بالأمس، كشفت شركة السوق المالية السعودية (تداول) عن آخر التطورات المتعلقة بعملية الطرح العام الأولي لأسهم شركة "أرامكو"، حيث أعلنت أنه سيتم إدراج وبدء تداول الأسهم المكتتب عليها اعتبارًا من الأربعاء 1441/04/14هـ الموافق 2019/12/11م.
وفي الوقت نفسه، قالت "تداول" إنه سيتم تمديد فترة مزاد الافتتاح الخاص بأسهم "أرامكو" في يومها الأول فقط بالسوق لتصبح ساعة بدلًا من 30 دقيقة كما هو المعتاد مع كافة الأسهم في سائر الأيام. ولعل هذه المعلومة هي أكثر النقاط التي كشفت عنها "تداول" إثارة للاهتمام!
ساعة واحدة فقط هي ما تحتاج إليه "تداول" لإعداد أسهم "أرامكو" سعريًا لأول أيام تداولها بالسوق، وهي مدة قياسية جدًا بالمقارنة مع المدد التي تستغرقها عادة البورصات العالمية في إعداد وضبط أسعار الأطروحات العامة الكبيرة في اليوم الأول من إدراجها.
السؤال الذي قد يتبادر إلى ذهن البعض الآن هو: لماذا تحتاج "تداول" أو غيرها من البورصات العالمية إلى تمديد فترة مزاد الافتتاح أصلًا؟ بعبارة أخرى، ما الداعي لذلك؟
وللإجابة على هذا السؤال، ربما تجب العودة خطوتين إلى الوراء وتحديدًا إلى اللحظة التي كان فيها الطرح العام للشركة مجرد قرار وذلك من أجل وضع الأمر في سياقه.
أغلبية المشاركين بالسوق ربما يحفظون كل التفاصيل المحيطة بهذا الاكتتاب عن ظهر قلب، ولكن قليلون جدًا من لديهم فكرة حول ما يجري على الضفة الأخرى من النهر، الضفة التي تتواجد عندها الجهات المسؤولة عن إدارة العملية بالكامل.
الطريق إلى هنا
في الثالث من نوفمبر الماضي أعلنت "أرامكو" عن عزمها طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام الأولي في السوق المالية السعودية "تداول". وبعد أسبوعين وتحديدًا في السابع عشر من الشهر ذاته بدأت فترة الاكتتاب للمؤسسات المالية والأفراد على أسهم الشركة، لتنتهي الفترة المحددة لاكتتاب الأفراد في 28 نوفمبر، بينما امتد اكتتاب المؤسسات حتى الرابع من الشهر الجاري.
في الأخير، أعلنت "أرامكو" أن الحصيلة الإجمالية للاكتتاب من قبل الأفراد والمؤسسات بلغت 446 مليار ريال، كما أوضحت أن الطرح تمت تغطيته بنسبة 465%. ولاحقًا أعلنت شركة سامبا المالية للأصول وإدارة الاستثمار "سامبا كابيتال"، بصفتها مدير الاكتتاب إتمام عملية تخصيص أسهم المكتتبين الأفراد.
الآن الكل يستعد لبدء تداول السهم في جلسة الأربعاء القادم. ولكن لكي يبدأ التداول على السهم يجب أن يتم أولًا تحديد سعر الافتتاح (وهو بالمناسبة غير السعر النهائي للطرح). سعر الطرح البالغ 32 ريالًا حدده مدير الاكتتاب بناء على عدة عوامل من أهمها حجم الطلبات من قبل المستثمرين على السهم.
أما سعر الافتتاح فسوف يحدده سلوك المستثمرين في المزاد الذي يبدأ قبل افتتاح السوق بنصف ساعة وتحديدًا في التاسعة والنصف بتوقيت مكة المكرمة. فهناك من لم يشترك في الاكتتاب ويرغب في شراء السهم من السوق أو من شارك وخصص له عدد أقل مما يريده وبالتالي سيدخل ليشتري.
وفي المقابل سيكون هناك من قد يرغب في التخلي عن أسهمه، وبالتالي سيبيع.
"اكتشاف السعر"
في العادة تنتهي فترة مزاد الافتتاح في العاشرة صباحًا، وهو ما ينطبق على كل الأسهم المدرجة في "تداول".
ولكن في حالة الأطروحات العامة الأولية وخصوصًا الضخمة منها عادة ما تلجأ البورصات العالمية مثل بورصتي نيويورك ولندن إلى تمديد مزاد الافتتاح حتى يتسنى لها الموازنة بين طلبات البيع والشراء والوصول إلى سعر الافتتاح. وهذا بالضبط ما تنوي "تداول" فعله.
حاجة البورصة إلى تمديد فترة مزاد الافتتاح تنبع من حقيقة أن طلبات البيع والشراء على السهم المدرج لأول مرة بالسوق عادة ما يكون هناك تباين كبير في قيمتها وحجمها، وبالتالي يحتاج منظمو السوق لفترة أطول من العادي للموازنة بين طلبات البيع والشراء في إطار عملية تسمى "Price Discovery" أو اكتشاف السعر.
الفكرة هي أنه على عكس الأسهم المتداولة بالفعل في السوق، لا يوجد للسهم الجديد سعر إغلاق سابق يمكن للمستثمرين الاسترشاد به حين يقدمون على بيع أو شراء السهم. ومن هنا تتباين تقديراتهم بشكل قد يخلق حالة من عدم التوازن الواضح بين جانبي العرض والطلب وهو ما يستدعي تدخل منظمي السوق.
سعر الافتتاح سيكون هو السعر الذي سيحقق أكبر قدر ممكن من الموازنة بين العرض والطلب. بعبارة أخرى، هو السعر الذي يمكن عنده تنفيذ أكبر قدر من الصفقات. وفي بورصة مثل بورصة نيويورك عادة ما تستغرق عملية اكتشاف السعر حوالي 15 دقيقة، ولكن في حالة الاكتتابات الكبيرة يستغرق الأمر أكثر من ساعة، كما حدث في حالتي "تويتر" و"علي بابا".
في سبتمبر من عام من عام 2014 طرحت شركة التجارة الإلكترونية الصينية "علي بابا" جزءًا من أسهمها في بورصة نيويورك، منفذة ما كان يعتبر حتى أيام قليلة مضت أكبر اكتتاب عام أولي في التاريخ، وذلك قبل انتزاع اكتتاب أرامكو الصدارة.
من 68 إلى 93 دولارًا!
في إطار عملية الاكتتاب التي تمكنت فيها "علي بابا" من جمع نحو 21.8 مليار دولار تم تحديد النطاق السعري للسهم بين 66 و68 دولارًا قبل أن يتم الاستقرار على السعر النهائي للطرح والذي بلغ 68 دولارًا للسهم الواحد. ولكن في أول أيام التداول بلغ سعر الافتتاح الخاص بالسهم 92.70 دولار، وذلك قبل أن يغلق عند 93.89 دولار.
السؤال هو: كيف تحرك السهم من 68 دولارًا (السعر النهائي للطرح) إلى 92.70 دولار (سعر الافتتاح) قبل أن يتم أصلًا السماح للسهم بالتداول في البورصة؟ الإجابة على هذا السؤال تكشفها الأحداث التي دارت في كواليس مزاد الافتتاح والذي استمر لما يقرب من الساعتين ونصف الساعة.
بدأت عملية "اكتشاف السعر" الخاصة بسهم "علي بابا" في التاسعة والنصف صباحًا بتوقيت نيويورك. وبعد 20 دقيقة كان هناك اختلال بين جانبي العرض والطلب يعطل صفقات حجمها الإجمالي 25 مليون سهم، حيث كان المطلوب أكبر بكثير من المعروض. في تلك اللحظة كان أعلى سعر معروض للشراء يبلغ 80 دولارًا فيما كان أقل سعر للبيع يبلغ 83 دولارًا.
بعدها بدقائق ارتفع سعر الشراء إلى 82 دولارًا، ولكن في نفس الوقت ارتفع سعر البيع إلى 85 دولارًا لتستمر الفجوة بين السعرين عند 3 دولارات حتى الساعة 10:43 صباحًا. الجدول التالي يوضح تطور سعري البيع والشراء خلال الدقائق اللاحقة:
الساعة (صباحًا) |
سعر البيع المعروض |
سعر الشراء المعروض |
الفجوة بين السعرين |
10:43 |
88 |
86 |
دولاران |
10:53 |
89 |
87 |
دولاران |
11:00 |
90 |
88 |
دولاران |
11:05 |
91 |
89 |
دولاران |
11:17 |
91 |
90 |
دولار |
11:24 |
92 |
91 |
دولار |
11:28 |
93 |
92 |
دولار |
بحلول 11:28 لم يكن هناك سوى القليل من طلبات البيع والشراء لبضعة ملايين من الأسهم التي لم يتم مطابقتها، وكان هذا مؤشرًا على قرب سماح الجهات التنظيمية بتداول السهم.
لكن السهم لم يتم السماح بتداوله إلا في الساعة 11:53 صباحًا، حيث تم بيع 48 مليون سهم بسعر 92.7 دولار للسهم. كان هذا هو سعر الافتتاح.
على الرغم من أن الآليات والأساليب الفعلية التي تستخدمها البورصة في تحديد سعر الافتتاح للسهم معقدة إلى حد كبير إلا أن المنطق الرئيسي الذي تقوم عليه يظل بسيطًا جدًا: سعر الافتتاح هو السعر الذي سيتحقق عنده أكبر قدر من التوازن بين طلبات البيع والشراء. والوصول إلى هذا التوازن يحتاج إلى وقت.
ومرة أخرى، نؤكد أن سعر الطرح شيءٌ وسعر الافتتاح شيءٌ آخر.
المصادر: أرقام – فورتشن – سي إن بي سي – بلومبرج – فوربس
London Stock Exchange market enhancements
NYSE OPEN AND CLOSING AUCTIONS
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}