نبض أرقام
07:30 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/12/18
2024/12/17

عالم رياضيات يلعب في سوق الأسهم .. كيف خانه ذكاؤه؟

2020/01/17 أرقام - خاص

"لقد كنت مدفوعاً بالبهجة والجشع والغطرسة. لقد أصبحت مفتوناً ومغرماً". على لسان عالم الرياضيات الأمريكي "جون ألين بولوس" وردت العبارات السابقة أثناء سرده لقصة إدمانه، ولكنه لم يكن مدمناً للكحول أو المخدرات، بل كان مدمناً لسهم شركة الاتصالات الأمريكية "وورلد كوم".


 

"بولوس" هو شخص شديد الذكاء، ويعمل أستاذاً للرياضيات بجامعة "تيمبل" الأمريكية، وألّف العديد من الكتب من أهمها كتاب "Innumeracy" أو "الأمية الرياضياتية". وفي أي اختبار ذكاء من المرجح أن يحصل البروفيسور "بولوس" على درجة عالية جداً. ورغم ذلك ارتكب الرجل خطأ غبياً بل سلسلة من الأخطاء الساذجة التي ما كان ينبغي لمثله أن يقع فيها.
 

سهم واحد .. مركز واحد
 

بدأت القصة بقرار واحد قد يختلف الناس فيما إذا كان حكيماً أو لا: فقد اشترى البروفيسور "بولوس" كمية من أسهم شركة "وورلد كوم" في أوائل عام 2000 مقابل 47 دولاراً للسهم. لم يدر "بولوس" حينها أنه دخل السوق وهو في قمته أي في الوقت الخاطئ تماماً، وسرعان ما انخفضت قيمة السهم إلى 30 دولارا في وقت لاحق من نفس العام.
 

يتابع "بولوس" سرد قصته في كتابه الشهير "عالم رياضيات يلعب في سوق الأسهم" والصادر في عام 2003 قائلاً إن صناعة الجوالات بعيدة المدى – وهو القطاع الذي تعمل فيه "وورلد كوم" – كان يعاني في ذلك الوقت من التكدس والطاقة الإنتاجية المفرطة، وهو ما يهدد بوضوح مستقبل "وورلد كوم".
 

 

ومع ذلك يعترف "بولوس" أنه تجاهل تلك المعلومة المهمة وبدأ يبحث على المواقع والمنتديات وشاشات التلفاز عن الأخبار والرؤى والتحليلات التي تتحدث بشكل إيجابي حول حاضر ومستقبل "وورلد كوم" حتى لو كانت تلك الرؤى والتحليلات لا يدعمها المنطق ولا شواهد الواقع، بسبب عدم رغبته في الاعتراف بأنه اتخذ قراراً خاطئاً وعليه تصحيحه.
 

في أكتوبر من عام 2000 استمر سهم "وورلد كوم" في التدهور ليصل إلى 20 دولارا. ولكن ماذا فعل "بولوس" حينها؟ اشترى كميات إضافية من السهم، على الرغم من أنه يعترف بنفسه في الصفحة رقم 24 من كتابه بأنه فعل ذلك رغم إدراكه لوجود المزيد من الأدلة التي تشير إلى أن الشركة في طريقها للضياع، وأنه كان يجب أن يبيع لا أن يشتري المزيد.
 

"بولوس" يرفض مساعدة نفسه
 

مع ازدياد الأمور سوءاً أخفى "بولوس" عن أسرته وتحديداً زوجته أنه كان يزيد من حجم مركزه في "وورلد كوم" باستخدام رافعة مالية، أي أنه كان يشتري بأموال مقترضة.
 

بعد أن فقد السهم نصف قيمته مرة أخرى قام "بولوس" بخطوة غريبة بعض الشيء، حيث أرسل رسائل إلكترونية إلى الرئيس التنفيذي لـ"وورلد كوم" "بيرني إيبيرز" يعلن فيها استعداده للمساعدة في محاولة يائسة للسيطرة على الموقف، وهي الرسائل التي وصفها "بولوس" نفسه في الكتاب بأنها غبية وغير مجدية.
 

 

تحديداً اقترح "بولوس" على رئيس "وورلد كوم" استخدام مهاراته الكتابية في كتابة بيان تصدره الشركة للعامة تعرض خلاله قضيتها بشكل أكثر فاعلية، وهي الخطوة التي أبرزت بشكل واضح حالة الإنكار التي كان يعيشها "بولوس" لكل الشواهد والأدلة التي تشير إلى أن حالة "وورلد كوم" ميؤوس منها، وأنه من الأفضل له القفز من السفينة قبل فوات الأوان.
 

رغم كل ذلك، رفض "بولوس" التخلي عن السهم، وبحلول أواخر عام 2001 وصل هوسه بالأمر إلى حد أنه كان يتابع تغير سعر السهم كل ساعة.
 

في أبريل من عام 2002 كان "بولوس" لا يزال متمسكاً بنفس الاستراتيجية وهي شراء المزيد من السهم كلما انخفض سعره، وهو ما دفعه لزيادة مركزه في "وورلد كوم" حتى بعد وصول السهم لمستوى 5 دولارات.
 

ذكي ولكن..
 

لكن في التاسع عشر من نفس الشهر ارتفع سعر السهم من 5 دولارات إلى أكثر من 7 دولارات، وحينها قرر "بولوس" أخيراً البيع. ولكن ذلك اليوم كان يوم جمعة أي آخر أيام الأسبوع، وكانت لديه محاضرة في شمال ولاية نيوجيرسي ولم يتمكن من العودة إلى المنزل إلا بعد إغلاق السوق. وهكذا اضطر "بولوس" للانتظار حتى يوم الإثنين لكي ينفذ قراره بالبيع.
 

جاء الإثنين وفي بداية التداولات خسر السهم ثلث قيمته، ورغم ذلك قرر "بولوس" وضع حد لمعاناته وقرر التخلص من السهم على أي حال، ليبيعه في النهاية بخسارة كبيرة.
 

انهارت "وورلد كوم" في نفس العام بعد أن تم الكشف عن تورطها في فضيحة محاسبية كبيرة، وانهار سعر سهمها ووصل إلى 9 سنتات فقط.
 

 

في كتابه الرائع يسرد "بولوس" المشاكل الإدراكية والتحيزات السلوكية التي دفعته لانتهاك كل مبدأ من مبادئ الاستثمار السليم (كالتنويع ووضع حد للخسارة إلخ..). ولم يخجل من الإشارة بصراحة إلى أنه رجل ذكي تصرف بحماقة كبيرة.
 

في نهاية الكتاب يحكي لنا "بولوس" مدى استغرابه من سوق الأسهم وقدرة المحللين على إقناع المستثمرين بالشيء وعكسه في نفس الوقت حيث كتب قائلاً:
 

"إذا ألقيت نظرة سريعة على قناة سي إن بي سي المالية فستلاحظ على الفور أن شيئًا مشبوهًا يحدث. إنه شيء دائماً ما يثير ضحكي. ببساطة ترى المحللين والمحاورين يصرخون في بعضهم البعض وهم يلوحون ببيانات وإحصاءات مثيرة للإعجاب، ويصلون في النهاية إلى استنتاجات متناقضة تماماً، ولا يجدون حرجاً في ذلك!".
 

يتابع "بولوس" قائلاً: "من المستحيل أن ترى علماء الأحياء أو علماء الرياضيات يتجادلون حول القضايا الأساسية التي تقوم عليها علومهم ويصرخون على بعضهم البعض بهذا الشكل".

 

 

​​​المصادر: أرقام
كتاب: A Mathematician Plays The Stock Market

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.