم أصلًا. وهذا ما دفع وزيرالتنميةالدولية البريطاني السابق "روريستيوارت" إلى مهاجمة الخطة قائلًا "إن المنطق الكامن وراء خطة الحكومة هو أنها تفضل موت عدد من الناس في وقت مبكر على موت المزيد منهم لاحقًا".

 

من جهتهم، أصدر 245 من العلماء والرياضياتيين بيانًا مشتركًا استنكروا فيه خطة الحكومة الهادفة لتحقيق "مناعة القطيع" من خلال تعمد الامتناع عن السيطرة على الفيروس، مشيرين إلى أن الحكومة بذلك تخاطر بالتسبب في فقدان الآلاف لحياتهم.

 

لكن في المقابل، دعم خبراء آخرون توجه الحكومة. فقد صرح كبير الباحثين في جامعة ساوثهامبتون "مايكل هيد" قائلًا "إن خطة المملكة المتحدة مدعومة بالأدلة المناسبة للسياق المحلي"، مشيرًا إلى أن "ما تفعله البلدان الأخرى مع سكانها الذين لديهم عادات ثقافية واجتماعية مختلفة لا يعني أن بريطانيا تفعل الشيء الخطأ".

 

 

وأخيرًا، يبدو أن بريطانيا ماضية على أي حال في خطتها. ويبقى السؤال: هل تنجح الخطة البريطانية؟ وهل تحذو دول أخرى حذوها قريبًا؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.


 

المصادر: أرقام – الجارديان – التلغراف – بي بي سي – الإندبندنت – المنتدى الاقتصادي العالمي – منظمة الصحة العالمية – ذا كونفرزيشن – فورتشن –وايرد

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.