نبض أرقام
12:18 م
توقيت مكة المكرمة

2024/12/04
2024/12/03

"أينشتاين" ورفقاؤه .. كيف رجح العنصر البشري كفة الأمريكيين على "هتلر"؟

2020/03/14 أرقام - خاص

حشود هائلة من المهاجرين تقف على حدود الولايات المتحدة تستعطف السلطات الأمريكية كي تسمح لها بالدخول إلى الأراضي الأمريكية، غير أن السلطات تحتجزهم أولاً في معسكرات بعضها شديد السوء إلى أن يفحص مسؤولو الهجرة أوراقهم.


 

ربما قارنت أذهان الجميع بين ذلك وأزمات المهاجرين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، لكن الحديث هنا عن قصة مختلفة دارت أحداثها  في ثلاثينيات القرن الماضي على جزيرة "أليس" الواقعة بالقرب من ميناء نيويورك، الجزيرة التي استقبلت الولايات المتحدة من خلالها ما يقرب من 12 مليون مهاجر في الفترة ما بين عامي 1892 و1954.

 

المهاجر الاستثنائي

 

بينما يحكم النازيون قبضتهم على السلطة في ألمانيا ويضطهدون اليهود والمثقفين ذوي الميول اليسارية في جميع أنحاء أوروبا، فر الكثير من هؤلاء إلى الولايات المتحدة. وكان بين أولئك الفارين عالم الفيزياء الشهير "ألبرت أينشتاين" الذي وصل إلى الشواطئ الأمريكية في عام 1933، قبل أن يحصل على الجنسية بعد عدة سنوات ويحلف يمين الولاء في نيوجيرسي.

 

بفضل شهرته ومكانته العلمية المرموقة كأحد الحاصلين على "نوبل" في الفيزياء دخل "أينشتاين" بسهولة إلى الولايات المتحدة، خصوصاً وأنه كان ذائع الصيت في المجتمع العلمي العالمي بفضل نظرية النسبية الخاصة التي قدمها للعالم في عام 1905.


 

كانت قدرة الولايات المتحدة على جذب علماء مثل "أينشتاين" نقطة تحول حاسمة بالنسبة للجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة من بعدها. كان الأمريكيون يدركون جيداً أن المورد الأكثر قيمة في أي جيش هو المورد البشري.

 

فقد كانت هذه الحرب حرب عقول قبل أن تكون حرباً بالطائرات والدبابات. والأمر لا يتعلق بالعدد فقط، بل يجب أن يكون لدى أفراد الجيش المهارات المناسبة لأداء الوظائف الضرورية بكفاءة عالية لضمان التفوق على الخصم.

 

"أينشتاين" الذي كان مشهوراً بعمله في مجال البحوث دون الذرية غادر ألمانيا التي ولد فيها لأسرة يهودية في بدايات ظهور الحزب النازي لخوفه على أمانه الشخصي، خصوصاً بعد خلافه الشهير مع "فيليب لينارد" الحاصل على نوبل والذي كان داعماً بشدة للنظام النازي.

 

الرسالة النووية

 

كان "أينشتاين" على دراية بالبحوث الألمانية الهادفة إلى إنتاج قنبلة ذرية لأنه ساهم في جزء كبير منها قبل أن يغادر ألمانيا، ولذلك بعد وصوله إلى الولايات المتحدة بعدة سنوات طلب الانضمام إلى "مشروع مانهاتن" لمساعدة واشنطن على تصنيع القنبلة الذرية كي تتمكن من ردع الألمان إذا تمكنوا هم أيضاً من صنعها.

 

في الثاني من أغسطس 1939 وقع "أينشتاين" باسمه على رسالة موجهة إلى الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" تحذره من أن النازيين ربما يعملون على تطوير أسلحة نووية، وعلى هذا الأساس طلب منه الموقعون أن تخزن الولايات المتحدة خام اليورانيوم وأن تبدأ في العمل على إنتاج أسلحتها النووية الخاصة.


 

"أينشتاين" لم يكن هو من كتب الرسالة وإنما من خطها بيده هو عالم الفيزياء المجري الأمريكي "ليو زيلارد" قبل أن يرسلها إلى قرية "بيكونيك" بجزيرة لونج أيلاند حيث كان يعيش "أينشتاين" لكي يحصل على توقيعه إلى جانب توقيع عالمي فيزياء آخرين.

 

بفضل "أينشتاين" وزملائه من الفيزيائيين ذوي المهارات العالية -الذين كان معظمهم مهاجرين- تمكنت الولايات المتحدة من الحصول على التكنولوجيا التي غيرت موازين القوة العسكرية خلال ما تبقى من القرن العشرين والتي منحتها أيضاً ميزة على الدول الأخرى إلى أن تمكن الاتحاد السوفييتي بعدها بسنوات من الوصول إلى نفس التكنولوجيا.

 

مثّل اكتشاف التكنولوجيا النووية تحولاً كبيراً في مقاييس القوى وطبيعة أدوات النفوذ بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وطوال الحرب الباردة التي استمرت لنحو 44 عاماً ولم تنته إلا مع سقوط النظام السوفييتي في عام 1991.

 

الرجل الذي بدأ كل شيء يندم

 

بعد مرور نحو ست سنوات من إرسال "أينشتاين" ورفاقه تلك الرسالة إلى "روزفلت" وفي يومين لن ينساهما العالم أبداً أسقطت الولايات المتحدة القنبلتين النوويتين المعروفتين باسم "ليتل مان" و"فات بوي" على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، ليتمكن الأمريكيون في لحظات من قتل آلاف الجنود والبحارة وحتى النساء والأطفال والعجائز.

 

لاحقاً ندم "أينشتاين" على إرساله تلك الرسالة. وفي مقال نشرته مجلة "نيوزويك" الأمريكية في عام 1947 في عددها الذي تصدرته عبارة "الرجل الذي بدأ كل شيء" صرح "أينشتاين" قائلاً: "لو كنت أعلم أن الألمان لن ينجحوا في إنتاج القنبلة الذرية لما رفعت إصبعاً أبداً". أي لما وقعت على تلك الرسالة.


 

في الواقع فشل النازيون في استكمال البحوث اللازمة لإنتاج القنبلة النووية التي كان يخشاها "أينشتاين" وزملاؤه، وذلك لأسباب كثيرة ربما كان أهمها هو فرار الكثير من العلماء المختصين بالفيزياء النووية من ألمانيا ومن الأراضي التي كانت تسيطر عليها وهو ما أبطأ تقدمهم.

 

باختصار كان الوضع كالتالي: المورد البشري المهم من أجل إنتاج القنبلة النووية والمتمثل في العلماء فر جزء كبير منه إلى الولايات المتحدة التي استغلت ذلك لصالحها، لتتمكن في النهاية من الوصول قبل الجميع إلى التكنولوجيا النووية التي ساعدتها على إنهاء الحرب العالمية بسرعة.

 

 

المصادر: أرقام – التايم – نيوزويك – كتاب "الاقتصاد والحرب الحديثة" لـ"مايكل تايلارد"

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.