في يوليو الماضي، نجح الاقتصاد الأمريكي في إعادة كتابة تاريخه بعدما سجل أطول دورة نمو على الإطلاق، والتي بدأت في يونيو عام 2009، متجاوزًا الدورة التي امتدت لعشر سنوات (120 شهرًا) بين مارس 1991 ومارس 2001.
هذا الإنجاز رغم إيجابيته بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة، فقد كان يثير مخاوف المحللين كلما اقترب، فمن المعلوم أنه ستكون هناك نهاية لسلسلة النمو مهما امتدت نظرًا للطبيعة الدورية للاقتصاد، ولذا يُخشى أنه كلما تأخر الركود كان أشد وطأة.
ورغم الجدل بين الاقتصاديين بشأن قرب أو بعد الركود، فإن اقتصاد الولايات المتحدة بدأ يتباطأ بالفعل، ويفقد الزخم الذي استمده خلال الفصول الماضية من السياسات التحفيزية للرئيس "دونالد ترامب".
المتكأ الأخير للاقتصاد الأمريكي
- نما الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 1.9% خلال الربع الثالث، بعدما سجل 2% في الربع السنوي المنتهي بانقضاء يونيو، و3.2% خلال الثلاثة أشهر الأولى من عام 2019، ما يؤكد تواصل التباطؤ في أكبر اقتصادات العالم.
- نما الاقتصاد رغم تعاظم المخاوف مؤخرًا من الركود الحاد، مدعومًا بالإنفاق الاستهلاكي القوي للربع الثاني على التوالي، حيث عوض المستهلكون الانخفاض الشديد في استثمارات الشركات (ساهم الإنفاق الحكومي في نمو الربع الثالث بمقدار 0.35% فقط، وإجمالي الاستثمار الخاص بسالب 0.27%).
- في الحقيقة، كان الجميع يتساءل عن طول المدة التي سيواصل خلالها الاقتصاد الأمريكي النمو قبل أن يتضرر بفعل سياسات "ترامب" التجارية، وهو ما بدأ يحدث بالفعل، ولا يبدو أنه يمكن التهرب من "انتقام آدم سميث" بعد توظيف الممارسات الاقتصادية السيئة لخدمة الأهداف السياسية.
- يرى الاقتصاديون المعارضون لـ"ترامب" أن مخالفته لمبادئ "سميث" الداعمة للتجارة الحرة، سيكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الأمريكي وهو ما يصفونه بـ"انتقام آدم سميث".
- انكمش إجمالي الاستثمار الرأسمالي الخاص بنسبة 0.79% خلال الربع الثاني وبنسبة 2.36% في الربع الماضي، بعد عامين من النمو القوي بفضل النهج التحفيزي الذي تبناه "ترامب".
- مع ذلك، يرى ديمقراطيون أن مزيج تخفيف القيود التنظيمة والخفض الضريبي لم يحدث فرقًا في الاستثمار والنمو، ويقول المنتقدون إن معدل نمو 1.9% لا يزال بعيدًا عن مستويات 4% و5% التي وعد بها "ترامب".
جدل حول جدوى التخفيضات الضريبية
- رغم أن معدل النمو المحقق في الربع الأخير يعني أن الاقتصاد ما زال قادرًا على تجنب الركود، فإنه لا يعكس نجاح التخفيضات الضريبية للجمهوريين التي قيل إنها سترفع معدل النمو إلى 3% على الأقل لفترة طويلة.
- منتقدو التخفيضات الضريبية، يقولون إن "ترامب" أهدر تريليوني دولار من الضرائب لتمويل الأثرياء، ليحقق في النهاية معدل النمو الذي شهدته البلاد قبل توليه رئاسة البلاد، محذرين من إقباله على جولة ثانية من التخفيضات الضريبية.
- لكن في الحقيقة، تشير البيانات إلى أن الاستثمارات الخاصة ضعفت خلال عامي 2015 و2016 حينما استطاع الاقتصاد بالكاد تفادي الركود، لكنها تسارعت بعد ذلك بفضل مزيج السياسة الذي اتبعه "ترامب" وكان داعمًا للشركات بشكل كبير.
- يقدر المحلل لدى "استراتيجز ريسيرش بارتنرز"، "دان كليفتون"، أن الشركات الأمريكية قد أعادت نحو تريليون دولار من الأموال المحتفظة بها خارج الولايات المتحدة منذ إقرار الإصلاحات الضريبية، وهو ما ساهم بشكل كبير في دعم أعمالها.
- تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3% لفترة من الوقت بفضل الاستثمارات القوية، لكن يبدو أن النهج التجاري لـ"ترامب" يلعب دورًا كبيرًا الآن في تقويض هذا الاتجاه، حيث تراجعت ثقة الشركات بشدة في ظل حالة عدم اليقين، لتعود معدلات النمو إلى المستويات المسجلة خلال حقبة "باراك أوباما".
- الدليل الرئيسي على تسبب السياسات التجارية في هذا التراجع، هو انكماش أعمال التصنيع في الولايات المتحدة والتي ترتبط بشكل أساسي بالصادرات (المتباطئة حاليًا)، فمع تباطؤ النمو في الصين بفعل الحرب التجارية، تراجعت وارداتها من المعدات الأمريكية.
الحذر من ركود وشيك
- وفقًا لدراسة أجراها الفيدرالي، فإن السياسة التجارية لـ"ترامب" ستخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمقدار نقطة مئوية، وفي استطلاع رأي للجمعية الوطنية لاقتصادات الشركات، قال 53% من قادة الأعمال إن السياسة التجارية تشكل الخطر الهبوطي الرئيسي في عام 2020.
- إجمالًا، يبدو أن التباطؤ الاقتصادي الراهن هو مزيح من تلاشي الآثار الإيجابية لخفض الضرائب في الولايات المتحدة (ولعل ذلك يفسر اتجاه "ترامب" إلى جولة جديدة من الخفض) والحرب التجارية التي ألحقت الضرر بالصناعات التحويلية والمزارعين وشركات التقنية وتجار التجزئة.
- حتى الآن، ينفق المستهلكون ما يكفي للتعويض عن الضعف الحاد في أداء التصنيع والاستثمار خلال الأشهر الماضية، لكن يراقب الاقتصاديون بقلق ما إذا كان الإنفاق الاستهلاكي سيتأثر خلال الفصول القليلة المقبلة خاصة مع ضعف ثقة الشركات.
- إن ضعف النمو العالمي والحرب التجارية كلها جزء من نفس الديناميكية، فالشركات تعاني من عدم اليقين وانخفاض الطلب على حد سواء، وهذا يصعب عليها إنفاق المزيد من المال، وبالتالي سيكون خيارها تأجيل الكثير من الخطط المعدة مسبقًا.
- علاوة على ذلك، فإن إضراب عمال شركة "جنرال موتورز" الذي استمر لشهر، واضطراب أعمال "بوينغ" (التي تعد واحدة من أهم الكيانات المحركة للاقتصاد الأمريكي) كان لهما أثر بالغ، ومن المتوقع أن تعيقا النمو.
- رغم اختلاف آراء الاقتصاديين بشأن الركود، فمن المتوقع أن يستمر تباطؤ الاقتصاد الأمريكي في الربع الرابع، وهو ما لا يبشر بالخير بشأن مسار النمو في عام 2020، خاصة إذا تعرض إنفاق المستهلكين لأي ضغوط، تزامنًا مع مخاوف الأسواق من قرب نهاية الدورة الحالية.
المصادر: وول ستريت جورنال، أرقام، واشنطن بوست، سي إن إن، سي إن بي سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}