في سوق الأسهم ... أي شخص يجب أن أثق في نصيحته؟ يتردد هذا السؤال على ألسنة الكثير من المشاركين في السوق من آن لآخر أثناء بحثهم عن الحكمة المنشودة التي من شأنها مساعدتهم على جني الأموال وتحقيق المكاسب؟ ويجب أن يكون الأمر واضحا لهؤلاء ودون مواربة: لا تثقوا في نصيحة أي أحد مهما كان.
"إن أفضل طريقة لكسب المال في سوق الأسهم هي من خلال البيع بشكل سريع" .. هذا ما قاله المصرفي الألماني الشهير "ناثان روتشيلد" واتفق معه لاحقاً الكثير من المستثمرين. في ذات اللحظة تجد من يشير إلى العكس تماماً كـ"وارن بافيت" و"تشارلي مونجر" وغيرهما من كبار المستثمرين الذين يقدمون لنا نصيحة مفادها أن الأفضل هو شراء أسهم جيدة والاحتفاظ بها لفترة طويلة.
والأمر لا يتوقف على نصائح هؤلاء فقط، فالسوق ممتلئ حرفياً بمئات بل بآلاف النظريات والاستراتيجيات والأساليب والصيغ الرياضية التي يستخدمها المستثمرون باختلاف خبراتهم، في حين أن الكتب والصحف الاقتصادية تحتوي على عدد لا يحصى من النصائح والنظريات التي يحاول البعض بيعها للجمهور باعتبارها الحل المنشود والترياق الشافي.
سوق الأسهم ليس جمعية خيرية
كل ما سبق في كفة وما يسمى بالمنتديات في كفة أخرى. فهذه المنتديات تطفو فوق سطح بحر هائل من المعلومات غير الدقيقة والنصائح التي يقدمها على الأغلب (دون تعميم) إما هواة من سليمي النية يفتون بغير علم أو من خلال محترفين لديهم غرض ما.
والأمر اللافت أكثر للنظر هو وجود فئة من الناس (من المفترض أنهم مستثمرون) يكررون أسئلة من نوعية: ما رأيك في السهم "س"؟ مم تتكون محفظتك؟ هل أبيع السهم "ص"؟ ولست بحاجة لأن تكون عالم صواريخ لتدرك أن هؤلاء لن يطول بهم الأمر قبل أن يصطدموا حرفياً بالحائط ويخسروا أموالهم.
لكن هذه الظاهرة تثير مشاعر الشفقة أيضاً تجاه هؤلاء الذين يعتقدون أن هناك من هو على استعداد أن يعطيهم نصيحة أو معلومة تجعلهم يربحون المال بدلاً منه. هذا المستثمر أو المحلل أو الصحفي أو أياً كان من تستفتيه أو تسأله لو كان يعرف فعلاً أي سهم يجب شراؤه في أي وقت لأبقى ذلك لنفسه ولما وجد أصلاً الوقت الذي يتحدث إليك فيه.
ثورة الشك
المستثمر الذكي هو من يتعامل مع جميع النصائح بشيء من الشك بما في ذلك النصيحة التي يسوقها إليه هذا التقرير. أي شخص ينصحك بشراء سهم معين، من المحتمل أن له دوافع ذاتية كأن يكون مثلاً يمتلك بالفعل هذا السهم، فيدفعك أنت وغيرك للدخول بينما يخرج هو من الباب الآخر. وهذا بالمناسبة هو بالضبط مع حدث مع آلاف الضحايا قبل فبراير 2006 لو تتذكرون.
هذا لا يعني رفض جميع النصائح أو لا تستمع إلا لنفسك، بل على العكس كل ما في الأمر محاولة مساعدتك على إدراك أنه لا أحد دائماً على صواب بما في ذلك الشخص الذي ينصحك، وأن كثيرا ممن يتصدرون للنصيحة في سوق الأسهم غير مؤهلين لذلك، وأن القرار في النهاية هو قرارك، لذا فكر جيداً قبل أن تقرر التصرف على أساس أي نصيحة، واعلم أنك من اخترت وليس لك إلا نفسك لتلومها.
نظرة الشك هذه يجب ألا تنحصر فقط في النصائح الموجودة على المنتديات، بل يجب أن تمتد لتشمل أيضاً نصائح المحللين والمستشارين على الإنترنت وغير ذلك من المجهول هويتهم أو درجتهم العلمية أو درجة تأهيلهم واعتراف الجهات الرسمية بهم. فمعظم هؤلاء لم تلسعهم نيران السوق وبالتالي يفتقرون إلى حساسيته. ولذلك على الرغم من أنهم قد يفهمون أكثر من غيرهم مالية الشركات إلا أنه ليس لديهم حساسية التداول والاستثمار، التي يكتسبها عادة المشاركون بالسوق بعد سنوات يمرون خلالها بالكثير.
ولو كان باستطاعة هؤلاء كسب ثروات هائلة في سوق الأسهم من خلال تطبيق نصائحهم فلماذا يعملون لديك ولدى غيرك مقابل أجر. وكي لا يسيء البعض الفهم، يجب أن نؤكد أن المستشار المالي بإمكانه مساعدة المستثمر فعلاً، ولكن بشرط أن يناقش الأخير الأول حول أسباب إسداء هذه النصيحة بالتحديد له، تماماً كما يسأل المريض طبيبه عن سبب كتابته لدواء معين دون غيره.
من فضلك .. لا تكن غبياً
في العالم العربي وفي منطقة الخليج تحديداً يوجد عدد لا بأس به من الصحف والمواقع المتخصصة بالمال والأعمال التي تقدم مواد رصينة تهم المستثمرين، تشمل على سبيل المثال نتائج الشركات وأحجام التداول وحركة المؤشر والتغيرات التي قد تشهدها مجالس إدارات الشركات.
تمتنع المواقع الاقتصادية الجادة عن تقديم توصيات صريحة بالبيع أو الشراء لأي من الأسهم المتداولة بالسوق، وذلك لإدراكها مدى إشكالية خطوة كهذه، لأنها لو فعلت ذلك ستتهم بمحاولة توجيه السوق أو التشهير بشركة معينة.
ما تقوم به هذه المواقع هو تقديم معلومات خام موثوق منها، ثم تترك الباقي لعقل المستثمر وطريقة حكمه وتقييمه للأمور. هذه المعلومات لها أشكال كثيرة، فمن الممكن مثلاً أن تكون عبارة عن نتائج فصلية أو أخبار عن عمليات استحواذ، مشروعات جديدة، أو مقابلات مع كبار المديرين.
قد تحمل هذه المعلومات في طياتها تفاصيل خطط الشركة ومنتجاتها الجديدة وخطواتها التكتيكية المرتقبة، والتعيينات الجديدة لكبار التنفيذيين، وشكل وتكوين مجلس الإدارة ومبيعات الشركات التابعة وغيرها من المؤشرات الأخرى التي يمكنها مساعدة المستثمر على تكوين وجهة نظر واضحة حول كيفية إدارة الشركة لأعمالها.
يميل عدد غير قليل من المشاركين بسوق الأسهم السعودي إلى القول بأنهم لا يصدقون أي شيء يقرؤونه في المواقع أو الصحف، وذلك ربما لأنهم يعتقدون أن الصحفي لا يجب أن يخطئ أبداً. ولكن ببساطة يا سادة، إن الصحفيين بشكل أساسي ينقلون عن غيرهم، وإن ذوي الضمير منهم يحاولون بقدر إمكانهم التأكد من صحة ما ينقلونه للقارئ، وخصوصاً إذا كانوا يعملون لصالح مكان له سمعة مرموقة.
ومن الغباء أن يقرر أي شخص دخول سوق الأسهم وفي نفس الوقت يقرر تجاهل هذا الكم الهائل من المعلومات الذي توفره المواقع والصحف المالية والاقتصادية الرصينة.
الخلاصة: في سوق الأسهم هناك الكثير من النصائح حول أفضل طرق وأساليب الاستثمار الغث فيها أكثر من السمين. لا توجد مشكلة في الاستماع إلى أكبر عدد منها ولكن بشرط أن تقوم كمستثمر بموازنتها داخل عقلك ووضعها في إطارها الصحيح، وأن تستخدمها كعامل تأخذه في اعتبارك وليس كمحدد نهائي لقرارك الاستثماري. ومرة أخرى ننصحك: لا تطبق نصيحة أي أحد بشكل أعمى بما في ذلك هذه النصيحة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}