تمثل الطاقة الكهرومائية المصدر الأكبر للطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر متجددة في العالم متخطية بذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وعلى الرغم من سمعتها الإيجابية التي اكتسبتها من الأوساط العلمية والأكاديمية على حد سواء إلا أن للطاقة الكهرومائية جانبًا مظلمًا قد يهدد النظام البيئي للمياه العذبة حول العالم أكثر من النفط والغاز أو أى شكل آخر من أشكال الطاقة.
في عام 2019 بلغت القدرة الإجمالية للطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر متجددة حول العالم حوالي 2351 جيجاوات، تم توليد نصفها تقريباً أو حوالي 1172 جيجاوات من الطاقة المائية للسدود والخزانات الضخمة التي تعتمد على ارتفاع المسقط الرأسي أو من التوربينات النفاثة التي تعتمد على انخفاض المسقط الرأسي، ولكلا النوعين آثارهما السلبية على البيئة.
آثار سلبية
في مقال حديث نشرته "فوربس" قال عالم المياه العذبة "جيف اوبرمان" إن ثلثي الأنهار الطويلة في العالم قد تم تسخيرها لإنشاء السدود بهدف إنتاج الطاقة الكهربائية. ولهذا السبب فقدنا حوالي 70% من المناطق الرطبة على الكوكب ويرجع جزء كبير من هذه الخسارة إلى ما نطلق عليه إدارة الموارد المائية والتي تقوم في الأصل على تدخل الإنسان في تغيير مجاري الأنهار الطبيعية سواء لاستخدامها في الزراعة أو الصناعة أو لإنتاج الكهرباء.
فعلى الرغم من الفوائد الجمة التي حصلنا عليها كبشر من إدارة الموارد المائية، إلا أن ذلك كان سبباً في فقدان كائنات أخرى لمواطنها الأصلية وغيرت في النظام البيئي الهش للمياة العذبة. حيث انخفضت أعداد الكائنات الحية التي تعيش في النظام البيئي للمياه العذبة بمقدار 83% في الفترة ما بين عامي 1970 و2014 وفقاً لتقرير "الكوكب الحي" الصادر مؤخرًا عن الصندوق العالمي للطبيعة.
وبغض النظر عن أن فقدان هذه الكائنات الحية هو مأساة بحد ذاته إلا أن هذا التغير في النظام البيئي له آثاره السلبية على البشر أيضا، ففقدان الأسماك التي تعيش بالمياه العذبة يؤدي إلى اندثار المجتمعات التي تعتمد على الصيد كمصدر رزقها. كما أن هناك خطرا متزايدا من حدوث فيضانات بسبب السدود.
وينحصر التأثير السلبي للطاقة الكهرومائية على البيئة في ثلاث مشكلات رئيسية: إغراق الأراضي الصالحة للزراعة أو الغابات، ومنع تدفق الرواسب والمواد المغذية والضرورية لاستمرارية النظم البيئية للمياه العذبة، وأخيراً عرقلة مسارات الأسماك المهاجرة مما يقلل من أعدادها ويؤدي إلى انقراضها.
بناء السدود بشروط
قد يتساءل المرء عما إذا كانت هذه الآثار السلبية تبطل إيجابيات توليد الطاقة الكهرومائية كبديل لتوليد الوقود الأحفوري، وفي الواقع توجد هناك الكثير من الحجج للجانبين سواء المؤيد أو المعارض. ولكن تبقى الحقيقة أنه ليست كل الطاقة الكهرومائية جيدة للبيئة. ولكن يوجد بصيص من الأمل مصدره أن التخطيط الصحيح للسدود الجديدة يمكنه تخفيف التأثير السلبي للطاقة الكهرومائية على البيئة.
أصدر فريق مؤلف من 25 عالمًا مؤخرًا ورقة بحثية تحدد ست خطوات لتخفيف الأثر السلبي للنشاط البشري على الكائنات الحية في المياه العذبة. تتضمن هذه الورقة التي تحمل عنوان "خطة الاسترداد الطارئة للتنوع البيولوجي للمياه العذبة" تدابير مختلفة مثل الحفاظ على التدفق الطبيعي للأنهار، حيث يتعين على مشغلي السدود إطلاق كمية معينة من المياه في الأنهار ذات السدود للحفاظ على تدفقها – ووضع قواعد للحد من أثر الصناعات الأكثر تلويثًا، والعمل على الحفاظ على الكائنات المهددة بالانقراض.
ويبدو أن تنظيم تدفق الأنهار هو الخطوة الأولى لاسترجاع الكائنات التي تقطن بالمياه العذبة مرة أخرى. يقول "جيف أوبرمان" وهو أحد المشاركين بالدراسة إن إطلاق ما يسمى بالتدفقات البيئية يمكن أن يساعد في استعادة المكونات الرئيسية لنظام التدفق الطبيعي للأنهار ذات السدود ، وهي الخطوة التي من شأنها أن تساعد في استعادة أنواع الحياة المختلفة بالمياه العذبة.
والقواعد التنظيمية ضرورية في هذه الحالة. فعلى سبيل المثال تطلب الولايات المتحدة من مشغلي السدود إطلاق التدفقات البيئية (وهي كمية الماء اللازم توافرها في مجرى مائي للحفاظ على نظام بيئي سليم ) في الأنهار من أجل تجديد تراخيصهم، ولكنها ليست ممارسة شائعة في جميع أنحاء العالم.
كما أن للقواعد التنظيمية دورًا في المساعدة على الحفاظ على الحياة في المياه العذبة أيضاً. فعلى سبيل المثال في حالات سلاسل السدود إذا ما تم إزالة بعض هذه السدود فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى مساعدة الكائنات التي توشك على الانقراض بطريقة عجيبة. إلا أن هذا الإجراء يجب أن يتم بمشاركة نشطة من قبل الحكومات.
كما يجب أن تكون لعملية التخطيط لبناء السدود قواعد ومتطلبات محددة، ولا تترك لأصحاب الأعمال دون رقابة لأنه بمراجعة التاريخ نجد أن كل ما يهم اصحاب الأعمال هو الأرباح فقط.
لذلك يبدو أن الحكومات التي تحمل على عاتقها مسؤولية جعل العالم مكانًا أفضل بدأت في وضع سياسات تهدف إلى تخفيف الآثار السلبية للطاقة الكهرومائية على البيئة.
ففي أوروبا وأمريكا الشمالية، يتجاوز عدد السدود التي تزال تلك التي تبنى كما توضح ورقة بحثية أخرى تناقش كيفية جعل الطاقة الكهرمائية أكثر ملاءمة للبيئة. ومن المعروف أن منشآت الطاقة الكهرومائية لها عمر معين ولا تتمتع بحياة إنتاجية طويلة كما قد يعتقد البعض، حيث تتم حالياً إزالة العديد من السدود التي بنيت في الخمسينيات.
ولكن على صعيد آخر، نجد أن بناء السدود الضخمة في آسيا مزدهر، مما يعني ظهور أعراض مثل التصحر وفقدان الأراضي الرطبة وانقراض الكائنات الحية في المياه العذبة. إذن فالأمر يعود للحكومات الآسيوية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف الآثار السلبية للطاقة الكهرومائية على البيئة، ولا يزال بإمكانهم تجنب الأخطاء التي وقعت فيها الحكومات في أوروبا وأمريكا الشمالية.
المصدر: أويل برايس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}