نبض أرقام
07:37 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/12/18
2024/12/17

الدماغ .. كيف يقود مستثمري سوق الأسهم إلى اتخاذ قرارات سيئة؟

2020/01/03 أرقام - خاص

1400 جرام تقريباً من الأنسجة الدهنية التي نحملها أعلى أكتافنا وتحديداً داخل الجمجمة هي ما ساعدتنا كبشر على اكتشاف النار، وإنشاء مجتمع زراعي، وبناء ناطحات السحاب، وصناعة أجهزة الكمبيوتر، وكذلك السيارات والطائرات والسفر إلى الفضاء، وإنشاء شبكة الإنترنت. نتحدث هنا عن الدماغ البشري.

 

إن الدماغ البشري إعجازي ومدهش بشكل لا يمكن وصفه أو التعبير عنه خاصة عندما يتعلق الأمر بقدرته على معالجة المشاكل المعقدة. ولكن على الرغم من ذلك فإن الدماغ أيضاً هو ما يجعل أكثر مستثمري سوق الأسهم يتخذون قرارات سيئة تكلفهم الكثير من الأموال.


 

في كثير من الأحيان تفشل أدمغتنا كبشر في حساب الاحتمالات. إذا كنت تشك في ذلك فأجر التجربة التالية بنفسك. أخرج من جيبك ريالا واذهب به إلى أقرب شخص وأخبره أنك سوف ترميه في الهواء 10 مرات وأن كل ما عليه هو توقع الوجه الذي ستقع عليه العملة سواء كان الكتابة أم الصورة.

 

إذا وقعت العملة على جانب الصورة في المرات القليلة الأولى التي رميتها في الهواء فسيبدأ هذا الشخص في توقع وقوع العملة في المرات المتبقية على الجانب الآخر وهو جانب الكتابة. ولكن لماذا؟ ببساطة منطق هذا الشخص في تلك اللحظة يخبره أنه بما أن العملة وقعت بالفعل كثيراً على جانب الصورة في المرات الأولى فقد حان الوقت لتقع على الجانب الآخر.

 

وهذا منطق فاسد طبعاً، لأن احتمال وقوع العملة على أي من جانبيها في كل مرة ترمي بها إلى الهواء هو حدث مستقل بذاته تماماً. ففي كل مرة سيكون احتمال سقوط الريال على أحد وجهيه 50% لكل وجه. حتى لو رميت بالعملة مليون مرة في الهواء ووقعت خلالها جميعاً على جانب الصورة مثلاً فلا يزال احتمال سقوطها على أحد الوجهين في المرة المليون واحدا هو 50% لكل منهما.


 

إن عجز أدمغتنا عن التعامل مع الاحتمالات يجعلنا مستثمرين سيئين للغاية. هذا العجز هو ما يجعل بعض المستثمرين يتذاكون ويهرعون إلى شراء الأسهم الرخيصة ذات الأداء الضعيف على أمل أن يرتد سعر السهم لأعلى، فيبدو للجميع بمظهر المستثمر العبقري. ولكن من يفعل ذلك يتجاهل احتمال أن هذا سهم رخيص لأنه يستحق أن يكون كذلك وأن سهم كهذا احتمال تراجعه أكبر من احتمال ارتفاعه.

 

أظهرت أبحاث أستاذ علم النفس العصبي بجامعة ديوك "سكوت هويتل" أن القشرة الحزامية الأمامية وهي جزء يقع بالمنطقة الأمامية من الدماغ تدفع الإنسان إلى أن يتوقع تلقائياً تكرار وقوع حدث معين بعد وقوعه مرتين. بمعنى أنه لو افترضنا أن السهم "س" مثلاً استمر في الارتفاع لشهرين متتاليين سيتوقع دماغ المستثمر بشكل حدسي لا إرادي أن يرتفع السهم في الشهر الثالث أيضاً.

 

في كتابه الشهير "التفكير بسرعة وببطء" يوضح لنا "دانييل كانيمان" كيف أثبتت التجارب أن الدماغ البشري يؤمن بسهولة بالعبارات التي تتكرر كثيراً. فإذا طالعنا في الصحف والمواقع والقنوات التلفزيونية رسالة مفادها أن الاقتصاد على وشك الانهيار، وأن هناك أزمة تلوح في الأفق فإن أدمغتنا ستتبنى تلك الرواية وستحاول جعلها منطقية وصحيحة حتى لو كانت في الحقيقة غير ذلك.

 

هذا الميكانيزم من الممكن أيضاً أن يعمل في الاتجاه المعاكس، بمعنى أن أدمغة البشر ليست عرضة للاستسلام للخوف فقط، بل من الممكن أيضاً أن تقع في فخ الثقة المفرطة. فعلى سبيل المثال، فشل المستثمرون الذين ضخوا سيولة كبيرة في البيتكوين في توقع انهيارها في عام 2018 لأنهم كانوا طوال الوقت يحيطون أنفسهم بالنظريات والأخبار التي ترى أن العملة الرقمية ستستمر في الارتفاع إلى الأبد.

 

يشير علماء الأعصاب إلى أن اللوزة الدماغية وهي نواة المشاعر الساخنة كالخوف والغضب تتفاعل بشكل فوري تقريباً مع المنبهات الخارجية التي تشير إلى الخطر. فهذا الجزء من الدماغ هو بمثابة نظام الإنذار المبكر للعقل البشري، وهو أول ما ينبه الإنسان إلى وجود خطر يهدده.


 

فإذا دق إنذار الحريق في مكان عملك فسوف ترتبك وتتصبب عرقاً وتتسارع نبضات قلبك حتى لو أخبر "عقلك الواعي" بأنه من المحتمل أن يكون إنذاراً خاطئاً، خاصة لو رأيت زملاءك يهرعون إلى الباب ليهربوا بأنفسهم.

 

باستخدام تكنولوجيا التصوير بالرنين المغناطيسي أظهرت تجارب أجراها كل من "جوردان جرفمان" أستاذ الطب الفيزيائي بكلية الطب في جامعة نورث ويسترن و"هانس بريتر" الأستاذ بكلية الطب بجامعة هارفارد أن اللوزة الدماغية للمستثمرين تصبح أكثر نشاطاً حين يشعرون بأنهم يخسرون المال، وهو ما يسبب لهم الألم.

 

المتابعة اللصيقة لتغير أسعار الأسهم لحظة بلحظة من خلال شاشات الكمبيوتر والجوال تتسبب في نشاط مركز الخوف في الدماغ بشكل فوري، وهو ما يجعل خسارة المال أكثر ألماً مقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل ظهور التكنولوجيا التي تتيح للمستثمرين متابعة الأسعار على مدار الساعة. ولذلك بمجرد أن تتحول الشاشة إلى اللون الأحمر يجد المستثمر صعوبة في السيطرة على أعصابه مما يعيق قدرته على التفكير بعقلانية.

 

ربما أفضل من وصف هذه الحالة هي المطربة والممثلة الأمريكية "باربرا سترايساند" حين قالت في مقابلة أجرتها معها مجلة "فورتشن" في عام 1999 :"أنا مثل الثور، أهيج بمجرد أن أرى اللون الأحمر. ولذلك بمجرد أن ألمحه (على شاشة الأسعار) أسارع إلى بيع أسهمي".


 

ربما أفضل طريقة لتجنب الوقوع في هذا الفخ هي أن يتخذ المستثمر قرارات أقل. وأفضل شيء يمكنك فعله بمجرد وضع استراتيجية الاستثمار بك واختيارك لما تعتقد أنه أفضل الأسهم هو عدم القيام بأي شيء. فقط اجلس وراقب السوق في هدوء. ويا حبذا لو استطعت أن تجبر نفسك على عدم تفحص أداء الأسهم بالمحفظة على فترات متباعدة، أي مرة واحدة أو مرتين بالشهر مثلاً.

 

هناك دراسات لا تعد ولا تحصى تظهر أن المستثمرين الأفضل أداءَ هم أولئك الذين لا يغيرون كثيراً في محافظهم بعد تشكيلها، أي لا يفرطون في التداول. ولكن كيف يتمكنون من فعل ذلك؟ ببساطة، هؤلاء نادراً ما يتخذون قرارات بالبيع أو الشراء مدفوعة بالخوف أو الجشع.

المصادر: أرقام

كتاب: Thinking, Fast and Slow
كتاب: Simply Invest: Naked Truths to Grow Your Money

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.