عندما ظهر مذيع فصيح على إحدى الشبكات الصينية وقرأ نشرة الأخبار على المشاهدين، ثم حاور ضيفًا عبر الهاتف وسأله عددًا من الأسئلة، بل وقاطع المذيع ضيفه ليعلق على إجاباته، ليتضح أنه ليس مذيعًا حقيقيًا وإنما برنامج ذكاء اصطناعي وضع صورته وحركها على الشاشة وقرأ النشرة وقدم الردود، بدا واضحًا أن الذكاء الاصطناعي تخطى حدود ما تصوره كثيرون.
نسبة وتناسب
فقد كان التوقع المستمر يقوم على استبدال الروبوتات للعمالة اليدوية، وذلك بناء على توقعات اتحاد الروبوتات العالمي لنشر 250 ألف روبوت سنويًا، وبتقديرات قدرة الروبوت على استبدال 6 وظائف في المتوسط، فإن الروبوتات ستستبدل 1.5 مليون وظيفة سنويًا على الأقل.
ولكن ووفقًا لتقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي فإن نسبة الاستبدال حتى في العمالة اليدوية ليست كبيرة للغاية أو داعية للقلق، فمع تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي بوجود 345 مليون عامل على السيور وخطوط الإنتاج في المصانع فإن نسبة من سيفقدون عملهم لا تتعدى 0.5% وهي نسبة يسيرة للغاية.
ويضيف التقرير أن الأزمة التي تعترض هؤلاء الذين يحاولون استبدال الأجهزة الصناعية بالبشر في خطوط الإنتاج، هي أن الآلات ما زالت غير قادرة حتى في حالة تزويدها ببرامج ذكاء اصطناعي على ابتكار حلول لأزمات مستجدة تواجهها، بما يحد كثيرًا من نسبة الاستبدال، حيث إن 88% تقريبًا من خطوط الإنتاج تحتاج لـ"متابعة بشرية".
ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك، حيث تختلف تقديرات الوظائف التي سيتم استبدالها بالذكاء الاصطناعي، خاصة مع وصوله إلى مناطق غير تقليدية مثل الترجمة الفورية، وتقديم استشارات الطب النفسي في السويد.
نمو مقابل
وعلى الرغم من خسارة الوظائف من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي تصل في بعض المجالات إلى الإطاحة بـ30% من العمالة بسبب ما تحققه من وفر في وقت العاملين وفقًا لـ"فوربس"، ولكنها في الجانب الآخر "تخلق" وظائف جديدة.
ويكفي على سبيل المثال الإشارة إلى أن أعلى 10 وظائف نموًا خلال العقد المقبل، وفقًا لشبكة "سي.إن.بي.سي" ستكون غالبيتها متعلقة بالمساعدات الطبية، من مساعد شخصي وطبيب وممرض، بما يوحي بنمو وظائف يدوية بطبيعتها (وإن اقترنت بدرجة عالية من المعرفة) لأهمية العامل البشري فيها.
بل وتشير تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن عدد الوظائف التي يخلقها وجود الذكاء الاصطناعي يكاد يفوق عدد الوظائف التي يلغيها، وذلك من خلال نمو وظيفة كتاب المحتوى سنويًا بنسبة تفوق 40% على سبيل المثال.
فكتاب المحتوى وما يعرفون بـ"عمال الظل" ينتعشون في ظل الذكاء الاصطناعي؛ لأنهم يعملون على تغذيته بالمعلومات باستمرار وعلى تطوير الخوارزميات التي يعمل بناء عليها، وعلى ذلك فقد يفقد الاقتصاد وظائف متعلقة بالروبوتات اليدوية ولكنه، وفي المقابل، يتوسع في مثل تلك الوظائف.
نمو أسرع
وتشير دراسة لـ"هارفارد" إلى أن الوظائف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ستنمو بمعدل 70% أعلى من تلك غير المرتبطة به، ولا سيما مع التوسع السريع والمستمر للاقتصاد التشاركي الذي يعد الذكاء الاصطناعي بمثابه عموده الفقري.
ولذلك تعتبر الدراسة أن الروبوتات وبرامج الذكاء الاصطناعي لن تؤدي لانكماش عام في الوظائف ولكن لاختفاء وظائف وظهور أخرى، أو بالأحرى "انتقال الاقتصاد والوظائف" من جانب لآخر، وهو الأمر الذي يبدو منطقيًا إذا أخذنا بالحسبان أن 50-80% من الوظائف التي سيشغلها الناس عام 2050 لا تتواجد مطلقًا حاليًا.
وحالة "الهلع" من فكرة استيلاء الآلة على وظائف البشر ليست وليدة اللحظة ولكنها متكررة عبر العصور، فعندما انتقل الإنسان من الاعتماد على قواه البدنية إلى قوة الحيوانات ثم الآلات الميكانيكية البدائية ثم تلك المتطورة كان التخوف موجودًا، ولكن لأن الانتقال يكون تدريجيًا فإن غالبية التخوفات لا تتحقق.
ومع ذلك تشير دراسة لمركز "راند" إلى وجود حاجة مُلحة من أجل تهيئة العاملين في شتى المجالات لعصر الذكاء الاصطناعي الذي بدأ بالفعل، فعصر الآلات احتاج إلى قرابة مائة عام لتكتمل معالمه، ولكن عصر الذكاء الاصطناعي قد يفاجئنا باحتلاله لصدارة المشهد قبل عقد من الزمان أو ما يزيد قليلًا.
المصادر: فوربس، المنتدى الاقتصادي العالمي، شبكة "سي. إن، بي،سي"، دراسة لجامعة"هارفارد"، "راند"
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}