"السياسة والمال أو المال والسياسة".. كلمتان كثيرًا ما اقترنتا ببعضهما البعض عند الحديث عن النفوذ في الرأسماليات الغربية، ومن غير المفهوم (وربما من غير المهم) أيتهما تؤثر في الأخرى، لكن على الأرجح فإن التأثير متبادل وكل منهما تدفع الأخرى في فلك شبه دائري.
وفي الوقت الذي يعتلي فيه سدة حكم أكبر اقتصادات العالم، رجل أعمال، فإن "ترامب"، ليس الوحيد الذي جمع بين نفوذ السياسة والمال في الولايات المتحدة، بل إن تأثيره في كلا الجانبين كان متواضعًا حتى وقت قريب (قبل توليه قيادة البيت الأبيض)، مقارنة بآخرين.
ولعل أحد أبرز رجال الأعمال الأمريكيين الذين أثروا في (وتأثروا) بمجريات السياسة في البلاد، هو الملياردير "ديفيد كوك" الذي وافته المنية في الثالث والعشرين من أغسطس لهذا العام عن عمر يناهز 79 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض.
"ديفيد" الذي سيطر إلى جانب أخيه الأكبر "تشارلز" على أعمال "كوك إندستريز"، تبرع بمئات الملايين للأعمال الخيرية، إلى جانب إنفاقه على الحملات الداعمة للتيار اليميني والأفكار المحافظة، ووصفته صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنه الرجل الذي أعادت ثروته تشكيل السياسة في الولايات المتحدة.
تنشئة البسطاء في منزل الأثرياء
- ولد "كوك" في الثالث من مايو عام 1940 في ولاية كانساس الأمريكية للأبوين "فريد وماري كوك"، وله ثلاثة إخوة هم "فريدريك" الأكبر، و"تشارلز" الثاني، و"ويليام" شقيقه التوأم، وعرف منذ صغره بحبه لمجال التقنية والتحق بعد التعليم الثانوي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
- حصل "كوك" على درجة البكالوريوس ثم الماجستير في الهندسة الكيميائية، ورغم أن عائلته كانت ميسورة الحال وتمتلك ثروة كبيرة، لم يرغب الأب أن ينشأ الأبناء في حياة مترفة يقضون فيها أوقات فراغهم بجانب المسبح وفي ملاعب الجولف، وحثهم على العمل خلال موسم الإجازة.
- كان "كوك" لاعب كرة سلة مميزا خلال دراسته الجامعية وله معدل تهديفي قياسي دام فترة طويلة، وبعد التخرج عمل كمهندس أبحاث وتصميم عمليات، وفي عام 1970 التحق بالنشاط التجاري للعائلة الذي تأسس في عام مولده، وشغل منصب مدير الخدمات الفنية في وحدة "كوك إنجنيرينج".
- بحلول عام 1979، أصبح "كوك" رئيسًا للشركة التي تغير اسمها الآن "كوك إنجنيريد سلوشنز"، وساهم وفريقه في توسيع حجم الأعمال إلى 50 مرة عن المستوى الذي بدأ عنده، واليوم توفر الشركة معدات وخدمات تعمل على تحسين جودة والوقود والمواد الكيميائية والأطعمة مع زيادة كفاءة الطاقة وخفض الانبعاثات.
- عثر الأخ "تشارلز" بعد وفاة أخيه الأكبر "فريدريك" عام 1967، على رسالة كتبها لهم الأب عام 1936 تتضمن نصيحة مالية هي: إذا اخترتم السماح لهذه الأموال بتدمير مبادرتكم واستقلالكم، فإنها ستكون لعنة عليكم وسيكون من الخطأ أن أمنحكم إياها، بحسب "بزنس إنسايدر".
الأخطاء لم تمنع التوسع
- رغم أن النشاط التجاري العائلي نما تحت إشراف "فريد" و"ديفيد" بشكل مطرد، إلا أن المجموعة واجهت عقبات عديدة خاصة في أعمال النفط والكيماويات، حيث اضطرت إلى دفع 6.9 مليون دولار عام 1998 لتسوية تسرب نفطي في مينيسوتا.
- تحملت "كوك إندستريز" أيضًا 8 ملايين دولار غرامة تورطها في تهمة جنائية لاحقة، ودفعت 296 مليون دولار تعويضا لذوي مراهقين توفيا بعد انفجار خط أنابيب تابع لها في نفس العام، وتم تغريمها 28.5 مليون دولار عام 2002 لتلاعب إحدى شركاتها التابعة بالأسعار.
- تورطت الشركة أيضًا في مخالفات متعلقة بالبيئة ودفعت ثمنها نقدًا، لكن ذلك، لم يعرقل مسيرة التوسع، وشملت أعمالها مجالات التعدين والعقارات وحتى تربية المواشي، واليوم تصل إيراداتها السنوية إلى 110 مليارات دولار، وتعد ثاني أكبر شركة خاصة في الولايات المتحدة.
- قدرت "فوربس" ثروة "كوك" هذا العام بنحو 50.5 مليار دولار، وهي تجعله وأخاه "تشارلز" في المرتبة الحادية عشرة بقائمة أثرياء العالم، وتقول إنه تبرع خلال مسيرته بنحو 1.3 مليار دولار إلى مؤسسات وقضايا خيرية ذات صلة بالبحث الطبي والتعليم والفنون.
جدل سياسي حول نفوذ "كوك"
- عرف "كوك" بتأييده للحزب الجمهوري ودفعه جهة التيار اليميني المحافظ، كما عرف بأفكاره التحررية وروج لمعتقداته الاقتصادية على المستوى الوطني عبر منظمات مثل "أمريكان فور بروسبريتي" وهي جماعة ضغط يمنية، وفقًا لـ"بي بي سي".
- في كتاب "المال الأسود" لـ"جين ماير"، جاء أن "تشارلز" و"ديفيد كوك" استخدما أموالهما الطائلة لتكوين "شبكة هائلة" من النفوذ السياسي لدعم قيم التحررية التي يؤمنان بها، ورغم ميولهما اليمينية لكنهما اصطدما لاحقا مع الرئيس "دونالد ترامب" وانتقدا سياسة التعريفات الجمركية.
- ضمت الشبكة أكثر من 700 متبرع، بالإضافة إلى مجموعة "أمريكان فور بروسبريتي" التي توجد في 36 ولاية، والتي أصبحت منافسًا للحزب الجمهوري على أجندة المحافظين.
- دعم "كوك" بشدة جهود الحكومات لتسويق مفاهيم الحرية ومبادئ السوق الحر، ورفض إصلاح "دود فرانك" ودعا إلى خفض الضرائب وتبسيط اللوائح، كما انتقد بعض الجهود العسكرية للبلاد بسبب الخسائر في أرواح الجنود واستنزاف موارد الدولة، بحسب موقع "ساكسس ستوري".
- تعرضت جهود الأخوين "كوك" للانتقاد الشديد من قبل الديمقراطيين الذين اتهموهما "بمحاولة شراء الولايات المتحدة" عبر تمويل الحملات الانتخابية، ورغم أنهما لم يدعما "ترامب" مباشرة، لكن شبكتهما أشادت بجهوده في تخفيف اللوائح التنظيمية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}