في السابع من ديسمبر 1941 وقعت واحدة من أكثر الهجمات العسكرية مفاجأة في التاريخ حين شنت القوات اليابانية هجوماً مباغتاً على الأسطول الأمريكي المتمركز في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي.
عن هذه الحادثة كتب المؤرخ العسكري "جون برادوس" قائلاً: "يمثل هجوم بيرل هاربر أكبر استخدام جماعي لحاملات الطائرات في معركة عسكرية في التاريخ، وأكبر هجوم جوي ضد هدف بحري شهده العالم حتى وقتنا هذا، وكذلك واحداً من أكثر الهجمات العسكرية تعقيداً من حيث طبيعة الجهود المبذولة لتنسيق الهجمات المتزامنة بواسطة الطائرات والغواصات".
وقعت الضربة اليابانية بعد الفجر بوقت قصير. وبفضل عنصر المفاجأة خسرت البحرية الأمريكية 18 سفينة ما بين غارقة أو متضررة بالإضافة إلى 188 طائرة، كما لقي أكثر من 2400 أمريكي حتفهم. الاستخدام الناجح من قبل اليابانيين لعنصر المفاجأة والسرعة والخداع في بيرل هاربر لا يزال قيد الدراسة حتى اليوم.
السرعة والخفة والديناميكية التي تميز بها الهجوم الياباني على بيرل هاربر هي بالضبط ما تحتاج إليه هذه الأيام الكثير من الشركات في قطاع الأعمال وخصوصاً تلك التي تعمل في قطاعات سريعة التغير.
عالم متغير
الوقت هو عملة القرن الواحد والعشرين. ولذلك نجد أن معظم الأفكار التجارية الجديدة -إن لم يكن كلها- تهدف في جوهرها إلى تقليل مقدار الوقت الذي يستغرقه تحقيق هدف أو نتيجة معينة. وأياً كان ما أوصل الشركة إلى مكانتها التي تحتفظ بها اليوم فلن يستطيع ذلك أن يحافظ لها على تلك المكانة ما لم يحدث تغيير وتطوير بسرعة كافية.
الشركة التي كانت ولا تزال تخدم عملاءها في الماضي بسرعة، يجب أن تخدمهم بشكل أسرع وأكثر كفاءة في السنوات القادمة إذا أرادت النجاة. والإدارة الذكية هي التي تسأل نفسها باستمرار السؤال التالي: "كيف نخدم عملاءنا بشكل أفضل وأسرع من منافسينا وكذلك أفضل وأسرع مما نفعل حالياً؟".
بغض النظر عن مدى جودة منتجك أو خدمتك اليوم لن تكون تلك الجودة كافية غداً، حيث سيصبح المنتج أو الخدمة غير قادرة على تلبية رغبات العملاء المتغيرة باستمرار. وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى مشاكل وإحباطات للعملاء، مما قد يدفعهم للشكوى.
على عكس ما قد يعتقده البعض، تعتبر هذه الشكوى علامة جيدة. فأسوأ عميل على الإطلاق هو العميل غير الراضي عن المنتج أو الخدمة ولكنه لا يشتكي بل يتركك ويذهب إلى مكان آخر في صمت. ولذلك قال رجل الأعمال الأمريكي "جون د. واناماكر" ذات مرة: "إن أغلى عميل على الإطلاق هو ذلك الذي على الرغم من عدم رضاه يسير بعيداً دون أن يقول شيئاً ولا يعود أبداً".
أسوأ إعلان
وجدت دراسة أجرتها جامعة "هارفارد" أن 58% من العملاء الذين يغيرون الشركات التي يتعاملون معها قالوا إنهم فعلوا ذلك بسبب اللا مبالاة أو عدم الاهتمام من شخص ما بالشركة. هؤلاء لم يشتكوا قط، بل ذهبوا في صمت إلى شركات أخرى.
في المتوسط يخبر العميل الساخط ما يترواح ما بين 12 إلى 20 شخصاً عن الشركة. وهذا هو أسوأ إعلان يمكن أن يكون لديك.
لذلك نقول إن الإدارة الناجحة هي التي تستجيب بسرعة لشكاوى العملاء، وتحاول من خلال ذلك بناء نوع من الولاء لديهم تجاه الشركة ومنتجاتها، مما يزيد من احتمالية استمرار تعاملهم مع الشركة. ففي المتوسط سيخبر العملاء الراضون ما بين 5 إلى 8 أشخاص عن تجربتهم مع الشركة. وهذا إعلان لا يقدر بثمن.
أصبحت شركة "هوليت - باكارد" المعروفة اختصاراً باسم "إتش بي" واحدة من أنجح شركات التكنولوجيا في العالم نتيجة هوسها بآراء العملاء وملاحظاتهم. تقوم "إتش بي" بإجراء استطلاعات كتابية وهاتفية مع العملاء كما تجتمع معهم بشكل فردي وفي مجموعات من أجل أن تعرف ما يفكرون به وما يشعرون به تجاه منتجاتها.
بعد ذلك يقوم المهندسون والمطورون في "إتش بي" بإرسال ملاحظات العملاء واقتراحاتهم إلى المصنع لاستخدامها كأساس لتحسين المنتج ودمجها في أنشطة البحث والتطوير الجديدة. ونتيجة لذلك تنتج "إتش بي" منتجات عالية الجودة يشتريها العملاء مهما كان ثمنها لأن هذه المنتجات هي ما يريدونه بالضبط.
تنافس نفسها
في الأسواق المضطربة التي نشهدها في السنوات الأخيرة ربما لا يوجد ثابت سوى التغير. فالتغير المستمر أمر لا مفر منه ولا يمكن التنبؤ به. المنتجات والخدمات التي تقدمها اليوم ستصبح غداً قديمة. والرائج في السوق اليوم سيصيبه الكساد غداً.
لكي تتمكن الشركة من ركوب موجة التغيير والبقاء دائماً في المقدمة يجب أن تفكر دائماً في خطواتها التالية. ببساطة يجب أن تبحث الإدارة عن طرق لجعل منتجاتها وخدماتها أفضل مما هي عليه اليوم، حتى لو كانت رائدة في مجالها بالسوق.
فواحدة من أفضل الاستراتيجيات التي تتبعها الكثير من الشركات الناجحة هي أنها حتى لو كانت رقم واحد بالسوق فهي تتصرف كما لو كانت في المرتبة الثانية، وهو ما يجعلها تدخل في سباق مع نفسها قبل الآخرين.
هناك تقليد شهير داخل شركة السيارات الأمريكية "فورد" يُطلب بموجبه من المديرين التنفيذيين بالشركة العمل بمكتب الشكاوى لمدة يوم واحد كل شهر، يقومون خلاله باستقبال المكالمات الهاتفية من العملاء. هذا يتيح لهم فرصة طرح الأسئلة على العملاء والحصول على ردود أفعالهم التي لن يحصلوا عليها من أي مصدر آخر.
أخيراً، الشركات الناجحة تعامل عملاءها كما لو كانت على وشك فقدانهم جميعاً، فهي لا تتعامل معهم باعتبارهم شيئا مضمونا أو مفروغا منه لا يحتاج لبذل مجهود للحفاظ عليه، بل تظل شديدة الحساسية لرغباتهم واحتياجاتهم القائمة دائماً وتتفاعل بشكل أسرع مع أي مشكلة تتعلق بهم.
المصادر: أرقام -- ذا أتلانتك
كتاب: Applying the Proven Principles of Military Strategy to Achieve Greater Success in Your Business and Personal Life
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}