نبض أرقام
06:52 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/25
2024/11/24

ما السر؟ .. لماذا ترفض شركات الأدوية الكبرى تطوير علاج لفيروس كورونا؟

2020/03/12 أرقام - خاص

مع بداية انتقال فيروس كورونا الجديد في يناير الماضي من الصين إلى كثير من دول العالم ليتحول إلى ما يشبه الوباء، توقع كثيرون أن انتشار هذا الفيروس التاجي القاتل هو بمثابة مفاجأة سارة لشركات الأدوية الكبرى التي ستتسابق على تطوير لقاح مضاد للفيروس تربح بفضله مليارات الدولارات.

 

 

ولكن هذا ليس الحال، فحتى الآن لم تعلن أي من شركات الأدوية العالمية الكبرى المعروفة عن توجهها لتطوير لقاح مضاد للفيروس الجديد. هذا التقاعس وصفه مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية بالولايات المتحدة الدكتور "أنتوني فوشي" بأنه شيء "صعب جدًا ومحبط للغاية".

 

وبينما يقف العالم أجمع اليوم على قدميه حرفيًا في انتظار ظهور علاج للفيروس الجديد بإمكانه وضع حد للمأساة، لا يزال الكبار بقطاع الأدوية غير متحمسين للمضي قدمًا في عملية تطوير لقاح للفيروس الذي أطلق عليه مؤخرًا اسم "كوفيد 19"، فما السر؟ ببساطة تخشى شركات الأدوية الكبرى أن تنتهي أزمة كورونا بسرعة كما حدث مع أوبئة أخرى ظهرت خلال العقدين الماضيين!

 

أين اختفى الكبار؟

 

في مقدمة الشركات الخاصة التي تبذل جهودًا من أجل تطوير لقاح لفيروس كورونا الجديد تأتي شركة صغيرة لا يزيد عمرها في السوق على تسع سنوات تعرف باسم "مودرنا"، والتي يدعم جهودها "تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة" (CEPI) وهو عبارة عن شراكة بين الحكومات وصناعة الدواء والمنظمات الخيرية أنشئت قبل ثلاث سنوات لمكافحة الأمراض المستجدة التي تهدد الصحة العالمية.

 

بدأت "مودرنا" في العمل على اللقاح في العاشر من يناير الماضي وذلك بمجرد نشر العلماء الصينيين للكود الوراثي الخاص بفيروس كورونا على الإنترنت. وبحلول السابع من فبراير تمكن علماء الشركة من تصنيع جرعات من عشرات اللقاحات المختلفة التي تستعد لاختبارها في أبريل القادم.

 

 

لكن رغم هذا الرتم السريع، يقول العلماء إن الأمر قد يستغرق في أحسن الأحوال ما يتراوح بين عام و18 شهرًا قبل أن يتاح أي لقاح للفيروس في السوق. فبعد تجربة الأمان الأولية التي ستجريها الشركة الشهر القادم لا تزال هناك حاجة لإجراء كم هائل من التجارب السريرية لاختبار مدى كفاءة اللقاح، وهو الأمر الذي يستغرق عادة شهورا وربما سنوات.

 

وبناءً على ذلك لن يكون اللقاح مفيدًا من الناحية المالية لمطوريه إلا إذا استمرت أزمة كورونا لفترة طويلة تتجاوز العامين، أو لو عاد الفيروس للانتشار مرة أخرى بعد انحساره وأصبح مرضًا مستوطنًا مثل الإنفلونزا الموسمية.

 

الأرباح هي القبلة

 

يمتنع حتى الآن الكبار بصناعة الأدوية عن الاستثمار بكثافة في تطوير لقاح مضاد لكورونا، واكتفت شركات مثل "جلاكسو سميث كلاين" و"جونسون آند جونسون" بتقديم الدعم للمؤسسات التي تقود جهود مكافحة كورونا.

 

وهذا بالمناسبة ليس سلوكًا جديدًا، فقد كان هناك تجاهل شبه تام من قبل شركات الأدوية الكبرى للأوبئة الفيروسية التي ظهرت فجأة خلال العقدين الماضيين. فمن بين فيروسات "سارس" و"ميرس" و"إيبولا" و"زيكا" لم يتم تصنيع سوى اللقاح الخاص بفيروس "إيبولا" والذي تمت الموافقة عليه العام الماضي، ومن غير المرجح أن يحقق هذا اللقاح أي أرباح للشركة المطورة له.

 

ببساطة، لا تستثمر شركات الأدوية الكبرى أموالها ومواردها إلا في الأمراض واسعة الانتشار والمستمرة التي يمكن أن تبيع علاجها للناس إلى الأبد. فالصيد الثمين بالنسبة لهذه الشركات والذي يستحق المخاطرة هو لقاح مثل "جارداسيل" المضاد لفيروس الورم الحليمي البشري والذي أصدرته شركة "ميرك" في عام 2006 وتجني بفضله اليوم حوالي مليار جنيه إسترليني سنويًا.

 

 

وبالمناسبة، شركة "ميرك" – التي تعد ثالث أكبر شركة أدوية في العالم من حيث القيمة السوقية – هي أيضًا واحدة من الشركات الكبرى التي ترفض حتى الآن المضي قدمًا في استثمار مواردها في تطوير علاج لفيروس كورونا الجديد. باختصار، عملية تطوير لقاح طويلة ومكلفة وما لم يكن هناك سوق كبير لذلك العقار فإن الأمر من وجهة نظر الشركات الكبيرة لا يستحق ذلك العناء.

 

وحتى لو تحمست شركات الأدوية الكبرى فجأة لتطوير لقاح لكورونا فإن العمل عليه قد يتوقف في أي لحظة إذا ما انحسرت رقعة انتشار الفيروس. هذا بالضبط ما حدث خلال أزمتي فيروسي "سارس" و"ميرس" اللذين ينتميان إلى عائلة كورونا الفيروسية، حيث توقف العمل على تطوير لقاحات لهما بمجرد انتهاء الأزمة بعد عدة شهور.

 

ما الذي تخشاه شركات الأدوية؟

 

في عام 2009 تحمس عدد من شركات الأدوية الكبرى لتطوير لقاح مضاد لإنفلونزا الخنازير، وتم الانتهاء منه بسرعة ولكن ليس بالسرعة الكافية. فمع بدء انحسار رقعة انتشار الفيروس قامت الكثير من الحكومات التي تعاقدت مع شركات مثل "جلاكسو سميث كلاين" لشراء كميات كبيرة من اللقاح بفسخ عقودها، مما أثر سلبًا على أرباحها.

 

وما زاد الطين بلة بالنسبة لـ"جلاكسو سميث كلاين" هو اضطرارها لسحب لقاحها الخاص بإنفلونزا الخنازير الذي تم إعطاؤه لستة ملايين شخص من السوق بعد أن اكتشف لاحقًا أنه يسبب "الخدار" وهي حالة مرضية تتسبب في أن يدخل الشخص في نوبات نوم مفاجئة عدة مرات في النهار.

 

وفي عام 2014 وقعت نفس الشركة في أزمة بسبب مرض فيروسي آخر. فبعد استثمارها لسنوات في تطوير ثلاثة لقاحات لفيروس "إيبولا" اضطرت الشركة للتوقف بعد وصولها للمرحلة النهائية من التجارب السريرية وذلك على خلفية تضاؤل عدد المصابين بالفيروس بشكل كبير قرب نهاية عام 2014.

 

 

ومع عدم وجود إمكانية تحقيق أي أرباح استسلمت "جلاكسو سميث كلاين" في نهاية المطاف وسلمت النتائج لمؤسسة غير ربحية بالولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه التجربة بمثابة عبرة لشركات الأدوية الكبرى الأخرى والتي أصبحت تفضل التركيز على علاجات الأمراض التي يوجد لها أسواق مضمونة كالسرطان والسكر.

 

في حديثه للتلفزيون السويسري لخص رئيس الاتحاد الدولي لمصنعي الأدوية الوضع قائلًا إن الشركات تخشى أن يكون مصير "كورونا" مثل "سارس". وتابع "قبل نحو 17 عامًا كانت هناك شركات بدأت في تطوير لقاحات لعلاج سارس، ولكن عندما حان وقت إجراء التجارب السريرية لم يكن هناك المزيد من المرضى لأن الفيروس قد رحل".

 

باختصار، لم تلق شركات الأدوية الكبرى حتى الآن بثقلها في عملية تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا الجديد لأنها لا تزال لا تمتلك الضمانات الكافية لأن تحقق أي أرباح معتبرة إذا ما قررت الخروج في هذا الطريق وصرف مليارات الدولارات من أموالها في ذلك المسعى.

 

ولا يجب أن ننسى أنها بالنهاية شركات مدرجة بالبورصة لها مساهمون لن يرحموا مجالس الإدارات إذا ما تراجعت ربحية السهم بسبب فشل استثماراتها. ولا يوجد سيناريو أسوأ بالنسبة لشركات الأدوية من أن تستثمر أموالها في تطوير لقاح ثم يختفي الفيروس!

 

المصادر: أرقام – بلومبرج – الجارديان – بي بي سي – نيويورك تايمز – إذاعة سويسرا العالمية – فاينانشيال تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.