كانت الأسابيع القليلة الماضية مبهجة لكل مستثمري الأسواق الناشئة التي شهدت مكاسب قوية دفعت الأسهم والعملات إلى أعلى مستوياتها في ثلاثة أشهر أواخر أكتوبر، مدعومة بالتفاؤل حيال النزاع التجاري بين واشنطن وبكين وهدوء التوترات في عدد من البلدان النامية.
وجاءت هذه المكاسب بعدما سيطر على مستثمري الأسواق الناشئة مزيج من ضغف المعنويات والتطلع إلى المزيد من إجراءات التحفيز الاقتصادي، والتي يبدو أن البنوك المركزية والحكومات تستجيب لها على نحو متزايد خشية الانزلاق إلى الركود.
في سبتمبر، بلغت خسائر مؤشر "إم إس سي آي" للأسهم الناشئة 8% منذ بلغ أعلى مستوياته لهذا العام في منتصف أبريل الماضي، وقال مصرف "بنك أوف أمريكا ميريل لينش" في ذلك الوقت إن مؤشره لمعنويات مستثمري الأسواق الناشئة لا يزال في نطاق "الذعر".
ومع ذلك، جادل مستثمرون ومحللون آنذاك بأن هذه الظروف ونظرًا للتجارب التاريخية، تعني أن التدفقات النقدية قد تعود إلى البلدان النامية سريعًا، وهو ما برهنت الأسواق على صحته خلال الأسابيع الماضية.
ورغم المكاسب الأخيرة، لا يزال يرى البعض أن أساسيات هذه الأسواق هشة ويمكن أن تنهار في أي وقت ما يجعلها خارج حسابات المستثمرين العالميين الذين يسعون إلى تعظيم قيمة أموالهم في عصر الفائدة المنخفضة.
المكاسب كانت مبررة
- في سبتمبر الماضي، قالت ذراع إدارة الأصول التابعة لمصرف "جيه بي مورجان" إن هبوط تقديرات الأرباح في الأسواق الناشئة والتقييمات السعرية دون المستوى المتوسط تشكل فرصة للشراء، مضيفة أنه من الناحية التاريخية تمت مكافأة المستثمرين عند هذه المستويات.
- كما شهدت العديد من الأسواق الناشئة إجراءات تحفيزية على مدار الأشهر الماضية، حيث خفضت كل من إندونيسيا والفلبين وتايلاند أسعار الفائدة، في حين خفضت الحكومة الهندية ضرائب الشركات بمقدار 20 مليار دولار.
- في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، كشفت تقارير إعلامية عن اقتراب الولايات المتحدة والصين من إتمام أجزاء رئيسية من الاتفاق التجاري المحتمل بينهما، وهو الأمر الذي عزز مكاسب الأسواق العالمية والناشئة على وجه التحديد.
- مع اندفاع رأس المال إلى مجموعة محدودة من الأصول في الدول الغنية المفضلة لدى المستثمرين، يتزايد القلق من انهيار هذا الاتجاه، خاصة أن الأسواق الناشئة لا زالت خارج نطاق فئة "الأصول مزدحمة التداول" وظروفها مواتية لجذب الاستثمار.
- مع ذلك، فقد يكون لموجة المكاسب هذه نهاية مخيبة للآمال، إذا تمسك البعض بوجهة النظر القائلة إن تحويل رأس المال من سوق الأسهم الأمريكي إلى أماكن أقل نضجًا يعد دعوة للانتحار، فاستمرار قوة الدولار تعد خطرًا كبيرًا على الأسواق الناشئة.
لم الخوف إذن؟
- تشعر هذه الأسواق حاليًا بالضرر الناجم عن الحرب التجارية (ولعل ذلك يفسر مكاسبها مع هدوء المخاوف بشأن الخلاف الأمريكي الصيني)، ورغم أنها تبدو رخيصة في الوقت الراهن، فمن المحتمل أن تصبح أرخص.
- الأسواق الناشئة لا ينبغي أن تكون الخيار الأول للمستثمرين، نظرًا لحقيقة أنها عرضة للأزمات والاضطرابات بشكل دائم، ولعل الأرجنتين أبرز مثال، حيث انتقلت من بلد متخلف عن سداد ديونه إلى أحد أفضل خيارات مستثمري الأسواق الناشئة، ثم وبعد دعم صندق النقد اقتربت من التخلف مجددًا.
- يقول مدير الأصول لدى "بينيبريدج إنفستمنتس" البريطانية "أندرس فيرجمان": بشكل عام، تستفيد الأسواق الناشئة حاليًا من وضع الاقتصاد الكلي العالمي، لكننا ندعو إلى نهج أكثر حذرًا وانتقائية، مع ترقب الأوضاع في كل بلد على حدة.
- الخوف من الأزمات ليس السبب الوحيد للحذر، فعلى سبيل المثال، تحظى الأعمال الآسيوية للتصنيع بثقل كبير للغاية في مؤشرات الأسهم الناشئة، وبطبيعة الحال يعني ذلك أن سلسلة التوريد الصينية مؤثرة بشكل بالغ في أداء هذه المؤشرات.
- في حين أن ذلك يبرر المكاسب الأخيرة، فإنه يعني أيضًا أن مستثمري هذه الأسواق سيكونون في الخطوط الأمامية للحرب التجارية، ناهيك عن مشاكل فردية مثل فشل الهند في إصلاح نظامها المصرفي، والاضطرابات السياسية في جنوب إفريقيا، وضعف أساسيات الاقتصاد في روسيا، وغيرها.
لكنها ما زالت متفوقة في بعض الجوانب
- في الأرجنتين ذات الحالة الخاصة، ارتفع العائد على السندات المقومة بالدولار بعد خسارة الرئيس "ماوريسيو ماكري" (الذي اعتبرته الأسواق خيارها المفضل) في الانتخابات الرئاسية أمام اليساري "ألبرتو فرنانديز" ، الذي يتوقع أن يركز على تعزيز النمو ومقاومة الرغبة في الإصلاحات.
- أعلن البنك المركزي الأرجنتيني عن فرض قيود أكثر صرامة على صرف العملة بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في السابع والعشرين من أكتوبر، وكانت السندات الدولارية التي باعها لبنان والإكوادور هي الأسوأ أداءً خلال الشهر الماضي على مستوى الأسواق الناشئة.
- تتبع أزمات الأسواق الناشئة نمطًا معروفًا، فعندما يتجه المستثمرون الأجانب إلى الخروج، لا يجدون عددًا كافيًا من المشترين المحليين ليحلوا محلهم، وعادة ما تقود الأزمة مشاكل السيولة المرتبطة بعجز الحساب الجاري، والعملات المبالغ في تقييمها أو التضخم الجامح.
- إذا انخفضت مخاطر السيولة في الأسواق الناشئة، فإنها ترتفع على الأرجح في نظيرتها المتقدمة، ويكمن القلق هنا في مطاردة المستثمرين لنفس الأصول، من سندات حكومية آمنة، وسندات شركات، وأسهم التقنية، والأصول الدولارية، وكلما زاد عدد المستثمرين في هذه الأسواق زاد خطر الاندفاع نحو الخروج.
- مع ذلك، فالحقيقة الراسخة الآن، أن الأسواق الناشئة الأكبر حجمًا تتداول العملات بحرية، وهذا يحد من تراكم الديون الخارجية والضغوط الداخلية، وتعمل بنوكها المركزية على خفض التضخم، الذي يقل عن 4% بين أغلب الاقتصادات الناشئة المدرجة بمؤشرات مجلة "الإيكونوميست" (عددها 25 اقتصادًا).
- يبلغ متوسط الدين العام في الأسواق الناشئة 54% من الناتج المحلي الإجمالي، أي نصف مستواه في البلدان الغنية، ما يجعل الاقتصادات النامية أقل هشاشة، والأهم حاليًا أن معدل السعر إلى أرباح مؤشر "إم إس سي آي" للأسهم الناشئة دون مستواه المتوسط منذ منتصف التسعينيات.
المصادر: الإيكونوميست، بلومبيرغ، رويترز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}