نبض أرقام
06:04 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

تداعيات "كورونا" مستمرة .. العالم يواجه شبح نقص الكثير من الأدوية المهمة

2020/03/02 أرقام - خاص

"عندما تتحكم في إمدادات الأدوية فإنك تتحكم في العالم" .. وردت العبارة السابقة على لسان "روزماري جيبسون" المستشارة بمعهد الأبحاث الأمريكي "هاستنجز" أثناء شرحها لمخاطر السيطرة الصينية المتنامية على سوق الأدوية العالمي، وذلك خلال جلسة استماع عقدت أمام لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين بالكونجرس في 31 مايو 2019.

 

كلمات "جيبسون" – وهي أيضًا المؤلفة المشاركة لكتاب "وصفة الصين الطبية: الكشف عن مخاطر اعتماد الولايات المتحدة على الصين في الطب" – لم تكن أبدًا من قبيل المبالغة، حيث إنه لم يمر سوى بضعة أشهر قبل أن يدرك العالم صدق كلماتها بعد أن أصبحت احتياجات الكثير من سكان الكوكب من الأدوية على المحك بسبب المصاعب التي تواجهها الصين مؤخرًا.

 

 

تعتمد أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم على الصين لدرجة أنه إذا قامت الأخيرة بتعطيل صادراتها من الأدوية والمواد الفعالة سواء بإرادتها أو بغير إرادتها فإن المستشفيات والعيادات الطبية والصيدليات في كثير من دول العالم ستغلق أبوابها في غضون عدة أشهر إن لم يكن أسابيع بسبب نقص الأدوية.

 

هذا يعني أن تفشي فيروس "كورونا" الجديد سيكون ضارًا جدًا بصحة الكثيرين ولكن ليس فقط للأسباب التي تخيلوها، حيث إن احتمال أن يؤذيهم الفيروس التاجي بشكل غير مباشر من خلال التأثير على احتياجاتهم الطبية الأخرى أكبر بكثير من احتمال إصابتهم بشكل مباشر.

 

شلل لدى أكبر منتج للمواد الدوائية الفعالة في العالم

 

حتى لحظة كتابة هذا التقرير في الساعات الأولى من صباح الثاني من مارس الجاري بلغ عدد المصابين بفيروس كورونا الجديد حوالي 88300 مصاب يتوزعون على 61 دولة حول العالم. ويرجح الكثير من الخبراء اتساع نطاق الإصابات خلال الأيام والأسابيع القادمة.

 

الصين مصدر الفيروس وصاحبة أكبر عدد من الإصابات اضطرت لإغلاق الكثير من منشآتها الصناعية في جميع أنحاء البلاد وذلك في إطار جهودها الرامية للحد من انتشار الفيروس. وبالتالي أصبح الأمر مسألة وقت قبل أن ينعكس توقف المصانع الصينية عن العمل على كثير من سلاسل الإمداد العالمية التي تعتمد على الصين.

 

هذه الإجراءات شملت بالتأكيد مصانع الدواء والمستحضرات الصيدلانية الصينية التي تعتمد عليها أكثر دول العالم في تأمين احتياجاتها من الأدوية مكتملة التصنيع أو من المواد الكيميائية الوسيطة الداخلة في صناعة الأدوية والتي تسمى المكونات الدوائية الفعالة (APIs).

 

 

في مقاطعة هوبي التي تعتبر مركز تفشي فيروس كورونا الجديد يوجد هناك 44 منشأة لتصنيع الأدوية معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أو من نظيرتها الأوروبية من بينها 35 منشأة تنتج المكونات الفعالة و5 تصنع أدوية نهائية و4 تنتجهما.

 

الولايات المتحدة على سبيل المثال، تستورد 80% من احتياجاتها من المكونات الدوائية الفعالة من دول مختلفة حول العالم في مقدمتها الصين. وفي الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2018 زادت الواردات الأمريكية من المستحضرات الصيدلانية الصينية بنسبة 76%، بينما ارتفعت وارداتها من المعدات الطبية الصينية بنسبة 78% خلال الفترة نفسها.

 

الهيمنة الصينية على صناعة الأدوية العالمية ليست مصادفة. فوفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن "لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين" تعاظمت سيطرة قطاع الأدوية الصيني لعدة أسباب من بينها الدعم الحكومي وصناعة الكيماويات القوية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وهي جميعها عوامل ساهمت في ظهور الصين كأكبر منتج للمكونات الدوائية الفعالة في العالم.

 

نقص الأدوية المعروضة بدأ بالفعل

 

في الأسبوع الماضي كشفت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عن قيام أحد مصانع الأدوية في الولايات المتحدة بالإبلاغ عن عدم قدرته على إنتاج دواء بشري – لم تسمه – بسبب أن المصنع الصيني الذي ينتج المكون الفعال الخاص بالدواء مغلق حاليًا على خلفية الاضطرابات الأخيرة التي تسبب فيها فيروس كورنا الجديد.

 

وللأسف من المرجح أن يتزايد مع الوقت عدد الأدوية التي تواجه نقصًا في المعروض وخصوصًا تلك المصنعة بالكامل في الصين أو التي تعتمد على المكونات الفعالة الصينية. فوفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، تسيطر الصين وحدها على ما يقرب من 20% من الإنتاج العالمي من المكونات الدوائية الفعالة.

 

 

مئات العقاقير التي يعتمد عليها كثير من سكان العالم في علاج ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والكلى والسكتات الدماغية مصنعة من مكونات فعالة صينية. كما أن كثيرا من المضادات الحيوية بما في ذلك البنسلين – وهو أشهر مضاد حيوي على الإطلاق – تصنع في الصين ويستوردها عدد كبير من دول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة مخترعة البنسلين.

 

المثير للسخرية هو أنه حتى الهند التي تعتبر أكبر منتج للأدوية المكافئة (Generic drugs) في العالم تعتمد بشكل تام تقريبًا على المكونات الفعالة المصنعة في الصين. وفي بداية فبراير الماضي صرح العضو المنتدب لشركة الأدوية الهندية "صن فارماتيكال إندستريز" قائلًا "إن بعض المواد الخام تأتي بشكل حصري من الصين بما في ذلك المضادات الحيوية مثل الأزيثروميسين والبنسلين والسيفالوسبورين."

 

هل يتلاعب الصينيون بجودة الأدوية؟

 

ما يثير القلق حول تداعيات كورونا على صناعة الأدوية لا يتعلق بحجم المعروض فقط وإنما يمتد ليشمل جودة الأدوية نفسها. فالصين لا تراقب بشكل فعال الشركات المصنعة للأدوية لديها، ومن الممكن جدًا أن يلجأ عدد من هذه الشركات إلى انتهاك معايير الجودة بغرض استغلال تنامي الطلب العالمي في تحقيق مكاسب مضاعفة.

 

هناك حوادث عديدة ألقت بظلال من الشك على جودة وسلامة وفاعلية المنتجات الصيدلانية الصينية. فعلى سبيل المثال، في عام 2018 باعت شركة الأدوية الصينية "جيجيانج هواهاي فارماتيكالز" لكثير من دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا دواء يستخدم في علاج ضغط الدم ملوث بمادة كيميائية مسببة للسرطان.

 

 

وقبل ذلك التاريخ بعشرة أعوام، وتحديدًا في عام 2008 استخدمت شركة أدوية صينية مادة فعالة ملوثة في تصنيع مضاد تخثر الدم "هيبارين" وهو ما أدى إلى وفاة 81 شخصا في الولايات المتحدة وحدها.

 

وما يزيد من حجم القلق حيال مسألة جودة المنتجات الدوائية الصينية هو أنه على خلفية القيود المفروضة مؤخرًا على السفر من وإلى الصين بسبب فيروس كورونا علقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عمليات التفتيش التي كانت تجريها بشكل دوري على مصانع الأدوية والأجهزة الطبية في الصين للتأكد من مطابقتها للمواصفات.

 

هل ينجو أحد؟

 

تداعيات كورونا على قطاع الأدوية ستطال الجميع بمعنى الجميع، وخصوصًا الدول التي تعتمد بشكل كبيرة على تأمين احتياجاتها الدوائية من خلال الاستيراد.

 

واعتماد صناعة الأدوية العالمية بهذا الشكل على الصين التي تعاني من اضطرابات كبيرة من غير المرجح أن تنتهي قريبًا سيعرض الكثير من سكان العالم غير المصابين بفيروس كورونا لمخاطر نقص المعروض من عدد كبير من الأدوية المهمة وارتفاع أسعارها.

 

 

يشير الخبراء إلى أنه أصبح من الواجب الآن على الحكومات حول العالم أن تسرع في إعداد قائمة بالأدوية والعقاقير المهمة الضرورية المنتجة بشكل حصري في الصين أو التي تعتمد على مكونات فعالة صينية واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل ضمان توافر هذه الأدوية لمواطنيها.

 

المصادر: أرقام – نيويورك تايمز – إدارة الغذاء والدواء الأمريكية – واشنطن بوست – ريسرش آند ماركتس – سيتي جورنال

 

كتاب: China Rx: Exposing the Risks of America's Dependence on China for Medicine

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.