عادة لا يشعر الكثيرون بالتعاطف أو الأسى تجاه الرؤساء التنفيذيين خاصة عند رحيلهم عن منصب القيادة، لعل ذلك يرجع إلى الاعتقاد بأنهم يحصلون على أجور مبالغ فيها بجانب السلطة شبه المطلقة في إدارة الشركات.
هذا حقيقي، يحصل الرئيس التنفيذي غالبًا على أجر يفوق مرؤوسيه عشرات المرات، ونعم قد يكون هو الشخص الأكثر نفوذًا في الشركة، لكن كل هذه الامتيازات تأتي في مقابل توقعات ضخمة للغاية وربما غير واقعية في بعض الأحيان.
في أجندة الرئيس التنفيذي، هناك مجموعة من المهام التي يجب الوفاء بها للحفاظ على النجاح، مثل: تسجيل نتائج فصلية متماشية مع التوقعات، تحقيق النمو طويل المدى عبر طرق مبتكرة، والتفكير بعمق، وسرعة اتخاذ القرار، وحسن انتقاء العاملين، وأن يكون بصحة جيدة ومتاحاً طوال الوقت.
على الرئيس التنفيذي فعل كل ذلك، في ظل عمله كواجهة عامة للشركة، وتعزيزه للثقافة الإيجابية داخلها، وإدارته للمشهد السياسي والتنظيمي والاقتصادي والتنافسي الذي لا يمكن التنبؤ به في كثير من الأحيان، وأثناء حفاظه على هذه الأجندة لا ينبغي له إهمال حياته الشخصية بالطبع.
تراجع نطاق الحرية
- بعض الرؤساء التنفيذيين يغادرون مناصبهم طواعية، والبعض الآخر تتم إقالته، وخلال العام الجاري، تراجع متوسط مدة بقاء المدير التنفيذي في منصبه في كبرى الشركات الأمريكية، مع تزايد أعداد المديرين الذين رحلوا عن وظائفهم.
- يرجع ذلك جزئيًا إلى الضغوط الهائلة الملقاة على عواتقهم، خاصة أن قدراتهم غالبًا ما تقوضها عوامل أخرى، فعلى عكس المتوقع، كلما تسلق الموظف الهيكل الهرمي الإداري، يتراجع نطاق الحرية المتاحة ليه بسبب تعاظم ارتباطه بالمساهمين وسياسات الشركة والمخاوف الجيوسياسية.
- إلى جانب المهام المطلوبة من الرئيس التنفيذي، هناك جدول زمني صارم، لدرجة تشعره غالبًا وكأنه دمية لا وقت لديه للتفكير أو التقاط الأنفاس، بحسب مدرب التنفيذيين والمعالج النفسي "كارستن دارث".
- يقول الطبيب النفسي "ستيف بيرجلاس": هناك خوف لدى كبار التنفيذيين أيضًا من احتمالات التعرض للقتل المعنوي من قبل ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يقول معظمهم إن بمقدوره تحقيق أغلب التوقعات، لكن إذا لم ينل رضا المغردين فربما تتم مطاردته.
سمات تزيد صعوبة المهمة
- ما يضيف ضغوطًا أكبر على الرئيس التنفيذي، هو عدم قدرته على التنبؤ، فببساطة لا يوجد كتاب إرشادات أو مدرب يحدد بالضبط ما يجب فعله لإدارة النشاط اليومي ومعرفة ما سيحدث لاحقًا، لذا لا يمكن تدريب شخص ليكون رئيسا تنفيذيا ناجحا.
- التواصل أمر آخر بالغ الأهمية، وإدارة الاجتماعات بنجاح لا تعني أن الرئيس التنفيذي استطاع التعرف بشكل دقيق على كل شخص في الغرفة، ومع ذلك لا بأس، جمع المعلومات هو الأهم للعمل على حل المشكلات وتحقيق الأهداف، وهو ما يستدعي وجود قناة فعالة للتواصل.
- المعرفة الفنية بمجريات العمل سمة مهمة أيضًا ولا يُكتفى بالمهارات الإدارية، فلا بد للرئيس التنفيذي أثناء تطوير المنتج من أن يكون على دراية بما يجري وقادرًا على توفير الحلول، خاصة أنه من المحتمل عدم وجود مدير تقني أو مدير مشتريات في الشركات الناشئة.
البعض يهرب والبعض يواجه
- يقول "ريتشارد هيتنز" الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لوكالة الإعلانات "ساتشي آند ساتشي" في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا: تعذر مجالس الإدارات أنفسها بالقول إن كل شيء من مسؤولية الرئيس التنفيذي الذي يحصل على حزمة مالية ضخمة.
- يشير "هيتنز" إلى أنه أدرك بعد سنوات قليلة من ولايته أنه لا يريد هذا المنصب مرة أخرى معللًا ذلك بمشقة إرضاء المساهمين، الذين يتوقعون تحقيق النمو بأي ثمن ويرون (بعد الإخفاق) أنه كان ينبغي تعديل الاستراتيجية، علاوة على ما سمَّاه "أحكام الناس الصعبة".
- تخلى "هيتنز" عن المنصب الذي شغله خلال منتصف العقد الأول من القرن الجاري، وتولى منصب نائب رئيس مجلس الإدارة، ثم كتب كتابا يجادل فيه بأنه على مجالس الإدارات إيلاء المزيد من الانتباه لأهمية أدوار النواب الذين يدعمون الرئيس التنفيذي.
- على جانب آخر، يرى نقاد أن الأشخاص الذين يتجنبون المناقشات والجدال بأي ثمن لن يحدثوا تغييرًا، وعلى المستوى الإداري هناك نوعان مختلفان من الرؤساء التنفيذيين، الأول "الودود" الذي يبحث عن التوافق وإرضاء كل الأشخاص.
- ثم هناك النوع الثاني، الذي يعرف بـ"الرئيس التنفيذي الصارم" الموجه دائمًا إلى النجاح والمستعد تمامًا لخوض غمار أي خلاف والدخول في صدامات قوية داخل الشركة من أجل إحداث التغيير والتقدم المطلوب.
مدير القرن
- أحد أبرز الأمثلة على الرئيس التنفيذي الصارم، هو "جاك ويلش" الذي قاد "جنرال إلكتريك" خلال الفترة بين عامي 1981 و2001، ورفع مبيعات الشركة من 27 مليار دولار إلى 130 مليار دولار، في حين نمت الأرباح السنوية بنسبة 600%.
- بنهاية عام 2000، كانت "جنرال إلكتريك" هي الشركة الأكثر قيمة في العالم بنحو 475 مليار دولار، وأحد أهم إصلاحات "ويلش" بها كان خفض عدد العاملين البالغ عددهم 400 ألف موظف آنذاك بمقدار الربع، ولعل ذلك كان سبب صراعات ومواجهات كبيرة.
- في عام 1991، حصل "ويلش" على جائزة "مدير القرن" من مجلة "فورتشن"، وكانت أبرز خصائص شخصيته الاستعداد للمواجهة وخوض الصدامات، حيث أدرك أن مستقبل شركته يتوقف على دحر مجموعات المصالح الخاصة، والمحسوبية المتأصلة، والبيروقراطية المفرطة والكسل.
- في العامين الأولين له كرئيس تنفيذي، باع "ويلش" العديد من الأقسام وخطوط الإنتاج، وهو ما أثار استياءً كبيرًا منه، لكن زاد في النهاية من الإنتاجية، ومع ذلك، لم يستطع أي من الرؤساء التنفيذيين بعده مواصلة هذه الإصلاحات خوفًا من المعارضة.
المصادر: سي إن إن، فوربس، بزنس إنسايدر
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}