عندما ظهرت "بيتكوين" قبل عقد من الزمان تقريبًا كان الحديث حول وجود قيمة تسعى لتحدي هيمنة الدولار عالميًا هو بمثابة أمر مثير للسخرية، وعلى الرغم من الصعوبات الجمة التي واجهتها العملة طوال الفترات السابقة بجانب ارتفاع قيمتها السوقية، ورغم أن هذا لا يجعلها منافسة للدولار بالطبع لكنه قد يضعها على أول الطريق.
"فيسبوك" و"القدرة على الوصول"
وبشكل عام يمكن القول إن قوة الدولار عالميًا تكمن من 3 أسباب، أولها هو قوة الولايات المتحدة اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، وثانيها توظيفه المستمر في تعاملات التجارة، وثالثها الثبات الكبير في قيمته بما يجعله مخزنا للقيمة.
لذا فقد توفر عملة "فيسبوك" (ليبرا) تحديًا استثنائيًا للدولار من كل الأوجه، فلدى "فيسبوك" 2.38 مليار مستخدم نشط شهريًا وفقا لآخر بيان أصدرته في هذا الصدد، وهو ما يجعله في موقع متميز للغاية عن أي وسلة إعلام أو قوة اقتصادية من حيث القدرة على الوصول إلى أكبر عدد من الناس في أقصر فترة زمنية ممكنة.
وما يضع عملة "فيسبوك" في موقع متفرد هو حقيقة دخول أطراف مثل "فيزا" و"ماستركارد" و"إي باي" و"باي بال" و"أوبر" و"فودافون" وغيرها من عمالقة الاتصالات والتعاملات النقدية الإلكترونية طرفًا مع "فيسبوك" بما سيجعل للعملة ثقلا استثنائيا بطبيعة الحال.
والشاهد هنا أن في الوقت الذي تسعى "بيتكوين" وأخواتها من العملات الرقمية للنيل من مكانة الدولار فإن هذا يتم لـ"صالح الجميع" إذا جاز التعبير، بينما "ليبرا" تسعى لتوفير بديل مستقبلي له، لصالح "فيسبوك" وشركائها من شركات مؤثرة في الاقتصاد العالمي.
مخاوف أمريكية
وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أن هناك عدة أسباب تجعل "ليبرا" مهيئة للنجاح حيث فشلت "بيتكوين"، ومن بين ذلك الشركات التي تدعمها، والاتفاق على وجود أصول تدعم وجود العملة، بل وستشكل الشركات التي تقف خلفها ما يشبه بالبنك المركزي لإدارة العملة الناشئة.
ولعل ما يبرز تأثير العملة الشديد على الاقتصاد الأمريكي هو ما نشرته صحيفة "الجارديان" حول مطالبة الكونجرس لـ"فيسبوك" بإيقاف خطة إطلاقها لحين الانتهاء من دراسة آثارها المحتملة على الاقتصاد الأمريكي وخاصة على مركز الدولار عالميًا.
وتقدر "وول ستريت جورنال" حاجة "ليبرا" منذ إطلاقها، حيث ترجح تأخرها لعام أو عامين عن الموعد المقدر في 2020، إلى 5-10 سنوات حتى تتضح قدرتها على منافسة الدولار بشكل فاعل، أو التحول لعملة للمعاملات الصغيرة عبر الإنترنت فحسب.
وبقدر "القبول" بـ"ليبرا" في التعاملات النقدية سيكون القبول بها كمخزن للقيمة، ولكن ترجح دراسة لجامعة "يل" ألا تستخدم العملة في الحفاظ على احتياطيات مالية ضخمة، حيث إن ارتباطها بالشركات سيجعل الكثير من المستثمرين متخوفين من تأثير أي هزة تصيب تلك الشركات على قيمة العملة.
التحدي الصيني "المختلف"
ولا تقتصر التحديات للدولار على "ليبرا"، بل تمتد لتشمل قرار الصين بالتوسع في شراء السلع باليوان الصيني والاعتماد عليه كعملة احتياط، وآخر تلك القرارات استخدام الصين وروسيا لعملتيهما في التجارة بين البلدين بدلًا من الدولار.
وتقدر حجم التجارة السنوية بين الصين وروسيا بحوالي 100 مليار دولار، وهو ما يشكل رقما زهيدا إذا ما قيس بـ16 تريليون دولار تشكل حجم التجارة الدولية، إلا أنه يضع قناعة جديدة في فكرة الاعتماد على العملات المحلية في التجارة بين الدول.
كما تشير تقديرات شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية إلى أن اليوان الصيني كان معتمدًا من مائتي بنك تقريبًا في عام 2001 كعملة دولية، بينما يعتمد حاليًا من أكثر من 10 آلاف بنك حول العالم، بما يوضح النمو السريع بالاعتراف به كعملة.
وتتضمن خطة طريق الحرير الصينية رفع مستوى جودة المنتجات الصناعية والتركيز على "منتجات المعرفة" أو تلك التي تستخدم التكنولوجيا بكثافة، ولا شك أن تحقيق مثل تلك الرؤية سيتطلب من الصين تغيير سياسة "اليوان الرخيص" المتبعة حاليًا إلى عملة محلية أكثر قيمة، بما سيجعلها أكثر ملاءمة للاستخدام في الاحتياطيات.
وبغض النظر عما سيؤول إليه وضع الدولار في المستقبل القريب، إلا أن العملة الأمريكية- العالمية تواجه تحديات عدة، بين "بيتكوين" التي تريد نقل سلطة نقل الأموال لأيدي الجميع، والصين الراغبة في مزاحمة الدولار على القمة مستقبلًا، وأخيرًا شركات، معظمها أمريكي، قررت أنه بوسعها القيام بإحدى وظائف الدول الخاصة بالعملات وإدارة الشؤون المالية أمريكيًا وعالميًا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}