نبض أرقام
08:42 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

فضلاً فكر ثانية.. من يحكم الاقتصاد العالمي؟ الدول أم الشركات؟

2019/10/05 أرقام - خاص

"من يتحكم بالاقتصاد العالمي؟".. سؤال كثيراً ما يشغل بال الكثيرين، ففي الوقت الذي يؤكد فيه البعض أن اليد الطولى ما تزال للدول، يرى آخرون شركات عملاقة للغاية لها تواجد دولي بشكل يدفع للاعتقاد بهيمنة الأخيرة على الاقتصاد العالمي.

 

 

العدد أم الترتيب الأعلى

 

فمن بين أكبر 100 "كيان" اقتصادي حول العالم، مرتبين من حيث الدخل أو الناتج المحلي في حالة الدول والعائدات في حالة الشركات، تظهر 29 دولة فحسب في القائمة، بينما تستحوذ الشركات على 71 مركزًا، وذلك وفقًا لتقرير لـ"المنتدى الاقتصادي العالمي".

 

وعلى الرغم من عدد المراكز الكثيرة التي تحتلها الشركات إلا أن المراكز التسعة الأولى محجوزة للدول، لتكون "وول مارت" أول الشركات ظهورًا في قائمة أقوى مائة كيان اقتصادي حول العالم، بما يعزز التساؤل حول أيهم يسبق؟ الشركات بالعدد أم الدول بالمراكز الأولى.

 

وهنا يشير تقرير لمركز "ماكنزي" للدراسات الاقتصادية والإدارية إلى أن الفارق الرئيس بين القوتين، أن العولمة اضطرت الدول لـ"التحول" بحيث تمارس نفوذها وقوتها الاقتصادية بشكل غير مباشر، فبدلًا من الرسوم الجمركية وحصص الصادرات والواردات بل وإنتاج الحكومات للسلع، تصبح الضرائب هي أداة الدول الرئيسية لحصد الإيرادات والسيطرة على الشركات.

 

وفي هذا الإطار يقدر المركز أن هناك 500 مليار دولار إلى نحو ترليون دولار (نحو 1% من الناتج المحلي العالمي في حالة افتراض الحد الأقصى) تفقد بسبب تمكن الشركات من التحايل على القواعد الضريبية المتعلقة بمنع الازدواج الضريبي (أي إنه لا يمكن محاسبة الشركة على نفس النشاط ضريبيًا في دولتين).

 

وبناء على ذلك تقيم الدولة عدة مصانع في دول متفرقة لتصنيع منتجها، لتقوم بتجميعه في دولة أخرى، وتبرز ورقة تجنب الازدواج الضريبي كمهرب يجنبها التعرض للضرائب، والأزمة أنه يضعف إيرادات الحكومات.

 

الضرائب والتحالفات

 

وفي هذا الإطار تبرز المحاولة الفرنسية لفرض ضرائب على الشركات التكنولوجية العملاقة، بنسبة 3% من إيرادات الأخيرة، وفقًا لـ"فاينانشيال تايمز"، فتلك تبدو محاولة لتجنب حصول بعض الشركات على أرباح طائلة دون مشاركتها من جانب الحكومات، بما يضعف الأخيرة اقتصاديًا.

 

 

وبجانب الدول المتسامحة مع فكرة الضرائب، والتي تضعف حكومات الدول الأخرى اقتصاديًا، أصبح العديد من حكومات الاتحاد الأوروبي سيئة السمعة لعرضها "صفقات تقلل من العبء الضريبي على الشركات متعددة الجنسيات إلى حد مذهل" وفقًا لتوصيف "ماكنزي".

 

وتحدد مجموعة أبحاث "كوربنت" في جامعة أمستردام مؤخرًا خمس دول تلعب دورًا إضافيًا مهمًا في تسهيل تجنب الضرائب: المملكة المتحدة وهولندا وسويسرا وأيرلندا وسنغافورة، وذلك بسبب تشريعاتها التي تتيح للشركات تجنب دفع الضرائب بأكثر من شكل.

 

وتشير المجموعة إلى أنه خلال الخمسين عامًا الأخيرة فإن الشركات التي دعمت السياسيين الفائزين بالانتخابات في الولايات المتحدة، سواء حكام ولايات أو أعضاء كونجرس أو رؤساء للبلاد برمتها حققوا معدلات نمو تفوق باقي الشركات بنسبة 12-17% في المتوسط.

 

تقويض للدول

 

وهنا يجب التنبه إلى أن هذا الأمر لا يتم عادة بشكل من أشكال الفساد المباشر، ولكن بسَن البلاد مجموعة من القوانين واللوائح التي تدفع صناعة بعينها وتعطيها مزايا نسبية، ومن ذلك نمو صناعة السيارات في عهد الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" بنسبة تفوق العقد الذي سبق عهده بـ14%.

 

ولا شك أن كل ما سبق يعد تقويضًا لقوة الدولة الاقتصادية مقابل تشجيع دور الشركات، لا سيما والشاهد أن معدلات نمو الشركات الكبرى تفوق معدلات نمو الدول بشكل عام، ففي الوقت الذي تنمو فيه قطاعات مثل الدواء والتكنولوجيا بنسبة 30%، تبقى الدول المتقدمة تقليديًا بمعدلات نمو دول 3% بما يعكس قدرة الشركات على تدعيم مراكزها بشكل أسرع كثيرًا من الدول.

 

وعلى الرغم من ذلك فإن هناك ما يمكن توصيفه بـ"الردة" على العولمة بكل ما بها، من خلال ما ترصده "أوكفسام" من فرض قرابة 65 دولة، من بينها الولايات المتحدة والصين وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتركيا، لجمارك استثنائية عكس اتجاه منظمة التجارة العالمية، بما يعني عودة ولو نسبية لدور الدولة الاقتصادي.

 

ووفقًا لتقرير "ماكنزي" فإن الدول الناشئة هي "الأكثر ضعفًا" في مواجهة الشركات، حيث تبلغ نسبة ما تضخه استثمارات الأخيرة المباشرة فيها 40% من الناتج المحلي لتلك البلاد بما يجعل التنازل عن مثل هذا الدور أمراً شبه مستحيل، بينما لا تتعدى النسبة نفسها 12-15% في غالبية الدول المتقدمة في ظل اقتصاد محلي قوي.

 

والفكرة هنا أن الشركات هي السبب الرئيس لنمو الدول الناشئة بشكل لافت، إذ يشير التقرير إلى أن العشرة في المائة الأنجح من الشركات هناك مسؤولة عن 43-60% من نسب النمو للدول الناشئة مما يجعلها في حاجة ماسة لتلك الشركات.

 

 

ولعل الحالة الصارخة لهذا الأمر تمثلت قبل عام بالضبط لدى الإفراج عن وريث شركة "سامسونج" الكورية، رغم ما طال الأخير من اتهامات وإدانات كثيرة بالفساد، بسبب مساهمة الشركة العملاقة المساهمة بـ 20% من الناتج المحلي الإجمالي الكوري بما دعا البعض للتأكيد على أن المساس بها غير ممكن.

 

وفي المقابل فإن بعض الدول لا تعاني من نفس المشاكل، ولعل هذا هو أحد أهم أسباب قوة الحكومة الألمانية الاقتصادية، بسبب الاعتماد في بناء الاقتصاد على شركات صغيرة ومتوسطة المدى (بنسبة تصل إلى 70%) في وقت تشكل فيه الشركات الأجنبية العاملة في البلاد نسبة لا تتعدى 4% فحسب.

 

مزايا أخرى

 

وفي هذا الإطار فإن الاشتراطات التي تضعها الدول المتقدمة، ولا سيما ما تصفها بـ"الفئة الأولى"، لقبول الاستثمارات تعكس موقفًا أقوى من الشركات، ولكن دون إهمال حقيقة أن غالبية الاستثمارات الأجنبية تنبع من تلك الدول وليس من خارجها.

 

ولا يقتصر مفهوم القوة الاقتصادية على حجم الأعمال بطبيعة الحال، ولكن يشمل عوامل أخرى مثل ما يتمتع به الكيان الاقتصادي من مرونة وما يخضع له من قيود، ويشير تقرير لجامعة "هارفارد" إلى أن الشركات تتمتع بميزة كبيرة للغاية في مواجهة الحكومات في هذا الصدد.

 

 ففي ظل القدرة على التنقل بين مختلف الدول فضلًا عن الدمج المرن بين خطط قصيرة المدى ومتوسطة وأخرى طويلة تتمتع الشركات بميزة نسبية واضحة في مجال "المرونة" والقدرة على اتخاذ القرارات بدون قيود كثيرة.

 

ومن مكونات القوة الاقتصادية بالفعل القدرة على اتخاذ القرارات بدون قيود كثيرة، ولا شك أن القيود التي يفرضها حملة الأسهم على مجالس الإدارة بالشركات أقل كثيرًا من تلك التي يفرضها "المصوتون" أو الشركات أو الدول الأخرى أو المؤسسات الدولية، بما يؤشر لحرية فعل كبيرة للشركات، ويعطيها ميزة نسبية جديدة.

 

 

وفي المقابل تشير "هارفارد" في تقريرها إلى أن لدى الدول مكونات أخرى للقوى التي قد لا تكون اقتصادية ولكنها تنعكس على الاقتصاد، مثل القوى العسكرية، والسياسات الشعبوية، والعلاقات السياسية، التي قد تعطيها القدرة على الالتفاف في كثير من الأحيان حول قوة الشركات الكبرى.

 

وتأكد حقيقة أن الدول لم تعد وحيدة على قمة الهرم الاقتصادي، وأصبحت الشركات الكبرى تزاحمها، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فبعض الدول قد تسبق الشركات، والعكس صحيح، وفي بعض الأحيان يتآلفون ويتنافرون في أخرى، ليبقى المؤكد أن "المستقبل للشركات" الأسرع نموًا والأكثر مرونة والأقل تعرضًا للضغوط.

 

المصادر: ماكنزي، فاينانشال تايمز، أوكسفام ، تقرير لـ"هارفارد"، كوربنت، المنتدي الاقتصادي العالمي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.