نبض أرقام
09:46 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/12/18
2024/12/17

النجاح والحظ.. لماذا تعتبر "الموناليزا" أشهر لوحة في العالم؟

2019/10/19 أرقام - خاص

في علم النفس يستخدم العلماء مصطلح "تحيز الإدراك المتأخر" (Hindsight bias)، لوصف ميل الإنسان إلى الاعتقاد بأن الوقائع التي حدثت في الماضي كان من الممكن التنبؤ بها، وأن النتيجة الحاصلة هي النتيجة الوحيدة التي كانت ممكنة.

 

 

وفي أواخر أربعينيات القرن الماضي حاول عالم الاجتماع "بول لازارسفيلد" إثبات وجود هذه الظاهرة، فادعى أنه أجرى دراسة خلصت إلى أن الجنود المشتركين في الحرب العالمية الثانية الذين ينحدرون من مناطق ريفية كانوا أكثر قدرة من نظرائهم الذين ينتمون للمناطق الحضرية على تحمل قسوة الحياة العسكرية.
 

كنت أعرف
 

تماماً كما توقع "لازارسفيلد"، زعم الأشخاص الذين قرؤوا هذه الدراسة أنهم غير مستغربين على الإطلاق مما خلصت إليه وأن نتائجها منطقية جداً. فبالطبع، الحياة العصيبة التي يعيشها رجال الريف ستجعلهم مجهزين بشكل أفضل لتحمل ضغوط الحرب من رجال الحضر. وهذا الاستنتاج لا يحتاج برأيهم إلى دراسة أصلاً من أجل إثباته.
 

لكن المشكلة أو ما لم يدركه هؤلاء هو أن هذه الدراسة مزيفة أصلاً، وقد فعل "لازارسفيلد" ذلك عن عمد لكي يختبر ردود فعل الناس. والظريف هو أن الدراسة الحقيقية التي أجراها الرجل تشير إلى العكس، بمعنى أن الجنود الذين ينتمون إلى المناطق الحضرية كانوا هم الأكثر قدرة على تحمل حياة الجيش.
 

استنتج "لازارسفيلد" من هذه التجربة أنه عندما يعتقد الناس أنهم يعرفون بالفعل ما حدث، فمن السهل عليهم أن يخترعوا أسباباً تبرر ما حدث وتجعله يبدو كما لو أنه النتيجة الوحيدة التي كانت ممكنة.



 

داعماً لاستنتاجات "لازارسفيلد"، قال عالم الاجتماع الأسترالي "دونكان واتس" إن الناس يصبحون أكثر عرضة للوقوع في فخ تحيز الإدراك المتأخر عندما يحاولون تفسير نجاحات الأشخاص الناجحين.
 

أشار "واتس" إلى أن المشكلة تكمن في أنه من السهل دائماً على الشخص بناء سردية تبريرية لأي حدث بعد أن يتصور أن ذلك الحدث كان شيئاً حتمياً ولا مفر منه.
 

لكن ما يفشل أغلبنا في إدراكه هو أن أي حدث هو في حقيقته نتيجة لسلسلة معقدة ومتشابكة من الخطوات التي يعتمد كل منها على تلك التي سبقته. وإذا اختلفت أي من الخطوات التي أدت إلى ذلك الحدث فمن المؤكد أن النتيجة كانت لتختلف أيضاً عما هي عليه الآن.
 

"الموناليزا".. الشهيرة بالصدفة
 

وضح "واتس" وجهة نظره من خلال الإشارة إلى التاريخ المثير لأشهر لوحة في العالم وهي لوحة الموناليزا.
 

أي شخص حظي بفرصة زيارة متحف اللوفر الفرنسي بالتأكيد لاحظ احتشاد وتزاحم الناس أمام لوحة الموناليزا تحديداً من أجل إلقاء نظرة عليها، وذلك على الرغم من أن المتحف به العديد من اللوحات الفنية الأخرى للرسام الإيطالي الشهير "ليوناردو دافنشي" التي ترجع إلى نفس الحقبة ولكن الجميع يتجاهلها تقريباً ولا يركز سوى على الموناليزا.
 

لإدراكه أن الموناليزا ليست أفضل فنياً من لوحات "دافنشي" الأخرى حاول "واتس" أن يبحث عن سبب افتتان الناس بالموناليزا تحديداً دون غيرها، واكتشف لاحقاً أن السبب يكمن في تاريخ هذه اللوحة وليس في روعتها الفنية.



 

لم تحظ الموناليزا بالشهرة التي تحظى بها الآن إلا بعد أن تمت سرقتها في عام 1911 من قبل عامل صيانة إيطالي في متحف اللوفر يدعى "فينتشنزو بيروجي"، حيث أخفاها وخرج بها من المتحف في إحدى الليالي.
 

انتشر خبر سرقة اللوحة في جميع أنحاء العالم، وظلت السلطات الفرنسية تبحث عن اللوحة لأكثر من عامين إلى أن تم القبض على "بيروجي" أثناء محاولته بيع اللوحة إلى معرض أوفيزي في فلورانسا. وحظي خبر عودة اللوحة باهتمام الصحف في جميع أنحاء العالم، مما جعلها أول عمل فني يحقق شهرة عالمية. ومنذ ذلك الحين أصبحت الموناليزا رمزاً للثقافة الغربية نفسها.
 

يقول "واتس" إن الناس يدعون أن الموناليزا هي اللوحة الأكثر شهرة في العالم لأن بها سمات فنية محددة ويبدؤون في سرد هذه السمات، لكن الحقيقة هي أن الموناليزا شهيرة لأنها الموناليزا.
 

دور الحظ في حياتنا
 

في كتابه الصادر في عام 2016 تحت عنوان "النجاح والحظ" أشار "روبرت فرانك" إلى أن أحدى الدراسات وجدت أن الأساتذة المساعدين في أعلى 10 كليات للاقتصاد في الولايات المتحدة يصبحون أكثر عرضة للترقية إذا كان الحرف الأول من اسمهم الأخير يحتل مرتبة متقدمة في ترتيب الأبجدية الإنجليزية.
 

أشار مؤلفو تلك الدراسة إلى أن السبب وراء تلك الظاهرة هو العرف السائد في أقسام الاقتصاد بترتيب أسماء المؤلفين أبجدياً في الأوراق البحثية المشتركة، مشيرين إلى أنهم لم يلاحظوا وجود هذه الظاهرة في أقسام علم النفس التي لا تسري فيها قاعدة الترتيب الأبجدي لأسماء المؤلفين.



 

لكن الإقرار بأن الأحداث العشوائية التي تبدو تافهة في كثير من الأحيان قد تكون مهمة بشكل كبير في تحديد المصائر لا يعني أن النجاح في الحياة لا علاقة له بالجهد والموهبة. ففي أغلب الأوساط التنافسية، ينجح أولئك الموهوبون الذين لا يقصرون في بذل أي مجهود.
 

وكما قال "تشارلي مونجر" نائب رئيس "بيركشاير هاثاواي": "إن الطريقة الأكثر أماناً لمحاولة الحصول على ما تريده هي محاولة أن تستحق ذلك الذي تريده."
 

وربما تكون النصيحة الأكثر فائدة للشخص الذي يتطلع للنجاح المادي هو أن يحرص على تطوير خبرة عميقة في مجال يقدره الآخرون تقديراً عالياً.
 

والخبرة لا تأتي من الحظ بل نكتسبها من آلاف الساعات التي نبذل فيها جهداً واعياً.
 

ولكن في نفس الوقت يجب أن ندرك أن النجاح في كثير من الأحيان قد يكون مستحيلاً إذا لم يقف الحظ ولو مرة في صفنا. لذلك، كن مستعداً للفرصة التي ستأتيك يوماً ما.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.