في سوق عمل القرن الحادي والعشرين، اختصر الموظفون المسافات والوقت بفضل القدرات الفائقة التي منحتها إياهم التقنيات الحديثة، فبرامج مثل مجموعة "أوفيس" المكتبية التي تصدرها شركة "مايكروسوفت" وفرت عليهم عبء حمل ونقل العديد من الأدوات، والأهم أنها جعلت إنجاز المهام ممكنًا في أي مكان ووقت.
في ظل ابتكارات مثل الإنترنت فائق السرعة والحواسيب عالية القدرة أصبح التواصل بين أعضاء فريق العمل الواحد بسهولة إضاءة المصباح الكهربائي، وبالتالي فإن إتمام المهام المطلوبة بعيدًا عن مقر العمل بات أمرًا رائجًا، وهو ما يفسر انتشار مفاهيم مثل "العمل المستقل" و"العمل عن بعد".
والاستقلال هنا يُقصد به عمل الشخص لحساب نفسه، مثل الكاتب أو المصمم الذي يتعاون مع جهة أو أكثر دون ارتباط مباشر (تعاقد) لبيع بعض أعماله وخدماته، أما العمل عن بعد فيُقصد به الموظف المتعاقد مع شركة بعينها، لكنها تسمح له بمباشرة العمل من خارج مقرها.
هذه المفاهيم والتغيرات التي طرأت على سوق العمل أثرت في قطاع الأعمال نفسه، واستدعت إنتاج أفكار ومفاهيم أخرى تخدم هذا التوجه، مثل مساحات العمل المشتركة التي توفرها بعض الشركات الناشئة لأولئك الذين يعملون لحسابها وعن بعد.
لكن أكثر ما يجعل مساحات العمل المشتركة تلك عملًا رابحًا وسريع النمو في الوقت الحالي، ليس فقط الأفراد الذين يبحثون عن مكان هادئ ومميز لتنفيذ المهام المطلوبة منهم، ولكن أيضًا الشركات التي تبحث عن تجنب أعباء امتلاك الأصول العقارية وإدارتها.
نجم ساطع في سماء جديدة
- يقوم مفهوم مساحة العمل المشتركة على توفير مناخ ملائم للعمل (سواء للأفراد أو الشركات)، وتتسم هذه المساحة بالهدوء والراحة وتوفر بعض الأدوات المساعدة، مثل المكاتب وخدمة الإنترنت وغيرها، وعادة ما تستهدف العاملين في قطاعات التقنية والمحاسبة والمتطوعين.
- أهمية مساحات العمل المشتركة بالنسبة للشركات لا تُستمد من عدم رغبتها في امتلاك أصول عقارية فحسب، فقد تختار مساحة مشتركة كمكتب تابع لها في مدينة ما أو مركز للاجتماعات ولقاء العملاء وتوفير الوقت عليهم.
- يمكن القول إن النجم الساطع في سماء هذا المجال الآن هو شركة "وي ورك" الأمريكية، التي تستهدف توفير المساحات لشركات التكنولوجيا الناشئة (عادة لا تملك التمويل الكافي لامتلاك مقر وتجهيزه) ورواد الأعمال، والموظفين الذين يعملون لحسابهم الخاص.
- تأسست "وي ورك" عام 2010، واتخذت من مدينة نيويورك مقرًا لها، واستطاعت خلال 9 سنوات جذب أعين المستثمرين المغامرين إليها بشدة، حتى تضخمت قيمتها بمقدار عشرات المليارات من الدولارات، إلى جانب إدارتها مكاتب عمل مشتركة بمساحة مئات الآلاف من الأمتار المربعة.
إلهام وإخفاق أولي
- أطلقت "وي وورك" التي تأسست على يد "ميغيل ماكيلفي" و"آدم نيومان" أول مساحة عمل مشتركة لها في نيويورك عام 2010، حيث كانت تؤجر المساحات المكتبية للشركات الناشئة والصغيرة مقابل أجر شهري، وبحسب موقع "وايرد" فإن أعمالها نمت بشكل مطرد وسريع منذ ذلك الحين.
- قبل تدشين "وي وورك"، كان يمتلك "نيومان" شركة لتجارة ملابس الأطفال في بروكلين، وكان مقرها في نفس العقار الذي يضم مكتبا هندسيا يعمل لصالحه المعماري "ماكيلفي"، تملك الشابين إحساس بالضياع وتسخير الطاقة في المكان الخاطئ.
- لاحظ الشابان أن المبنى الذي كانا يعملان فيه كان شاغرًا جزئيًا، ما جعلهما يفكران في إمكانية استغلاله في توفير مساحة عمل مشتركة لرواد الأعمال، وبعد محادثات مضنية مع مالك العقار، وافق لهما على استخدام الطابق الأول تحت مسمى شركة "جرين ديسك" عام 2008.
- ركزت أعمالهما في البداية على استخدام الأثاث المصنع من مواد معاد تدويرها والكهرباء المولدة من طاقة الرياح، وبدت الأعمال في طريقها للازدهار والنمو السريع، لكن في نهاية المطاف اضطر "نيومان" و"ماكيلفي" لبيع "جرين ديسك" لمالك العقار "جوشوا جوتمان"، بحسب "بزنس إنسايدر".
- حصل الشابان على بضعة ملايين الدولارات من صفقة بيع "جرين ديسك"، بحسب موقع "ذا ريال ديل" المتخصص في الأخبار العقارية، وفي حين أدركا ضرورة وضع البيئة في الاعتبار عند بدء نشاطهما الخاص، تأكدا أيضًا أن الملكية المشتركة هي مستقبل العمل.
نجاح ولفت للأنظار
- بعد التخارج من مشروع "جرين ديسك" وبفضل الأموال التي حصلا عليها من بيع حصتيهما، أطلق "نيومان" و"ماكيلفي" شركة "وي وورك"، والتي لم تقتصر أعمالها على نيويورك أو حتى الولايات المتحدة وتوسعت إلى عشرات البلدان وسجلت معدلات نمو مدهشة.
- يقول "نيومان": منذ تسع سنوات، وُلدت الفكرة، لقد اعتقدنا أنه إذا أنشأنا مجتمعًا يساعد الناس على عيش حياة هادفة، فقد يكون لنا تأثير كبير على العالم، وبدأنا الرحلة عام 2010 بمبنى واحد فقط، لكن مع رؤية لعلامة تجارية حقيقية، والاقتناع بأن ريادة الأعمال تواجه نقصًا في الخدمات الموجهة إليها.
- يضيف "نيومان": كنا نعلم أن هناك مبدعين في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى مكان بمثابة وطن أو منزل ثانٍ، وآمن المستثمرون الأوائل بقناعتنا وساعدونا في بناء المجتمعات والملكيات المشتركة في أنحاء أمريكا قبل بدء التوسع دوليًا عام 2014 بنفس سرعة التوسع داخليًا.
- تحظى الشركات ورواد الأعمال الذين يتعاونون مع "وي وورك" بتأثير اقتصادي بالغ حول العالم، وسجلت الشركات الصغيرة والمتوسطة في قائمتها، نموًا سنويًا قدره 18% مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 1.7%، والآن تقدم الشركة خدماتها لنحو 5 ملايين شخص.
- تعمل "وي وورك" في أكثر 20 دولة ولديها ما يزيد على 250 موقعًا، بإجمالي مساحات مكتبية مشتركة تتجاوز 1.3 مليون متر مربع، وتُعد لندن ثاني أكبر سوق للشركة بعد نيويورك، كما أصبحت أكبر شاغل للمكاتب في المدينة بعد الحكومة البريطانية.
- خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2018، سجلت الشركة صافي خسارة قدرها 1.22 مليار دولار، وإيرادات بقيمة 1.25 مليار دولار، وتٌقدر قيمتها السوقية بنحو 47 مليار دولار، ومن أكبر داعميها اليابانية "سوفت بنك".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}