تُتخذ القرارات الاقتصادية في العالم الغني وفقًا لتوجهات نحو مليار مستهلك بالإضافة إلى ملايين الشركات، لكن توجد أيضًا مؤسسات عامة قوية تحاول وضع الاقتصاد على الطريق الصحيح، مثل البنوك المركزية التي تحدد السياسة النقدية والحكومات التي تحدد مقدار الإنفاق والاقتراض.
على مدار الثلاثين عامًا الماضية (وربما أكثر من ذلك) جرت الأمور وفقًا للقواعد المنصوص عليها، فكانت الحكومات تسعى وراء ازدهار سوق العمل للفوز بأصوات الناخبين، لكن ذلك قد يدفع الاقتصاد إلى الفوران، مما يؤدي إلى التضخم.
لذا كان من الضروري وجود بنوك مركزية مستقلة لامتصاص بعض الصدمات عندما تستعد الحكومات للاقتراض، وبصيغة أخرى، ففي حين يركز السياسيون على قدرات الدولة وعدد لا يحصى من الأولويات، يكون على صناع السياسة ترويض الدورة الاقتصادية.
لكن هذا النظام يتداعى بمرور الوقت حيث انهارت العلاقة بين انخفاض البطالة وارتفاع التضخم، وبات العالم الغني يتمتع بازدهار في فرص العمل حتى في الوقت الذي تخفض فيه البنوك المركزية أهدافها للتضخم.
البنوك المركزية فقدت تأثيرها
- معدل البطالة في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يبلغ 3.5%، وهو الأدنى منذ عام 1969، ومع ذلك فإن التضخم يبلغ 1.4% فقط، وفي الوقت نفسه أسعار الفائدة منخفضة للغاية ويعتقد أن أغلب البنوك المركزية لم يعد لديها مساحة كبيرة لخفضها إذا وقع الركود.
- في أواخر يونيو الماضي، قال الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "أنجل غوريا" إنه بعد ما يقرب من عقد من الأزمة المالية العالمية، لم يتبقى في جعبة البنوك المركزية الكثير من الأدوات لدعم الاقتصاد.
- جاءت تصريحات "غوريا" قبل خفض البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة خلال سبتمبر الماضي، في خطوة لا يزال يعتقد محللون أنها ربما لن تساعد كثيرًا في التصدي للركود القادم.
- حتى الآن لا تزال بعض البنوك المركزية تحاول دعم الطلب من خلال التيسير الكمي، أي عبر شراء البنوك المركزية للسندات، وهي ممارسة كانت غريبة وتبدو مؤقتة في الماضي، لكنها أصبحت أمرًا طبيعيًا في الوقت الراهن.
- نتيجة لذلك، تحتاج قواعد السياسة الاقتصادية إلى إعادة صياغة، وعلى وجه الخصوص تقسيم العمل بين البنوك المركزية والحكومات، وهي عملية مثيرة للجدل الشديد وربما تصبح خطرة.
تخمة الادخار
- تعود جذور العهد الجديد للسياسة الاقتصادية إلى الأزمة المالية خلال الفترة بين عامي 2007 و2009، حيث اتخذت البنوك المركزية تدابير مؤقتة وغير عادية مثل التيسير الكمي، لتجنب الكساد، لكن تبين أن هناك قوى عميقة أخرى مؤثرة منذ ذلك الوقت.
- لم يعد التضخم يرتفع بشكل موثوق عندما تكون البطالة منخفضة، ويعزى ذلك جزئيًا إلى أن العامة قد يتوقعون ارتفاعًا متواضعًا في الأسعار، وكذلك لأن سلاسل التوريد العالمية الحالية تعني أن الأسعار لا تعكس دائمًا ظروف سوق العمل المحلية.
- في الوقت نفسه أدى تخمة الادخار وتردد الشركات في الاستثمار إلى انخفاض أسعار الفائدة، ويقول الخبراء أنه مع تعثر الاقتصادات، يكون هناك حاجة للحد من المدخرات وتعزيز عمليات الإقراض التي من شأنها تحفيز خلق فرص العمل.
- قبل عام 2005، لم يتجاوز معدل الادخار العالمي 24.5%، ثم انخفض خلال عام 2009 (في أثناء اضطرابات الأسواق)، لكنه قفز إلى مستوى قياسيًا عند 26.7% بحلول عام 2018، أو ما يعادل 21 تريليون دولار تقريبًا.
- بسبب شهية العالم للادخار، فإن نحو ربع السندات ذات الدرجة الاستثمارية (ما قدره نحو 15 تريليون دولار) أصبحت سالبة العائد، مما يعني أن المقرضين يجب أن يدفعوا رسومًا نظير الاحتفاظ بهذه الأوراق المالية.
خيبة ظن الاقتصاديين
- كافح الاقتصاديون والمسؤولون طويلًا من أجل التكيف، وفي أوائل عام 2012 اعتقد الفيدرالي أن أسعار الفائدة الأمريكية ستستقر عند ما يزيد قليلًا على 4%، والآن بعد ما يقرب من 8 سنوات، تتراوح بين 1.75% و2%.
- قبل عقد من الزمان، ظن جميع صناع السياسة والمستثمرين أن البنوك المركزية سوف تهدأ في نهاية المطاف وتتوقف عن شراء السندات، وأنها ستترك حيازاتها تصل إلى موعد الاستحقاق وتنتهي برامج التيسير، لكن الآن يبدو أن هذه السياسة ستدوم طويلًا.
- تبلغ ميزانيات البنوك المركزية في أمريكا ومنطقة اليورو وبريطانيا واليابان مجتمعة، ما يعادل 35% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان، ويستأنف البنك المركزي الأوروبي حاليًا شراء السندات بسبب ضعف التضخم.
- تمكن الاحتياطي الفيدرالي لفترة من الوقت من تقليص ميزانيته العمومية، لكن منذ سبتمبر بدأت أصوله في النمو مرة أخرى مع ضخ السيولة في أسواق المال المتقلبة، وأكد رئيسه "جيروم باول" أن هذا النمو سيتواصل.
- في فترات الركود، ستحتاج الحكومات والبنوك المركزية إلى إدارة برامج تحفيز سريعة وقوية لكن محدودة؛ ربما تحاول الحكومات التصدي للبطالة وتتحمل عجزًا أكبر، وقد تحتاج البنوك المركزية إلى اعطاء المواطنين أموالًا.
- في النهاية سيكون لكل مسار مخاطره الخاصة، لكن المؤكد أن النظام القديم لم يعد يعمل كما كان، ويجب أن تتحول وتتهيأ المؤسسات التي تقود الاقتصاد إلى عالم لم يكن مألوفًا في السابق.
المصادر: الإيكونوميست، سي إن بي سي، بلومبيرغ
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}