"عدم اليقين".. مصطلح صاحب تقريبًا كافة التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والمصارف الاستثمارية حول آفاق الاقتصاد العالمي وأسواقه هذا العام، حيث أُلقي باللوم على حالة الضبابية التي يعيشها العالم في تذبذب توقعات المحللين.
عدم اليقين المرتبط بالتطورات الجيوسياسية والتجارية يجعل من الصعب التنبؤ بالمستقبل، ولعل ذلك ما أثر على ثقة الشركات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، لكن في ظل ما يعانيه العالم من ضبابية اليوم، يبدو هناك معطيات أكثر وضوحًا لرسم ملامح المستقبل.
المعطيات هي تضخم الدين العالمي ليبلغ 250 تريليون دولار من ديون الحكومات والشركات والأسر، بعد عقد من السياسات النقدية اليسيرة، وهو مبلغ يعادل ثلاثة أضعاف الناتج الاقتصادي العالمي، أو ما قدره 32.5 ألف دولار لكل شخص على وجه الأرض.
لا يخفى على أحد تفاقم أعداد الشركات المثقلة بأعباء الديون في الصين، أو تضخم ديون الطلبة المتعثرة في الولايات المتحدة، وكذلك الارتفاع الحاد للرهون العقارية في أستراليا، بجانب المخاوف من تخلف الأرجنتين عن سداد ديونها، لكن كيف تنتهي المعاناة؟
نظرة عن قرب
- في بلد مثل الأرجنتين، وعدت الحكومة المنتخبة حديثًا بإعادة التفاوض على خط ائتماني قياسي مع صندوق النقد الدولي قدره 56 مليار دولار، وأثارت مخاوف بشأن تكرار أزمة عام 2001، كما عانت تركيا وجنوب إفريقيا وغيرها من مخاوف اقتصادية متعلقة بالديون أيضًا.
- شكلت شركات الولايات المتحدة ما نسبته 70% من حالات التخلف عن سداد الديون حول العالم في عام 2019، وفي الصين، تتوقع "إس آند بي جلوبال ريتينغس" وصول حالات تخلف الشركات إلى مستوى قياسي خلال العام المقبل.
- في الاقتصادات المتقدمة، ارتفعت نسبة الشركات التي لا يمكنها تغطية تكاليف خدمة الدين من الأرباح التشغيلية على مدى فترة طويلة وتعاني من تباطؤ النمو، إلى 6% من الشركات غير المالية المدرجة في الأسواق العامة؛ مستوى هو الأعلى منذ عدة عقود.
- تعتبر الأسر في أستراليا وكوريا الجنوبية الأكثر مديونية على مستوى العالم، في حين يتحمل طلاب الولايات المتحدة ديونًا تتجاوز 1.5 تريليون دولار، يكافحون من أجل سدادها.
المزيد من الإنفاق
- الكثير من هذه الديون، كان نتيجة الجهود المتعمدة لصانعي السياسات لاستخدام الاقتراض في الحفاظ على الاقتصاد العالمي واقفًا على قدميه عقب الأزمة المالية، وبفضل أسعار الفائدة المنخفضة ظلت أعباء الديون هينة على الكثيرين، وبالتالي استمرت الاستدانة.
- بينما يواجه صانعو السياسة الآن أبطأ نمو منذ الأزمة، فإن مجموعة الخيارات المتاحة أمامهم لإنعاش الاقتصادات لها قاسم مشترك هو "المزيد من الديون"، ويرى مؤيدو الإنفاق بالعجز، أن الإنفاق المالي الهائل أصبح ضرورة لإخراج الشركات والأسر من عثرتها.
- لكن على الجهة المقابلة، يرى الداعون إلى التشديد المالي أن مثل هذه المقترحات ستزرع بذور أزمة جديدة، ومع ذلك، حث البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الحكومات على بذل المزيد من الجهد، قائلين إن الوقت أصبح مناسبًا للاقتراض من أجل مشاريع تضمن تحقيق أرباح اقتصادية.
- يقول المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية "مارك سوبيل": قد تتغير الحكمة التقليدية بشأن حدود نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، فنظرًا إلى انخفاض الفائدة والطلب المتراجع على الأصول الآمنة، قد تتمكن الاقتصادات المتقدمة من تحمل المزيد من الأعباء.
قنبلة موقوتة
- تقول "موديز" للتصنيف الائتماني، إنها ليست متفائلة بشأن آفاق الديون العالمية لعام 2020، وتشير الوكالة التي تصنف جدارة 142 دولة، إلى ما أطلقت عليه "بيئة سياسية تخريبية" داخل عدد من بلدان العالم، وعلى المستوى الدولي.
- تعتقد الوكالة أن ذلك سيجعل تباطؤ النمو العالمي أسوأ، وبالتالي فإن القضايا الهيكلية التي لم يتم حلها في كثير من البلدان ستكون عرضة للتدهور، ويشمل ذلك ارتفاع متوسط الأعمار، وعدم المساواة في الدخل، وضعف التنافسية، والسياسات الضعيفة لإدارة الديون.
- قد تكون النتيجة الخالصة لكل هذه الاضطرابات هي التخلف عن سداد الديون السيادية، وكنتيجة لاحقة سيكون هناك صدمات اقتصادية ومالية جديدة تؤدي إلى عدم استقرار حاد خلال الأشهر المقبلة، وهي رؤية يؤيدها أستاذ القانون المصرفي والمالي "رودريغو أوليفاريس كامينال".
- يقول "كامينال": لسوء الحظ، يجلس العالم على قنبلة موقوتة من الديون السيادية التي يمكن أن يشتعل فتيلها في أي وقت بسبب أصغر حدث، وذلك بناءً على بيانات لصندوق النقد الدولي تؤكد أن هناك 32 دولة معرضة للخطر بسبب الديون غير المستدامة.
- هناك مزيج سام من الاضطرابات الاقتصادية المحلية في بعض البلدان والخلافات الجيوسياسية والتجارية العالمية، والذي يدفع العالم إلى ضرورة الاعتراف بالمصالح المشتركة في تجنب الأزمة الشاملة المقبلة ومحاولة التغلب على الخلافات باتباع نهج متماسك للتنمية والحد من الديون، وفقًا لـ"كامينال".
معضلة الإنفاق
- يقول تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي إن الديون المرتفعة ستؤدي إلى إعاقة قدرة صانعي السياسات على زيادة الإنفاق أو خفض الضرائب لتعويض ضعف النمو الاقتصادي، لأن الدائنين يصبحون بشكل متزايد أقل استعدادًا لتمويل عجز أكبر في الميزانية.
- مدفوعات فائدة الديون تعرقل أيضًا جهود الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية، وكلها استثمارات تساعد البلدان على النمو لسنوات عديدة مقبلة، وبالتالي فعلى كل دولة تحديد إستراتيجية مناسبة لإفساح المجال في ميزانيتها بهدف دعم الاقتصاد خلال الركود المقبل.
- سيتعين على البلدان ذات الديون المرتفعة زيادة الإيرادات أو كبح الإنفاق المفرط، وهو أمر مهم عندما تكون تكاليف الاقتراض مرتفعة واحتياجات التمويل أيضًا كبيرة، كما هو الحال في إيطاليا والبرازيل، أو عندما يتجاوز النمو الحالي النمو المحتمل على المدى الطويل، كما في أمريكا.
- مع ذلك، يجب أن تحافظ هذه الدول على قدر من الاستثمار في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، إما عن طريق إعادة تحديد الأولويات أو توسيع القاعدة الضريبية (يتعارض ذلك مع خطط "ترامب" لمزيد من الخفض الضريبي).
- يبقى القول إن العائدات السالبة للديون أصبحت مصدر قلق نظاميًا، فمع استقرار أسعار الفائدة عند أدنى مستوياتها في كثير من البلدان، ووصول قيمة سندات الخزانة الأمريكية إلى أعلى مستوياتها في 100 عام، يبدو العالم أقرب لمنطقة الفقاعة، بحسب "فيدليتي إنترناشونال" لإدارة الاستثمارات.
المصادر: بلومبيرغ، ذا كونفرزشن، المنتدى الاقتصادي العالمي، أرقام
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}